المنبرالحر

خلفيات الأزمة القطرية وملابساتها / إلياس نصرالله


*هي نتيجة مباشرة لفشل مخطط إسقاط نظام الحكم في سورية وتقسيمها
*آل ثاني تورطوا في قبولهم دور راعي الحركات الإسلامية*
**مصير مجهول
أساس النزاع بين السعودية وقطر هو أن القطريين كانوا ولا يزالون يخشون باستمرار من رغبة جيرانهم السعوديين في ابتلاعهم. لذلك عمل القطريون كل ما في وسعهم من أجل تحصين دولتهم الصغيرة في وجه الأطماع الخارجية التي كانت في الأساس تأتي من السعودية، فلولا الغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه أخيرًا (أول شحنة غاز طبيعي صدّرتها قطر إلى الخارج كانت في عام 1996 من نصيب اليابان) لينتظر قطر مصير مجهول.
**السعودية و"الاخوان"
العلاقة بين السعودية وحركة "الإخوان المسلمون" في مصر بدأت تهتز في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي على أثر مطالبة الإخوان بالمشاركة في الانتخابات لمجلس الشعب، الأمر الذي لم يرق للحكومة السعودية التي تعارض الأنظمة الديمقراطية وتُحرّم المشاركة في الانتخابات وتعتبر أن النظام الملكي هو الأسلم شرعًا وأن الملك هو الخليفة، وأن أي نظام حكم يقوم على الانتخابات الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، خصوصًا الدول القريبة من السعودية يشكل تهديدًا لها ولسلطة آل سعود
يتساءل الكثيرون عن سبب الخلاف الذي انفجر خلال الأيام الأخيرة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، بالإضافة إلى موريتانيا والحكومة الليبية المؤقتة التي انضمت إلى الدول الأربع وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، ثم الأردن الذي خفض تمثيله الدبلوماسي مع قطر، فمن الواضح أن السعودية والدول المتحالفة معها تخوض معركة من أجل تطويع قطر الدولة الصغيرة جدًا من ناحية المساحة وعدد السكان (300 ألف قطري و1,5 مليون عامل وموظف من جنسيات مختلفة) التي في نظر هذه الدول شبّت عن الطوق كثيرًا وتنتهج سياسات خارجية تنطوي على تدخلات في الشؤون الداخلية للسعودية والدول الأربع الأخرى التي لن تسمح لها بالاستمرار، رغم التحالفات القائمة بينها وبين قطر في بعض القضايا مثل سورية واليمن وليبيا.
احتار الناس في سبب الخلاف بين هؤلاء الذين كانوا وما زالوا إلى حدٍ ما حلفاء وبذلوا الغالي والثمين من أجل تغيير نظام الحكم في سورية فدمروها وسعوا إلى تقسيمها لدويلات، كما أنهم كانوا حلفاء في الحرب التي شنتها السعودية على اليمن، وشاركت قوات قطرية إلى جانب القوات السعودية والإماراتية في هذه الحرب وسبق أن تحالف الطرفان أيضًا في الحملة لإسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي، علاوة على أن قطر والسعودية والإمارات والبحرين هي أعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهناك روابط عائلية واجتماعية ودينية واقتصادية عديدة تربط بين شعوب هذه الدول.
قبل الخوض في الحديث عن هذا الموضوع ينبغي التأكيد على أن الخلاف الحاصل بين قطر والدول المتحالفة ضدها هو نتيجة مباشرة لفشل المخطط لإسقاط نظام الحكم في سورية وتقسيمها. فقطر شعرت أنها خرجت من الأزمة السورية أضعف مما كانت عليه قبل عام 2011، وأنها أصبحت عالقة بين مطرقة السعودية من جهة وسندان إيران من الجهة الأخرى، فسارعت إلى تحسين علاقاتها مع إيران مما أزعج السعودية وعدد من الدول الأخرى. فالمطلوب من قطر قطع علاقاتها مع إيران والتخلي عن "الإخوان المسلمون" الذين على الأرجح لن يجدوا ملاذًا لهم سوى في تركيا.
