المنبرالحر

‏‫ الدروس المستفادة من احتلال الموصل وتحريرها / رضي السمّاك

قبل ثلاثة أعوام وتحديداً بُعيد احتلال تنظيم " داعش " الارهابي مدينة الموصل العراقية سنة 2014 والتي أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي منها في جامع النوري دولة الخرافة أتذكر كتبت مُقالاً نُشر هنا في موقع " طريق الشعب " عرضت فيه بعض أوجه التشابه بين سقوط هذه المدينة وسقوط شبه جزيرة سيناء المصرية عام 1967 بيد الاحتلال الاسرائيلي ، علاوةً على هضبة الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة الفلسطينييتين ، ومن هذه الاوجه لأسباب الاحتلال العامل الديمقراطي المُغيّب تماماً في الحالة المصرية خلال حُكم الرئيس الوطني السابق جمال عبد الناصر ، فضلاً عن فساد المؤسسة العسكرية التي كان على رأسها صديق عمره المشير عبد الحكيم عامر ، وفي الحالة العراقية نكاد نلمح بعض ذات السببين من جملة عوامل ، ويتمثل ذلك في عدم اكتمال ونضج شروط النظام الديمقراطي وقيامه على ما تم ارسائه من عُرف المحاصصة الطائفية المقيت غداة إسقاط حُكم الدكتاتور السابق صدّام حسين بقوة حراب الاحتلال الامريكي وحيث جرى وضع الدستور على عجل والتوافقات الكاذبة برعاية هذاالاحتلال وفي ظل وجوده ، بما في ذلك تفكيك واحدة من أقدم بُنى ومؤسسات الدول العربية الحديثة وواحد من أقدم جيوشها واللذان كلاهما يرجع تأسيسهما إلى مطلع عشرينيات القرن الآفل . والسؤال الذي يفرض نفسه هنا اليوم : ما هي أهم الدروس المستفادة من احتلال المدينة ومن تحريرها ؟
من نافلة القول إن الشعب العراقي هو واحد من أكثر شعوب العالم الثالث قدّم وما زال يُقدّم تضحيات هائلة للغاية في سبيل استقراره وتقرير مصيره بنفسه ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي يأخذ بالمساواة ومبدأ المواطنة الواحدة بين أبناء مختلف فئات وطبقاته وذلك على امتداد نحو ستة عقود متواصلة منذ ثورة 14 تموز 1958 حتى يومنا هذا ، وما ذلك إلا بسبب الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة . فكم ثمناً باهظاً دفع هذا الشعب من مغامرات حكم البعث الأول عام 1963 وحكمه الثاني ( 1968 - 2003 ) ؟ وخاصةً مغامرة حربه على ايران فمغامرة غزو الكويت 1990 فمغامرة تسببه في الغزو الاميركي للبلاد 2003 ، ودخول جرثومة داعش البلاد ، دع عنك ضحاياه المدنيين الأبرياء بعشرات الالوف من جراء الاعمال الارهابية على امتداد نحو عقد ونصف منذ سقوط اسقاط الطاغية ؟
كان شكل من أشكال السمعة الطيبة التي خلفها وراءه عبد الناصر ذمته المالية الطاهرة والتي شبهته ذات مرة بذمة الزعيم الوطني العراقي الشهيد الراحل عبد الكريم قاسم ، لكن لطالما راودني في المقابل سؤال آخر ما فائدة الذمة المالية في انتفاء الفساد من رئيس أي دولة إذا ما كان حكمه شمولياًو سياساته الخارجية والداخليةلا تخضع للمساءلة و تكبد الدولة أو المال العام أموالاً طائلة على حساب رفاهية الشعب وتنميته وتقدمه الاجتماعي ؟ هنا يصح السؤال أيضاً : إلى أي درجة يتحمل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من مسؤولية وطنية كُبرى لسقوط الموصل عسكرياً في عهده وتحت قيادته العسكرية بتلك السهولة في أيدي الدواعش ؟ أم أن هذا السقوط يُعد قضاءً وقدراً لا مناص منه ؟ وكم كلّف خطأ كهذا في منتهى الجسامة والخطورة من سفك أنهار من دماء أبناء هذا الشعب الجريح المُعذّب ومئات الالوف من الضحايا من جراء تمدد ذلك التنظيم الإجرامي الوحشي المتحجر على أرض بلد هو من أقدم وأعظم حضارات العالم ، سواء في عملياته الارهابية في مختلف المحافظات وعلى الأخص الجنوبية ، او من من خلال مقاومته الوحشية الانتقامية بالتمترس بين الاهالي المحاصرين وتدمير المنشآت العمرانية والتعليمية والاثرية ؟ وكم من أموال فلكية بحاجة العراق اليوم إليها لإعادة إعمار ما خلفّه " داعش " من خراب شبه شامل في المناطق المحررة من سيطرته ؟
والحال مالم ينخرط الساسة العراقيون من معارضة وحكومة في مراجعة الاسباب التي أدت إلى احتلال الموصل فإن هزيمة داعش العسكرية فيها لا تكفي لدرء شروره في وادي الرافدين فجراثيم أفكاره لما تجتث وتُطهّر من أرضه بعد ، وهو يقتات في تبرعمه من جديد مستفيداً من أخطاء وممارسات طائفية داخل الدولة وداخل مؤسسة الجيش من تشكيلات وجنود ، حتى لو بدا بعضها دينية شعبية عادية ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، الردات الحسينية وتصوير الحرب مع " داعش " عبر إسقاطات تاريخية تعسفية خاطئة وكأنها بين فريق يزيد بن معاوية والإمام الحُسين ( ع ) في موقعة كربلاء ، ناهيك مشاهد التشمت والتعذيب للأسرى الداعشيين كما توافينا بها عشرات الفيدوات المسجلة تُترى ، وهذا مُخالف حتى لنهج الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) الذي أوصى بعدم التمثيل بقاتله إبن مُلجم أوتعذيبه ،وذلك لما مثل هذه المسلكيات من ردات فعل سلبية وحساسيات طائفية مشروعة لدى المكونات الاخرى ، باعتبار إن دولة العراق بعلمها أو رايتها الوطنية إنما هي دولة وحكومة كُل العراقيين لا دولة طائفة بعينها برايتها الطائفية ، وهذا ما نرجو من رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي اكتسب سمعة تحرير الموصل تحت قيادته أن يعيه جيداً ويعمل على فصل شعارات الخطاب الايديولوجي الديني لحزبه عن مهام ومسؤوليات الدولة الوطنية وتسييد الشعارات الوطنية الجامعة لكل العراقيين في كل مفاصل ومؤسسات الدولة وخاصة أخطرها ألا هي المؤسسة العسكرية .
في بيانه الصادر في الثاني من شهر تموز الجاري أكّد الحزب الشيوعي العراقي بأنه آن الأوان بعد تحرير الموصل إلى فتح ملف تسليم الموصل إلى الدواعش وتقديم من تسبب ذلك إلى القضاء وانهاء ديمقراطية المحاصصة الطائفية العقيم وهو النمط الديمقراطي الذي في رأينا ما انفك يُعاني من أزماته أعرق نموذج الديمقراطيات الليبرالية العربية الا هو النموذج اللبناني من استقلال لبنان 1942 كما طالب بيان الحزب بمحاربة جادة للفساد والمرتشين ، ونرى انه من الأهمية بمكان أن يلتفت كُل الشرفاء والغيارى العراقيين على وطنهم وشعبهم إلى هذه الدعوة الوطنية الصادقة واخضاعها الى اوسع مبادرة لمراجعة سياسية ومجتمعية شاملة بعيداً عن الحساسيات والحسابات الفئوية والحزبية والضيقة كونها صادرة من حزب مناضل عريق ، وبدون ذلك ستظل صخرة سيزيفللأسف الشديد تلاحق الشعب العراقي المظلوم الجريح ثمناً لنزوات ومطامع ومطامحه حكامه السابقين والحاليين والطبقات التي يمثلونها .