المنبرالحر

الطبقات والصراع الطبقي في الريف العراقي / احمد عبد علي القصير

كانت نسبة سكان الريف تشكل 76 في المائة من سكان العراق، بينما هي الآن 26في المائة فقط. وكانت الارض جميعها للدولة او وقفية (وقف). كما عمل البريطانيون منذ العشرينات بعد ان تلقوا درس ثورة العشرين. وكانت حصيلة سياساتهم ان استولى شيوخ العشائر الكبار والساسة الذين يؤلفون الاقلية الحاكمة وبعض اثرياء المدن و(ساداتها) على معظم الاراضي الزراعية حتى بات 2 في المائة فقط ممن يحوزون الارض عام 1958 يضعون ايديهم على ثلثي الاراضي الزراعية في البلاد، وهو امر ربما لم يشهده بلد آخر اطلاقاً، بواسطة قوانين التسوية التي صدرت من حكومة الاحتلال الانكليزي للعراق، وبتوجيه منها، قام الحكم الملكي بتكريس ذلك، واضفاء الصفة القانونية على هذا التصرف، بما يعرف بقانون حق اللزمة وتسوية الاراضي وغيرها كالحقوق الممنوحة في الاراضي الاميرية الصرفة التي كانت تستند على اسس العرف والعادة:
1- فاصبحت بتعسف احكام هذه القوانين اراضي العراق الشاسعة يملك منها 18في المائة نحو 90 ملاكاً، والباقي مشترك او موزع بين خمسة ملايين وهم سكان العراق آنذاك وبيت المال.
2- اصبح لبعض الاقطاعيين اراض تعادل سعتها اراضي لوكسمبورغ او لبنان، بل لبعض هؤلاء من الاراضي الغنية اكثر من هاتين الدولتين الصغيرتين ولا يستغلون الارض كلها، في حين انهم يسعون الى التوسع ووضع اليد على اراض اخرى.
3- ان الاراضي التي كانت مشتركة لافراد العشيرة (الديرة) ومبدأ الملكية الجماعية الكامن وراءها، جاءت قوانين التسوية فسجلتها جميعا باسم شيوخ العشائر المتعاونين مع الحكومة وسلطات الاحتلال، وتركت الشقاء والجوع لافراد العشيرة، بينما كانت (الديرة) مظهرا من مظاهر القرن الثامن عشر واوائل القرن التاسع عشر الا وهو مظهر الديرة ومبدأ الملكية الجماعية.
4- منذ البدء شخص الحزب الشيوعي الاوضاع والعوامل التي يجري في اطارها افقار الفلاحين واستغلالهم، على الاستفادة من المعلمين والموظفين الصحيين ورجال الدين المتنورين الذين يزورون القرى في مواسم معينة، والعلاقات التي يقيمها الفلاحون مع من يتعامل معهم في المدينة، وبفعل هذا التوجه جرى تكوين جمعيات اصدقاء الفلاح، مع ذلك الى نهاية الاربعينات لم يفلح الحزب في مد نفوذه الى الريف الا بقدر محدود جدا، في بعض مناطق آل ازيرج وآلبو محمد في لواء العمارة وفي ابي الخصيب في البصرة، وحول بهرز في لواء ديالى وفي قرى شهرزور في لواء السليمانية وفي قاضي خانه في سهل اربيل.
شكل جديد من النضال
حتى الاربعينات ظلت النزاعات العامة في الريف تدور بين العشائر المتجاورة وليس داخل العشيرة نفسها، منتصف الاربعينات دافع الايزيديون شمال سنجار وعشيرة البو متيوت جنوب سنجار حتى تلعفر ضد شيوخ شمر الذين حاولوا التجاوز على ارضهم.
في الجنوب شكلت حركة آل الفرطوس عام 1949 وهم من العشائر المستضعفة في لواء العمارة حلقة الانتقال من النزاعات العشائرية التي سادت المرحلة السابقة الى الشكل الجديد من النضال في الريف الذي تعمقت فيه السمات الطبقية، وعادوا عام 1950 لكن الشرطة قمعوهم ورحلوهم من العمارة الى لواء المنتفك. ومنذ ذلك التاريخ صارت النضالات الفلاحية تتجه نحو اقطاعيي العشيرة ذاتها.
وفي عقد الخمسينات ازدادت عمليات نهب الاراضي الزراعية وتعمق افقار الفلاحين وتميزت هذه الفترة بـ:
• اصدار التشريعات الحكومية التي تصب جميعها في تسهيل عملية نهب الاراضي الاميرية (ارض الدولة) والتي بدأت في الثلاثينات. منحت باللزمة للملاكين او تفويضها بالطابو وتمكينهم من وضع اليد على مقاطعات شاسعة باسم تشجيع اعمار الاراضي او توطين القبائل الرحل.
• تعاظم استخدام المكائن الزراعية.
