المنبرالحر

تموز علامة مضيئة في تاريخ العراق / موفق حميد حكيم

تمر علينا هذه الايام ذكراها التاسعة والخمسون المجيدة ، حيث كان العراقيون على موعد مع القدر صبيحة ذلك اليوم عندما استيقظوا على صوت اذاعة بغداد وهي تعلن ولادة الجمهورية والقضاء على الحكم الملكي في انتفاضة قادها الجيش يؤازره الشعب. هذه الثورة التي طال انتظارها بعد ان أنتفت جميع الوسائل السلمية بانتقال الحكم الى الشعب عن طريق ممثليه الحقيقيين ، الذين منعوا من الاشتراك في ادارة الحكم باستخدام القمع ، وتزوير الانتخابات ، وفرض القيود على حرية الصحافة وعلى الاحزاب والمنظمات المهنية ، وقمع التظاهرات السلمية المعبرة عن مطالب شرائح المجتمع العراقي ، وزج المناضلين في السجون وتنفيذ احكام الاعدام بحق قادتهم .
يعتقد بعض منتقدي ثورة تموز بانه لو سمح للنظام الملكي الاستمرار بالتطور السلمي التدريجي الديمقراطي لتجنب العراق ما حل به بعد الثورة ولحد اليوم، ويستشهد منتقدو الثورة بأمثلة ثورة مصر عام 1952 والتطور السلمي في الاردن وتجارب عالمية أخرى كثيرة .
وباعتقادنا، لو انتهج الحكم الملكي في العراق سياسة حكيمة ، وفسح المجال لمشاركة ممثلي الشعب في ادارة الحكم واتبع سياسة اقتصادية تنقل العراق من نظام قبلي يستند على كبار ملاكي الاراضي والبرجوازيين العملاء الى نظام عصري يستند على دعم الشعب وفئاته المظلومة ذات المصلحة الحقيقية في التغيير لكان فعلا جنب العراق ما حل فيه.
يقول ماركس " الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم لكن النتائج لن تكون كما يرغبون " فثورة 14تموز صنعها شعب وجيش العراق، لكنها اغتيلت في 8 شباط 1963 بعد أن انجزت في فترة عمرها القصير الكثير من المنجزات وخططت لمشاريع مستقبلية طموحة كانت ستنقل العراق الى مصاف الدول العصرية .
مهما يقال عن ثورة تموز فأنها تبقى ملحمة من ملاحم شعبنا الخالدة وثورة وطنية أصيلة وحتمية تاريخية أفرزتها ظروف موضوعية ملحة. وتبقى منجزاتها علامات مضيئة في تاريخ العراق الحديث. فمثلا قانون الاحوال الشخصية الذي شرعته الثورة يعتبر حالة متقدمة على جميع قوانين الاحوال الشخصية في المنطقة . وخاصة فيما يخص المرأة ومساواتها مع الرجل في الميراث وشهادتها في المحاكم وحماية الامومة والطفولة ، وفسح القانون المجال أمام المرأة لتلعب دورها في بناء الاسرة والمجتمع.
وأكدت ثورة تموز على الوحدة الوطنية حيث تؤكد المادة الثالثة من الدستور المؤقت ولأول مرة في تاريخ العراق ، على شراكة العرب والاكراد في الوطن الواحد مع ضمان حقوق جميع القوميات الاخرى في المواطنة الكاملة ، كما شرعت الثورة عشرات القوانين الاخرى التي تخص ثروة العراق النفطية والزراعية والصناعية ... الخ .