من أجل فهم حقيقة النزاع أو الصراع بين أطراف الأزمة القطرية ينبغي العودة إلى الوراء وإلقاء نظرة سريعة على خلفية العلاقات بين قطر وكل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين، من دون التوسع في الحديث عن العلاقات بين قطر والدول الأخرى التي انضمت لاحقًا إلى الحملة ضدها مثل ليبيا وموريتانيا والأردن، والتي لا يوجد لديها نزاع مباشر مع قطر مثلما هو الحال بين قطر والدول الأربع الأخرى.
**قطر والسعودية
حاول عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الملقب بإبن سعود، منذ انطلق من الكويت عام 1900 في حملته لإسقاط حكم آل الرشيد في الجزيرة العربية الموالين للعثمانيين أن يوسع حدود مملكته في كل الاتجاهات، غربًا وشرقًا شمالًا وجنوبًا، وحقق نجاحات هائلة عندما أسقط حكم الشريف حسين وضم الحجاز إلى مملكته، لكن رغبة التوسع هذه أدت إلى نشوب نزاعات على الحدود مع جيرانه من كل الاتجاهات. ففي اللقاء التاريخي لإبن سعود مع الرئيس الأميركي ثيودور روزفيلت عام 1945، سأله روزفلت عما إذا كان هناك أي شيء يضايقه أو يؤرقه، فأشار ابن سعود إلى خلافاته مع جيرانه، فاستفسر الرئيس الأميركي عن هؤلاء الجيران، فسمّاهم ابن سعود بالإسم، الهاشميون في شرق الأردن والعراق، وآل الصباح في الكويت وآل خليفة في البحرين وآل ثاني في قطر وشيوخ الإمارات العربية بالإضافة إلى عُمان واليمن. فقال له روزفيلت، لكن جميع هؤلاء يخضعون لسيطرة أصدقائك الإنجليز، فقال له ابن سعود، "أجل هذه المشكلة".
فالمشكلة كانت تنبع من أن الإنجليز الذين سيطروا على تلك الأقطار تصدّوا لمحاولات ابن سعود المتكررة من أجل ضم المناطق الواقعة تحت سيطرتهم إلى مملكته، لكن ذلك لم يردع إبن سعود وظل يُضمر في سره الرغبة في توسيع حدود مملكته ومثله فعل أولاده لاحقًا، خصوصًا الملك سعود وأخاه الملك فيصل اللذين حاولا ضمّ أراض إلى مملكتهما في المنطقة الواقعة على حدود السعودية مع عُمان وأبو ظبي. ووفقًا للعمانيين والإماراتيين وقفت شركات النفط الأميركية وراء الهجمة السعودية على منطقة البُريمي وشجعتها على ذلك، وقادت بريطانيا التي كانت ما زالت تحكم الإمارات حملة التصدي لهذه المحاولة مما أدى إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وبريطانيا مدة طويلة. إلا أن الملك فيصل بن عبدالعزيز عاد بعد حصول دولة الإمارات العربية المتحدة على استقلالها من بريطانيا عام 1971، فتفاهم مع رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبو ظبي، بأن تنازلت السعودية عن مطالبها في منطقة البُريمي مقابل حصولها على قطاع من اليابسة يقع شمال إمارة أبو ظبي طوله 25 كيلومترًا يطل على خور العديد في الخليج، فنتج عن ذلك أن السعودية دخلت في الوسط بين دولة الإمارات وقطر التي حصلت هي الأخرى على استقلالها عام 1971، وأصبح القطري الذي يريد أن يسافر برًا إلى الإمارات مضطرًا للحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي السعودية، فسعت قطر إلى بناء جسر فوق الماء يصلها مباشرة مع الإمارات ووضعت المخططات اللازمة له، ولدى بدء تنفيذ المشروع اعترضت السعودية عليه بحجة أن الجسر سيُبنى فوق المياه الإقليمية السعودية في خور العِديد، فتفاقَم النزاع الحدودي بين السعودية وقطر حتى وصل إلى الصدام المسلح عام 1992، فتوسطت مصر للتوفيق بين الطرفين اللذين اتفقا في عام 2001 على ترسيم الحدود بينهما والتوقيع على الخرائط الجديدة.
