المنبرالحر

تهمة الإلحاد بالشيوعيين / محمد علي العامري

إننا لسنا ضد الدين ، بل ضد التطبيق السلبي للدين -- أنجلز
إذا أردت أن تتحكم في جاهل ، عليك أن تغلف كل باطل بغلاف الدين -- أبن رشد 1126 م – 1198 م
بسبب ما يسمى بالتوازنات والمعادلات التي قام عليها النظام السياسي الطائفي في العراق ، بلغت الإنقسامات الداخلية مداها الذي ينذر بكارثة إجتماعية ، فقد تداعى الى إنقسام مذهبي عاصف ، كان ولا يزال الأكثر تأثراً وتفجراً ، وقد وضع البلاد على شفير حرب أهلية . فالكتل الإسلامية وأحزابها قد إستغلت الدين بأبشع صور الإستغلال لتختزله بالطائفية والمذهبية ، فأصبح عامل أنقسام وخلل خطير يحول دون بناء وحدة وطنية حصينة ، بل تجاوزت هذه الكتل الى مديات أكثر خطورة على العراق وشعبه في تنامي إستخدام العامل المذهبي في المدى الإقليمي ، ليكون تداول الوصاية والأوصياء وبناء معادلات الداخل بالإرتباط بالمعادلات الإقليمية والدولية ، والمضي في سياسة الإستقواء والإرتهان بالتدخل الإقليمي ، فلقد أمتد النفوذ الخارجي عميقاً في ثنايا الواقع العراقي " وتصاعد الدور الإقليمي وتعمق كثيراً في نسيج الحياة السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية والإجتماعية والثقافية والدينية العراقية "
فالأوضاع المأساوية والكارثية في العراق تتطلب الكفاح والعمل من أجل التخلص من نظام المحاصصة الطائفية المقيتة وإقامة نظام مدني ديمقراطي بديل ، ليكون هو الحل الجذري لهذا المأزق . ليكون نظام مدني علماني بخصائص عراقية يفصل الدين عن الدولة ، وأن يحيد العمل السياسي العام ووظيفة الدولة ومؤسساتها عن الإستخدام الطائفي والمذهبي . ولهذا يبرز المطلب البديل عن الدولة الدينية هو الدولة العلمانية ، لأن الدولة الدينية تحتكر الحقيقة المطلقة لها والتي يؤمن الأصوليون بإمتلاكها ويحاربون ويعادون كل من يختلف معهم ويخالفهم .
" والعلمانية برفضها وهم إمتلاك الحقيقة المطلقة قد تساوي بين كل العقائد ولاتحكم بصحة او خطأ أي عقيدة فهذا ليس شأنها . بل تحترم كل عقيدة وتعمل على إتاحة المجال لأصحاب العقائد المختلفة ليمارسوا عبادتهم وشعائرهم دون وصاية ، وكذلك تقر بحق كل طائفة دينية في بناء دور العبادة الخاصة بها .
فإذا ما حرر التعدد الديني والمذهبي والطائفي في العراق من الإستغلال السياسي والفئويات ،" يكون مصدر غنى ثقافي ودافعاً للتسامح والإنفتاح ، وكذلك يكون عاملاً لتعزيز الديمقراطية في الحياة العامة . " أما إذا اعتمد معياراً للفرز والتناقض والصراع ، فيمكن أن يؤدي الى شرذمة الشعب والى دمار المجتمع ، فضلاً عن تشويه الدين ذاته "
فالعلمانية تعني الزمانية والحداثية وليس الإلحاد كما يحلوا للإسلاميين ان يسموها . وكذلك الدولة اللادينية هي ليست دولة الإلحاد وانما تعني فصل الدين عن الدولة ، وفصل الدين عن السياسة ، وهذا لا يعنى إلغاء الدين أو الإنتقاص منه ، بل هو تعزيزاً واحتراماً له . وهناك الكثير من رجال الدين العقلانيين يطالبون جهاراً بالدولة العلمانية ، لأنهم على دراية تامة بأن العلمانية تحمي الدين من سيطرة الدولة عليه ، وتحمي الدولة من سطوة الدين .
