المنبرالحر

14 تموز في تاريخ العراق القديم / غريب دوحي

تاريخ بلاد الرافدين لا يعرف السكون فهو في حركة مستمرة متجددة ، فعندما تظهر في جزء منه حضارة معينة نراها تخبو لفترة من الزمن لتنمو حضارة جديدة تزدهر ثم تعتريها عوامل الانحلال لتفسح المجال لحضارة اخرى .. وهكذا هو جدل الحضارات كما يراها المؤرخ الشهير (توينبي)
حروب داخلية ومعارك مع الاعداء المجاورين للعراق لانه بلد غني بخيراته حتى اذا استقر فترة واعاد بناء حضارته عادت تلك الغربان لتنهش من لحمه ودمه لكن ابناء العراق ورجالة كانوا بالمرصاد لهؤلاء المتربصين به فكانت الحروب سجالا بين السومريين والاكديين من جهة والكوتيين والعيلامين من جهة اخرى، ثم جاء من بعدهم الكاشيون حتى وصل التأمر ذروته باحتلال الفرس الاخمينيين لمدينة بابل عام 539 ق.م وتدمير كيانها السياسي وحضارتها ومنذ ذلك التاريخ دخل العراق مرحلة الاحتلال الاجنبي المباشر وظل هكذا حتى قيام ثورة 14 تموز 1958.
عندما كانت حضارة سومر قائمة في جنوب بلاد الرافدين كان الكوتيون وهم سكان جبال زاكروس المجاورة لوادي الرافدين وهم اقوام غير متحضرة يتحينون الفرص لاحتلال البلاد وقد سماهم السومريون (افاعي الجبال) لقد انتهز الكوتيون فترة اضطراب الحياة السياسية في بلاد سومر وأكد على اثر مقتل الملك الاكدي في قصره فقاموا بهجوم عنيف على المدن السومرية والاكدية واكتسحوها بما فيها العاصمة (اكد)
لقد تضافرت عدة عوامل سهلت على الكوتيين احتلال العراق حيث استنزفت الحروب الطويلة لخلفاء سرجون الاكدي واشهرهم حفيده (نرام سن) طاقات الامبرطورية حيث تمكنوا من دخول العاصمة (اكد) وتدميرها عام 1211 ق.م مسجلة اول الحقب المظلمة في تاريخ داري الرافدين ، ان هذا الاحتلال الاجنبي للعراق يقودنا الى استنتاج مهم وهو ان قيام سلطة مركزية قوية في العراق يثير غضب أعدائه المجاورين والذين كانوا يتحينون الفرص لغزوه وقد باءت محاولاتهم الاولى بالفشل ايام سرجون وحفيده غير انهم استطاعوا مهاجمة العراق بعد ضعف سلطته المركزية وانفصال الدويلات واحدة تلو الاخرى لقد اتسم حكم الكوتيين في العراق بالفوضى وقد استمر حكمهم ما يقارب القرن من الزمن.
ولم يقف شعب الرافدين مكتوف الايدي تجاه هذا الاحتلال السافر لارضه وحضارته فقد نهضت تيارات سومرية على راسها (اوتو - حيكال) ملك الوركاء ورغم كونه سومريا الا انه لم تأخذه الخلافات مع الاكديين الى ما هو سلبي بل بالعكس فقد وضع تحرير العراق في اول اهتماماته وثار ضد المحتلين وبذلك قاد اول ثورة تموزية في تاريخ العالم فطرد الكوتيين وحرر العراق ونقش على مسلة من الحجر اخبار هذا الانتصار. لقد تمكن هذا الزعيم السومري ان يقود بنجاح أول عمليات التحرير في العالم القديم والذي صادف يوم 14 تموز من عام 2120 ق.م لقد سار اوتوحيكال الى الحرب حيث تبعه رجال مدينته وكانهم رجل واحد وتمكن من اسر قائد الجيش الغازي الذي القى بنفسه عند قدمي "اوتوحيكال" فوضع اوتو قدمه على رقبته اذلالا له.
كما وقع قائد الكوتيين اسيرا بعد ان هرب وألقي القبض عليه ، كان هذا الانتصار في يوم 14 تموز من عام 2120 ق.م حيث عاد مجد سومر من جديد فقامت سلالة أور الثالثة التي اسسها الملك السومري (اور- نمو) احد قادة ثورة 14 تموز السومرية والذي استطاع ان يبرز في أور ومد نفوذه الى ما وراء حدودها فضم عددا من المدن تحت سلطانه واعلن نفسه ملكا ويعد عصره عصر أور الذهبي لما ظهر منه من تقدم ورخاء ويرجع اليه الفضل في بناء زقورة اور ذات الطبقات الثلاث وقد حاز (اور - نمو ) قصب السبق باعتباره اقدم المشرعين في التاريخ ، وقدر لهذه السلالة ان تكون اخر سلالة سومرية حاكمة بعدها سقطت اور بيد العيلاميين الفرس ليختفي بعدها الشعب السومري من مسرح التاريخ وتختفي لغته من التداول اليومي.