فأساس النزاع بين السعودية وقطر هو أن القطريين كانوا ولا يزالون يخشون باستمرار من رغبة جيرانهم السعوديين في ابتلاعهم. لذلك عمل القطريون كل ما في وسعهم من أجل تحصين دولتهم الصغيرة في وجه الأطماع الخارجية التي كانت في الأساس تأتي من السعودية، فلولا الغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه أخيرًا (أول شحنة غاز طبيعي صدّرتها قطر إلى الخارج كانت في عام 1996 من نصيب اليابان) لينتظر قطر مصير مجهول. فضمن مسعى التحصين أطلقت قطر حملة لتعزيز وجودها على خارطة العالم كدولة مستقلة وذات سيادة، وحققت في ذلك نجاحًا ملحوظًا خلال فترة قصيرة نسبيًا. فبادرت إلى الاتفاق مع اتحاد كرة السلة الدولي في عام 1993 إلى تنظيم دورة دولية لكرة السلة، ثم أنشأت قناة "الجزيرة" الفضائية في عام 1996 التي تحولت إلى امبراطورية إعلامية حظيت باهتمام عربي وعالمي واسع، تلاه في عام 2010 فوز قطر باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. فظهرت قطر كأنها شوكة في خاصرة السعودية فاشتد الصراع بين الطرفين.
نظرًا إلى أن قطر تتبع المذهب الحنبلي الذي دعا إليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية فإن المرجعية الدينية للمؤسسة الدينية القطرية موجودة عند شيوخ الدين في السعودية، لذلك استخدم السعوديون رجال الدين للتصدي لآل ثاني والخطوات التي تخطوها الحكومة القطرية. فعلى سبيل المثال قاوم رجال الدين القطريون المرتبطون بشيوخ الدين في السعودية مشروع بطولة التنس الدولية في قطر واعتبروا أن مشاركة النساء في البطولة كفر، الأمر الذي دفع الحكومة القطرية للاستنجاد برجال دين من خارج قطر. وكان الشيخ يوسف القرضاوي، وهو شيخ مصري أزهري ينتمي إلى حركة "الإخوان المسلمون" في مصر، وكان وصل إلى قطر في الستينيات من القرن الماضي، حيث أصبحت السعودية ودول الخليج ملاذًا آمنًا لـ "لإخوان المسلمون" الذين أصبحوا مطاردين بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن الماضي. فاستعاض آل ثاني بالقرضاوي عن شيوخ قطر المرتبطين بالسعودية، الأمر الذي عزز من مكانته لدى عائلة آل ثاني الحاكمة. وعندما قرر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني افتتاح قناة "الجزيرة" اعتمد كثيرًا على القرضاوي لدعم القناة في مواجهة العداء السعودي لها، فجن جنون آل سعود الذين تضايقوا كثيرًا من استضافة قناة "الجزيرة" لمحمد المسعري وسعد الفقيه اللاجئين السياسيين في بريطانيا وبث تقارير إخبارية عن المعارضين السعوديين المتدينين، إلى جانب تعاقد قناة "الجزيرة" مع الصحافي المصري الناصري محمد حسنين هيكل، المكروه جدًا من جانب آل سعود، الذي قدم على مدى سنين طويلة سلسلة من البرامج الوثائقية عن التاريخ الحديث لمصر والشرق الأوسط. وتجسد العداء السعودي لقطر في مقاطعة وكالات الإعلان السعودية التي ما يزال يسيطر عليها الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، الذي يملك مع أبنائه الشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر مجموعة من المطبوعات أبرزها جريدة "الشرق الأوسط" ومجلة "المجلة".
وبالغت الحكومة القطرية في دعمها للقرضاوي بتوظيف عدد كبير من "الإخوان المسلمون" المصريين في قناة "الجزيرة"، وفي عام 2004 ساعدت قطر القرضاوي على تأسيس "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" الذي اعتبره السعوديون موجهًا ضدهم.