وثائق الحزب الشيوعي العراقي
جاء في المادة ( 1 ) من النظام الداخلي للحزب :
" الحزب الشيوعي العراقي إتحاد طوعي لمواطنات ومواطنين يجمعهم الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والكادحين وعن الحقوق والمطالب الوطنية لسائر فئات الشعب ، والكفاح من أجل تأمين التطور الديمقراطي الحر والمستقل للبلاد ، ولتحقيق التحولات الإجتماعية وصولاً الى بناء الإشتراكية فيها "
هنا وفي أهم وثيقة تنظم حياة الحزب الداخلية ، لم يتطرق الحزب لا من بعيد ولا من قريب الى قضية الدين أو المساس به ، أو حث المنتسبين اليه الى رفض الدين كشرط الإنضمام الى صفوفه .وهذا جواب واضح لكل من يحاول أن يلصق تهمة الإلحاد أو الدعوة الى الإلحاد بالحزب الشيوعي العراقي .
ففي أدبيات الحزب الشيوعي العراقي وبرنامجه السياسي نجد أن الحزب يبحث عن أصل ومسببات عذابات ومآسي الإنسان العراقي في عمق الصراع السياسي والإجتماعي حول علاقات الإنتاج الإجتماعية. ويتخذ هذا الصراع " يتخذ منذ عقود طوال شكل ومضمون المواجهة بين مشروعين متمايزين تماماً : مشروع الدولة الدينية ، من جهة ، والذي تقف وراءه وتدعمه القوى الظلامية التي تتخذ من قدسية الدين درعاً أيدلوجياً لتحقيق مصالحها الإقتصادية والسياسية الدنيوية الضيقة ، ومشروع الدولة المدنية الديمقراطية من جهة أخرى ، والذي ترفع لواءه قوى الإستنارة والعقلانية السياسية التي تتطلع الى نظام حكم يراعي خصائص التعدد والتنوع الذين يتميز بهما شعبنا العراقي ، بما يصون الوحدة الوطنية "
وما يسعى اليه الحزب الشيوعي العراقي لتوحيد قوى الإستنارة في النضال من أجل الدولة المدنية الديمقراطية ، ومواجهة التطرف والهوس الديني ، لا يعنى أن الشيوعييين يسعون لمحاربة الدين ، وإنما يسعون لإبعاد المخاطر الناجمة عن الدولة الدينية وإقحام قدسية الدين في السياسة .
منذ الحلقات الأولى التي تأسس على ضوئها الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 ولحد يومنا هذا حرص الحزب على التعامل مع الدين بإعتباره مكوناً أساسيا من مكونات وجدان المجتمع العراقي ، وتأسست رؤيته على إحترام مقدسات العراقيين وأديانهم - الإسلام ، المسيحية ، اليهودية ، الصابئة المندائية ، الأزيدية والشبك - ولم أجد ضمن بحثي ومتابعتي لبرامج ومواقف الحزب الشيوعي العراقي أي إستهانة بدور الدين في حياة الفرد والإسرة ، بل وجدت الرفض التام لأي إساءة أو الإنتقاص أو المساس بالمقدسات والأديان ، حيث بذل الشيوعيون جهدهم لعدم إثارة مسألة الدين ، مستلهمين على الأقل موقف أنجلز الواضح " إننا لسنا ضد الدين ، بل ضد التطبيق السلبي للدين " . بالوقت نفسه يرفض الشيوعيون العراقيون أن يكون الدين ورقة نزاع في سياق الصراع الإجتماعي . وما زال موقفهم المعارض من الناحية الفكرية والسياسية ضد أي مسعى ، ومن أي قوى إجتماعية أو سياسية لإستغلال الدين في تحقيق أي مغانم أو مآرب فئوية أو طائفية ضيقة تخل بالنسيج الإجتماعي .
شيوعيون مؤمنون
لو وضعنا خارطة الحزب الشيوعي التنظيمية وأحصينا عدد الشيوعيين المؤمنين والمتدينين ، لوجدناهم كثر ، فهناك المسلم المتدين الصائم المصلي والذاهب الى الحج ، وهناك المسيحي المؤمن وكذلك الصابئي المندائي والأيزيدي والشبكي الذين يمارسون طقوسهم الدينية وهم شيوعيون .
والسبب هو :
أولاً – وكما وضحنا أعلاه ، أن الحزب الشيوعي لا يشترط على الراغبين في الإنضمام الى صفوفه أن يتخلوا عن دياناتهم أو مقدساتهم - راجع النظام الداخلي ، المادتين الأولى والثانية في شروط العضوية.