• تلاحم المصالح بين الاقلية الحاكمة وملاكي الراضي، القوانين والقوى الامنية لخدمة ملاكي الاراضي والملاكون يؤلفون اغلبية ثابتة في مجلس النواب هي طوع بنان الاقلية الحاكمة توجهها لاتخاذ هذا القرار او ذاك.
تكون الجمعيات الفلاحية
تسلم الرفيق الشهيد سلام عادل مسؤولية منظمة الفرات الاوسط عام 1954 وركز اهتمامه على تطوير نشاط الحزب عموما في الريف وتكوين جمعيات فلاحية مهنية (سرية). والفرات الاوسط اكثر تحضرا ووعيا بالقياس الى بقية المناطق الفلاحية الاخرى لقربها من النجف وكربلاء والكوفة والحلة وجميعها معروفة بنشاطها الثقافي العام.
قبل الوثبة عام 1948 دار نزاع في ناحية (عربت) بين الفلاحين والشيخ لطيف الحفيد وكانت حصيلته لصالح الفلاحين. وفي عام 1950 نشب صراع بين فلاحي قريتي باني خيلاني و(ده ره درين) والملا حسين فهمي الجاف وانتشر الخبر بسرعة في عموم القرى المحيطة وتحرك فلاحو قريتي هورين وشيخان.
• في 5/ 11/ 1952 تحرك فلاحو آل ازيرج في العمارة وارض اللواء اميرية صرفة كذلك في ربيع عام 1955 تحرك منهم عشرون الف فلاح ضد الملاكين الاقطاعيين عائلة شواي الفهد الذي يملك ( 450/ 148) دونم وسلمان المنشد يملك (688/ 72) دونم وهم زعماء قبيلة آل ازيرج وتصدر الفلاحون الشيوعيون حركة الاحتجاج ضد مصادرة أرض عشيرتهم المشاعية: فعل ضمد وخلف الجمالي وسالم سريح وعبد الكريم كرم وصدام منحوش وصاحب ملا لازم وصاحب الفزع وحمود الفياض
• عام 1952 وفي اطار تشريعات الحكم لتمليك الاراضي الزراعية للملاكين اصدرت الحكومة قانون رقم 42 لسنة 1952 الذي منحت بموجبه اراضي لواء العمارة باللزمة مناصفة بين الملتزمين الاولين والملتزمين الثانويين.
• بدا واضحا منذ منتصف الخمسينات ان الحركة الفلاحية بدأت تتخذ وضعا جديدا افضل. وكان ميدانها هذه المرة هو الفرات الاوسط الذي تنتشر فيه الملكيات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة الى جانب الملكيات الواسعة لشيوخ القبائل والسادة، ومنطقة الفرات معروفة بتقاليدها الثورية العريقة.
• يتضح ان الحركات الفلاحية في الخمسينات قد اكتسبت سماتها الخاصة كحركة طبقية يحفزها تطلع الفلاحين نحو الارض وانها لم تعد كحركات موضعية تسببها عوامل عرضية طارئة، وانما راحت تتوالى ويؤثر بعضها في البعض، مع تنامي الوعي الطبقي الذي لعب الحزب الشيوعي دورا ملحوظاً في نشره بينهم، حيث اصدر جريدة مركزية تعنى بشؤون الفلاحين ومشاكل الريف عامة سماها (نضال الفلاحين) وظلت تصدر حتى عام 1957، وقد وزع من العدد الاول الف نسخة والثاني 3000 آلاف نسخة حتى وصلت الى 5000 آلاف نسخة وهو رقم ضخم اذا اخذنا في الحسبان تفشي الامية آنذاك.
ان هذه التحركات الفلاحية الواسعة والعنيدة اظهرت العزلة الخانقة التي انتهى اليها الملاكون والاقطاعيون في الريف وكشفت عن طفيلية هذه الطبقة ودورها المعرقل في تقدم البلد اقتصادياً واجتماعياً.
ان الوضع العام في بلدنا يتميز بافتضاح المزيد من تجاوزات الكتل المتنفذة وشخصياتها على حقوق الشعب، ونهب المال العام وعدم سعيهم، بل عدم قناعتهم بدولة المؤسسات رغم الضجيج بالوطنية والمواطنة والنزاهة. ان الجماهير يتنامى استعداها للنضال فعلى الوطنيين الساعين الى قيام دولة مدنية ان يهيؤا انفسهم فكريا وسياسيا وتنظيميا لقيادة الجماهير فمن دون نضال حازم فان الازمة الراهنة لن تتحول لصالح الجماهير.
ان رفع الوعي الطبقي واستثمار تنامي استعداد الناس للدفاع عن مصالحها كفيل بقيام دولة تنهض بواجباتها في خدمة المواطن والوطن، وتكون حقا دولة القانون والمؤسسات.