**قطر ومصر وفلسطين
جرى ذلك فيما كانت العلاقة بين السعودية وحركة "الإخوان المسلمون" في مصر بدأت تهتز في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي على أثر مطالبة الإخوان بالمشاركة في الانتخابات لمجلس الشعب، الأمر الذي لم يرق للحكومة السعودية التي تعارض الأنظمة الديمقراطية وتُحرّم المشاركة في الانتخابات وتعتبر أن النظام الملكي هو الأسلم شرعًا وأن الملك هو الخليفة، وأن أي نظام حكم يقوم على الانتخابات الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، خصوصًا الدول القريبة من السعودية مثل مصر والسودان وإيران واليمن والعراق وسورية يشكل تهديدًا لها ولسلطة آل سعود. واعتبرت السعودية دخول "الإخوان المسلمون" في العملية الانتخابية في مصر تخليا عن شعار "الإسلام هو الحل"، وظل الخلاف شبه مستتر بين الطرفين، رغم فوز "الإخوان المسلمون" بـ88 مقعدًا في انتخابات مجلس الشعب التي جرت عام 2005، نظرًا إلى أن "الإخوان المسلمون" لم يخوضوا الانتخابات في مصر تحت اسم الحركة وفعلوا ذلك مستقلين.
لكن تطورًا جديدًا طرأ على صعيد العلاقة بين السعودية و"الإخوان المسلمون"، إذ أن الإخوان في مصر بدأوا يتأثرون بحزب "العدالة والتنمية" التركي الذي توجد تحفظات سعودية كثيرة عليه، فقرر إخوان مصر في حزيران 2011 تشكيل حزب "الحرية والعدالة" وانتخب محمد مرسي رئيسًا للحزب وعصام العريان نائبًا له، وذلك تمهيدًا لخوض معركة الانتخابات لمجلس الشعب وللرئاسة التي فاز بها مرسي، الأمر الذي لم تتحمله السعودية فوقفت موقفًا معاديًا من محمد مرسي وكانت من أوائل الدول التي أيدت سقوطه وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم في مصر.
كان من الطبيعي للإدارة الأميركية التي كانت تخطط من أجل تولي الحركات الإسلامية الحكم في الشرق الأوسط أن تنتبه إلى التحفظات السعودية على حركة “الإخوان المسلمون“ في مصر، فبدلًا من تكليف السعودية بقيادة حركات التمرد ضد أنظمة الحكم في تونس وليبيا ومصر وسورية جرى تكليف قطر، وذلك باعتراف الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، الذي أبلغ صحيفة "الفايننشال تايمز" العام الماضي أن الإدارة الأميركية عادت لاحقًا وطلبت من قطر أن تتخلى عن القيادة لصالح السعودية وذلك بعد سقوط حكم “الإخوان المسلمون“ في مصر. ورغم تسليم دفة قيادة الحملة لتنفيذ المخطط الأميركي في المنطقة إلى السعودية ظلت قطر محتفظة بدورها راعية لـ "الإخوان المسلمون" والحركات الإسلامية وإلى اليوم.
فتكليف قطر بقيادة حركات التمرد في تونس وليبيا ومصر وسورية أدى إلى توطيد علاقة الحكومة القطرية بالحركات الإسلامية في هذه الدول على نحو غير مسبوق وأصبحت الدوحة عاصمة للحركات الإسلامية عامة ولـ "الإخوان المسلمون" في مصر ولحركة حماس الفلسطينية، الأمر الذي أثار حفيظة كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، زعيم حركة فتح التي تنافست مع حركة حماس على السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة. فالعداء القطري لحكم الرئيس السيسي كان ولا يزال ظاهرًا باستمرار ولا حاجة هنا للتخمين أو التحليل. من الناحية الأخرى، رغم أن الحكومة القطرية حافظت على علاقة طيبة إلى حدٍ ما مع السلطة الفلسطينية والرئيس عباس، إلا أن سلطة رام الله رأت في أن حملة الكشف عن وثائق المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل التي تبنتها قناة "الجزيرة" في عام 2011 كانت تهدف إلى إسقاط حكم عباس في رام الله لإتاحة الفرصة أمام حماس لتسلم السلطة الفلسطينية عامة، كجزء من المخطط الأميركي العام المرسوم للشرق الأوسط.