ثانياً – العدالة الإجتماعية التي يسعى الحزب الشيوعي لتحقيقها بإعتبار المواطنة هي التي توحد الشعب العراقي وتحافظ على تماسك نسيجه الإجتماعي ، بغض النظر عن دين المواطن أو مذهبه أو قوميته .
رابعاً - المساواة الكاملة في شروط العضوية ، فترى المسلم والمسيحي والصابئي المندائي والإيزيدي والشبكي والملحد يجتمعون على طاولة واحدة وفي هيئة حزبية واحدة ، ولا أحد منهم يعرف من هو المسلم أو المسيحي أو غيرهم من الديانات الأخرى، إلاّ إذا كانوا من نفس المنطقة أو العمل .
خامساً – يجد البعض في إنضمامهم للحزب الشيوعي أن هناك عدالة ومساواة في الحقوق كمواطنين عراقيين بعدما شعروا أن هناك بعض الإضطهاد الإحتماعي ، ولم يجدوا ملاذا سوى الشيوعيين الذين هم من يدافع ويناضل من أجل طمس الفوارق الإجتماعية بسبب الدين أو المذهب أو القومية وغيرها .
سادساً – البرنامج الوطني للحزب الشيوعي ، ونضال الشيوعيين وكفاحهم من أجل المساواة والسعي لتحقيق مطالب العمال والفلاحين والفقراء وتخفيف معاناتهم والحد من إستغلالهم من قبل أرباب العمل والإقطاعيين ، والتي تم تحقيق الكثير من هذه المطالب ، حيث إقتنع العمال والفلاحون والكسبة بأن الشيوعيين هم من حقق لهم هذه المكاسب التي رفعت من مستواهم المعيشي ، ورفعت الحيف عنهم ، فسارع الكثير منهم الى الإنتماء للحزب الشيوعي وهم متسمكين ومحافظين على ديانتهم وتدينهم . وهناك الكثير غيرهم من الموظفين والمعلمين وأساتذة الجامعات الذين إقتنعوا وآمنوا بمسيرة الحزب الشيوعي النضالية من أجل الحرية والديمقراطية وبناء الدولة المدنية ، فأصبحوا أعضاءاً لهم مكانتهم المرموقة داخل الحزب بالرغم من بقائهم على تدينهم والتمسك بمعتقداتهم ومقدساتهم .
فالشيوعيون لم يشغلهم الإلحاد والدين والتدين ، ولا بوجود الإله أو عدمه في خططهم وبرامجهم الفكرية والسياسية ، إنما مشكلتهم الكبرى هي " القضاء على التفاوت الطبقي وتحقيق المساواة بين الناس عن طريق إعادة توزيع الخيرات بينهم توزيعاً عادلاً " .
والتحليل الماركسي لا يؤمن أصلاً بفكرة صراع الحضارات أو الصراع الديني الفكري ، بل ينطلق من مبدأ صراع الطبقات المتفاوته . وهذا ما يؤكده البيان الشيوعي الذي كتبه ماركس وأنجلس عام 1848 " إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن ، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية " .
ولهذا لم أر أي مبرر أو سبب إلصاق مسألة التبشير للإلحاد بالحزب الشيوعي العراقي وبالشيوعيين بشكل عام . فالشيوعيون كانوا ومازالوا يتجنبون بطريقة واعية توجيه حتى أصغر إساءة الى معتقدات الناس أو المساس بها ، لأنها غير مطروحة أصلاً في أجندتهم وبرامجهم السياسية والتنظيمية . وخير دليل على ذلك ما كتبه القيادي بالحزب الشيوعي العراقي الراحل زكي خيري : " في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي الذي انتميت اليه منذ العام الأول لتأسيسه ، لا توجد أية حالة تورط فيها الحزب في صراعه مع المتدينين من أي دين كانوا " .
المصادر :
النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
البرنامج السياسي للحزب الشيوعي العراقي للمؤتمر العاشر 2016
كتابات الرفيق فهد
مذكرات زكي خير ( صدى السنين في كتابات شيوعي عراقي مخضرم )
البرنامج السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
برنامج الحزب الشيوعي السوداني للمؤتمر الخامس 2009
ستوكهولم
12 حزيران 2017