**قطر والإمارات والبحرين
بالتوازي مع تدهور العلاقات بين قطر ومصر والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تدهورت علاقة قطر مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ما أن انطلقت الحملة الأميركية لتسليم السلطة في الشرق الأوسط إلى الحركات الإسلامية حتى شعرت حكومة الإمارات بخطر الحركة الإسلامية الموجودة لديها والتي وفقًا للإماراتيين هي حركة مرتبطة بـ"الإخوان المسلمون” في مصر وتشكلت في الستينيات بدعم منهم، خصوصًا بعد لجوء عدد من الإخوان المصريين إلى السعودية ودول الخليج التي كانت خاضعة للسيطرة البريطانية، فكلتا السلطتين السعودية والبريطانية كانتا في حينه تنظران بعين العطف إلى "الإخوان المسلمون" بسبب عدائهم لعبد الناصر، ورغم أن السعودية غيّرت من نظرتها إلى "الإخوان المسلمون" أخيرًا إلا أن بريطانيا ما زالت تحتفظ بعلاقات طيبة مع إخوان مصر الذين ينشطون في بريطانيا ولديهم مكتب علني في لندن. وضمت الحركة الإسلامية في الإمارات مجموعة من الوجهاء ورجال الأعمال والمشايخ وحصلت على ترخيص رسمي من الحكومة الإماراتية عام 1974 باسم "جمعية الإصلاح والتوجيه الإجتماعي"، كما حصلت الجمعية على ترخيص لإصدار مجلة دينية سموها "الإصلاح" وأصبح للجمعية نفوذ واسع، فتولى عدد من رموزها مناصب وزارية وكان لها نشاط واسع في مجال التربية والتعليم والإشراف على مناهج التعليم في الإمارات.
ووفقًا لتقارير إماراتية كان الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر من المساهمين في تأسيس هذه الجمعية وكان ضيفًا دائمًا عليها وألقى سلسلة من المحاضرات في منتدياتها. ولوحظ أن قناة "الحوار" التلفزيونية التي تبث برامجها من لندن والموالية لحماس والممولة من قطر كانت تبث برامج تلقي الضوء على توجهات الجمعية الإماراتية وبرنامجها الإصلاحي ضمن برامجها الداعمة للحركات الإسلامية عامة.
لدى انطلاق حملة تغيير أنظمة الحكم في المنطقة سارعت "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي" لإصدار بيان دعت فيه إلى إجراء إصلاحات في دولة الإمارات ذات طابع ديني، فشعرت حكومة الإمارات بالخطر يتهدد الإنجازات الهائلة التي تحققت لديها نتيجة سياسة الانفتاح التي انتهجتها وجعلت من الإمارات خلال فترة زمنية قصيرة مركزًا تجاريًا وماليًا وسياحيًا عالميًا. ولاحظت السلطات أن أعضاء "جمعية الإصلاح" انتعشوا جراء صعود محمد مرسي و"الإخوان المسلمون" إلى الحكم في مصر، فسارعت إلى توجيه ضربة قوية إلى الجمعية وأعضائها الذين تم اعتقال البعض منهم والتحقيق معهم وتقديمهم إلى المحاكمة، فيما فرّ البعض الآخر إلى خارج الإمارات. أثناء التحقيق اعترف الموقوفون بأنهم كانوا يخططون للاستيلاء على الحكم وأنهم مرتبطون بجماعات إسلامية خارجية في مصر وقطر. لذلك ارتاحت حكومة الإمارات لسقوط محمد مرسي عن سدة الحكم في مصر وسارعت إلى تأييد عبدالفتاح السيسي، لكن في المقابل أدت مواصلة الحكومة القطرية لتبني "الإخوان المسلمون" إلى تدهور العلاقات بين الإمارات وقطر.
أما العلاقة بين قطر والبحرين فلها قصة أخرى العنصر الأساسي فيها هو النزاعات القبلية أو العشائرية القديمة ونزاعات أخرى حدودية بين البلدين أدت في عقد الثمانينيات الماضي إلى صدامات مسلحة عكرت صفو القلوب والعقول بين الطرفين وما زالت إلى اليوم. فرغم أن النزاع الحدودي بينهما حُسم في عام 2000 في محكمة العدل الدولية في لاهاي، إلا أن البحرينيين يشعرون بالغبن بعد تلك التسوية، خصوصًا وأن عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين هي أصلًا من منطقة الزبارة في قطر ولم تحصل على شيء من أملاكها فيها. وتبين أن قطر خرجت من هذه التسوية مستفيدة، في حين لم تحظ البحرين سوى بمناطق خالية من أي موارد طبيعية، بينما يتعرض صيادو السمك البحرينيون إلى مضايقات كثيرة من السلطات القطرية.
**قطر وإيران
في عام 2011 كشفت الوثائق السرية للخارجية الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس على شبكة الإنترنت عن تذمر بحريني من توطد العلاقات بين قطر وإيران، فعلاوة على الخلافات القديمة بين قطر والبحرين، رأى البحرينيون خطورة في العلاقات بين قطر وإيران، نظرًا لشعور البحرين بالخطر الإيراني النابع من أمرين، الأول ادعاء شاه إيران محمد رضا بهلوي في مطلع عقد السبعينيات الماضي أن البحرين تابعة لإيران وأنه يرغب بضمها إلى امبراطوريته حال خروج البريطانيين منها في عام 1971. كان تهديد الشاه جديًا خصوصًا وأنه لدى إعلان بريطانيا عن رغبتها منح الاستقلال لدولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر سارع الشاه إلى احتلال ثلاث جزر تابعة للإمارات في مضيق هرمز هي أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وما زالت هذه الجزر تحت السيطرة الإيرانية إلى اليوم، ومع أن الشاه لم ينفذ تهديده باحتلال البحرين إلا أن أصواتًا إيرانية ظلت تردد مقولته بشأن البحرين وإلى يومنا هذا.
فالبحرين منذ ذلك الوقت تنظر بعين الشك لأي تحرك إيراني في منطقة الخليج ومن ضمنه أي علاقة بين إيران وقطر خصوصًا بعد الثورة الإيرانية عام 1979. ففي إحدى الرسائل الموجهة من السفارة الأميركية في المنامة إلى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن في عام 2006 قالت السفارة إن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة يشتكي من أن قطر تتحول تدريجيًا إلى "جُرم يدور في فلك إيران"، وأن "سلاح الطيران القطري لديه أكثر من 80 طيارًا إيرانيًا"، هذا غير الطواقم الطبية الإيرانية في المستشفيات القطرية، بالإضافة إلى إنشاء قطر مرفأ خاصًا للصادرات الإيرانية.
فملك البحرين يدق ناقوس الخطر الإيراني في قطر منذ ما يزيد على عقد من السنين. فمن المستبعد أن تكون البحرين وحدها المنتبهة إلى العلاقة بين قطر وإيران، وعلى الأرجح أن السعودية والإمارات هما أيضًا منتبهتان لهذه العلاقة. فعلاوة على احتضان قطر للحركات الإسلامية فإن علاقة قطر بإيران هي سبب إضافي للمنغصات الإماراتية، رغم أن العلاقات الإماراتية مع إيران لا تخلو من تناقضات، نظرًا لارتباط إمارة دبي بعلاقات اقتصادية وطيدة مع إيران. يُشار في هذا الخصوص إلى أن سلطنة عُمان تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إيران قبل الثورة في إيران وبعدها على نحو يُقلق باقي الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، فيما تحتفظ الكويت هي الأخرى بعلاقات طيبة مع إيران بسبب قرب الكويت من الأراضي الإيرانية أولًا ولوجود جالية من أصول إيرانية في الكويت، علاوة على أن احتلال الرئيس العراقي صدام حسين للكويت عام 1990 دفع الكويت إلى تحسين علاقاتها مع إيران بعد أن كانت الكويت تدعم صدام طوال حربه مع إيران التي بدأت في عام 1980 واستمرت ثماني سنوات.
فيما يتعلق بعلاقة قطر بإيران، ظلت السعودية هي الأكثر تضايقًا من هذه العلاقة، إذ أنها تُضعف وحدة دول مجلس التعاون الخليجي وتعني أن إيران ستكون حليفة لقطر في أي نزاع بين قطر والسعودية مستقبلًا، علاوة على ما تنطوي عليه هذه العلاقة من قبول لفكرة إنشاء نظام حكم إسلامي يقوم على أساس التعددية الحزبية والانتخابات. وشعرت السعودية بالخطر في الأيام الأخيرة وأن ظهرها أصبح مكشوفًا في حربها على اليمن بعد تصريحات الأمير تميم أمير قطر علنًا عن رغبته في توطيد علاقة قطر بإيران والأخبار المتتالية عن لقاءات سرية لمسؤولين قطريين وإيرانيين.
ففي الوقت الذي تعبت فيه السعودية من أجل تأمين صدور قرار عن قمة الرياض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار الماضي يدين إيران فوجئ الحضور في القمة بدعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى إعادة النظر في العلاقات مع إيران "نظرًا لما تمثله من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خصوصًا وأنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها". لذلك قامت القيامة على قطر وتعرّض أميرها الشيخ تميم إلى هجوم غير مسبوق.
فالملك سلمان بن عبدالعزيز دعا إلى قمة الرياض مع ترامب أولًا لتثبيت حكمه وربما حكم ابنه ولي ولي العهد الأمير محمد والحصول على تبرئة أميركية وإسلامية وحتى عربية من دم اليمنيين والسوريين الذي أريق خلال الحربين على سورية واليمن والإفلات من أي محاسبة على ما اقترفته أيدي السعودية في هذين البلدين، فكان المهم للملك سلمان أن يحصل على التبرئة من الحليف الأميركي بالأساس، فنال التبرئة بعد أن دفع مئات مليارات الدولارات لترامب. شعر الملك سلمان أنه قوي وأن الفرصة أصبحت متاحة للضغط باتجاه تحقيق مكاسب أخرى أهمها عزل إيران، لكن كيف يمكن له تحقيق ذلك إذا كانت جارته وشقيقته الصغرى قطر هي التي تفك هذه العزلة عن إيران؟. لذلك كان من المفروض أن تشن السعودية حملة شرسة على قطر إلى تغيير مسار سياسة الدوحة الخارجية.
تحدثت التقارير الإخبارية التي تناولت قمة الرياض مع ترامب عن أن الرئيس الأميركي فوجئ قبيل وصوله إلى الرياض ببلاغ سعودي عن أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لن يحضر القمة، فهلع ترامب من هذا الخبر الذي عنى أن غياب مصر أكبر دولة عربية وذات الوزن المميز في العالمين العربي والإسلامي يهدد القمة بالفشل التي كان حريصًا على نجاحها لإرضاء المسلمين الذين أهانهم في حملته الانتخابية وإمكانية العودة مظفرًا إلى الولايات المتحدة وهو يلوح بالصفقات الضخمة التي حققها. فاتصل ترامب بالسيسي واستفسر عن سبب عدم حضوره، فذُكِر أن السيسي قال له انه لا يمكنه حضور قمة إلى جانب أمير قطر الشيخ تميم الذي يدعم الإرهابيين الذين يفجرون ويقتلون أبناء شعبه ويؤوي قادة حركة "الإخوان المسلمون" المعادية له، فوعده ترامب أن يبذل جهده كي تتخذ القمة قرارات تدين قطر و"الإخوان المسلمون"، فعدل السيسي عن قراره وحضر، وكان ترامب يعلم أن إدانة قطر تهم السعودية بما لا يقل عن مصر وستساعده على تحقيق مكاسب أكبر من الملك سلمان وهذا ما تم بالفعل، بالإضافة إلى أن العملية في النهاية ستُضعف قطر وتجعلها جاهزة لتقديم المزيد من المليارات لترامب لكي يواصل توفير الحماية لها.