المنبرالحر

لماذا الحديث عن الحوار الاقتصادي والاجتماعي ودور النقابات؟ / سعاد شريط

إن الحديث عن الحوار الاقتصادي والاجتماعي قد بدأ منذ فترة طويلة، وهو حديث لا يمكن فصله عن الديمقراطية والممارسة الديمقراطية سواء داخل الدول أم على مستوى العلاقات الدولية. أي أنه حديث لا يمكن فصله عن نضالات الطبقة العاملة وفئات واسعة من المجتمع
في البلدان الرأسمالية المتطورة والبلدان النامية من أجل تحسين ظروف العمل والمعيشة والتغطية الصحية والتعليم، وحق التنظيم النقابي والتعبير الديمقراطي..الخ. كما لا يمكن فصله عن نضال شعوب الدول النامية من أجل الحق في التنمية والنمو، ومن أجل نظام اقتصادي وسياسي عالمي أكثر عدالة وتكافؤاً. لأنه حلم واكب النضالات. ومازال طرفا مهما في الحركة العمالية وهدفا من اجل الوصول إلى العمل اللائق والحفاظ عليه. والحديث عن الحوار الاقتصادي والاجتماعي ليس وليد العدم أو وليد تفكير اقتصادي آو اجتماعي وإنما كان نتاج فشل سياسات اقتص?دية لحل مشاكل بلدان متطورة وكذلك ما يمر بالاقتصاد العالمي من أزمات وفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية عبر برامج التعديل الهيكلي. وبصفة أعمق وأدق، فشل النموذج النيوليبرالي في حل المشاكل العالمية وأساسا الفقر والمجاعات والتصحر والبيئة، وازدياد الفوارق داخل البلدان الرأسمالية وبينها وبين باقي بلدان العالم وظهور فكرة الشمال الغني والجنوب الفقير. واليوم نرى تصاعداً في الحركة الاجتماعية من خلال النقابات وعبر العالم للمطالبة بعولمة بديلة تحمل في طياتها الإنسانية والعدالة. وبالحق في ال?مو العمل اللائق والرقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.وحتى في الجهة المقابلة هناك أصوات ترتفع لتغيير الأنظمة الاقتصادية لما تلاقيه من كساد وفشل نتيجة اتساع رقعة الفقر وتضاؤل الطبقة المتوسطة واتساع رقعة الهشاشة لتشمل طبقة الأجراء.
وهنا نقف أمام تساؤل أساسي: هل يجب أن نذهب إلى الحوار الاجتماعي أم إلى الحوار الاقتصادي والاجتماعي؟
فإذا ذهبت النقابات للحوار الاجتماعي فهذا معناه انه لا يجب طرح المسائل الاقتصادية ومناقشتها. بمعنى أخر ترك الملف للحكومات وأرباب العمل وفي كثير من الأحيان يكون عبارة عن مجموعة من الإصلاحات الشكلية التي تحجب المطالب الحقيقية للديمقراطية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية كشرط لتحقيق التنمية المستدامة، بل في كثير من الأحيان يعتمد التعامل على مقياس «الكيل بمكيالين» حسب المصالح أين تميل. وهنا يقوض دور النقابات للعب دور <>رجل ألمطافئ>>. وهذا دور تقليدي لم يعد يجدي الطبقة الشغيلة ويزيد من تهميشها وإفقارها.وبهذا الوض? سيزيد العمال نفورا من النقابات لأنها لم تعد تؤدي الدور الحمائي لمكتسباتها الاجتماعية وألمطلبي لتحقيق العمل اللائق بما فيه الأجر الذي يكفل العامل وأسرته للعيش وكذلك الحصول على السكن اللائق والتغطية الصحية إلى جانب التمتع بالخدمات الاجتماعية. أما الحديث عن الحوار الاقتصادي والاجتماعي فهو يعني المشاورة والحوار في القرارات الاقتصادية، وهنا يكون دور النقابات دور شريك اجتماعي حقيقي لأنها تكون طرفاً في عملية التنمية وتخرج كل الأطراف رابحة. ولان الحوار والمشاورة بشأن أولا: النموذج الاقتصادي والاجتماعي الذي يجب إت?اعه، وثانيا: الحق في المشاركة في تسطير الإستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية وثالثا: في تجسيدها ميدانيا.وهنا يكون دور الثلاثية الناجحة عندما يجلس الأطراف الثلاثة على طاولة الحوار بصفات متساوية فالأكيد أن ذلك سيكون لصالح الأطراف الثلاثة.
والملاحظ مؤخرا: إن هذه الثلاثيات أصبحت مهددة بعدم التوازن نتيجة النداءات المختلفة للمطالبين بتوسيع طرف الشريك الاجتماعي إلى منظمات غير حكومية وغالبا ما تكون هذه المنظمات عبارة عن امتداد اجتماعي أو تمويلي لطرف الإنتاج أو الحكومات إضافة إلى بعض الاعتبارات الاقتصادية والسياسية التي تفرضها الشركات ما فوق القومية التي تفرض سياساتها لما يعانيه الوضع الاجتماعي من بطالة وفقر إلى جانب العمل على شرذمة النقابات في المناطق التي تعاني أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية.وبالتشرذم تتقاذف هذه التكتلات الصغيرة الكرة والاتهام?ت بتضييع مصالح الطبقة العاملة بينما فكرة الانقسام هي السبب الأول في تضييع الحقوق.
وما نراه من محاولات إلى خلق تكتلات جهوية جديدة لتفكيك التكتلات القائمة كمحاولة خلق اتحاد نقابات عربي جديد واتحاد نقابي إفريقي جديد إلا طريقة لشرذمة النقابات القطرية وجعلها ضعيفة وبعدها تسهل عملية التفاوض حول الهشاشة أي بصورة أدق الضعيف لا يستطيع حماية نفسه فيرضى بما يُلقى له. وبالمقابل نرى أن النقابات تتكتل في الجهة المقابلة أي في الاتحاد الأوربي وأمريكا الشمالية.وأنها تزداد قوة وتتفاوض على عقد اجتماعي واقتصادي لكل أوربا كما تفعله الكونفدرالية الأوربية للنقابات.فهي تتفاوض على الحاضر والمستقبل وتحمي المكتسب?ت الاجتماعية وتطورها لصالح الطبقة الشغيلة للحفاظ على العمل اللائق والتنمية المستدامة.
ومن المهم في أيامنا هذه ومنطقتنا تمر بأزمات سياسية واقتصادية إعادة النظر في التشرذم العمالي لأنه لن يؤدي إلى اكتساب حقوق جديدة بل سيضيع المكتسبات الاجتماعية وسيغير من نوع علاقات العمل وحتما سيجعل الهشاشة مبدأ. لأنه وللأسف معظم الدول العربية ألان تراجع قانون عملها ومعظم النقابات العربية تعاني التفكك. الجزائر تراجع قانون العمل وهناك انقسامات داخل انقسامات في الأوساط النقابية وكذلك تونس ومصر ولا ننسى إعادة البناء المؤسساتي في ليبيا وكذلك ما يعانيه العمال الفلسطينيون في الأراضي المحتلة من تمييز واعتقال وتعنيف.
وبعجالة فان معظم الدول الإفريقية واقعة تحت ضغط المديونية والنزاعات المسلحة وفاتورة فيروس الايدز. فأفريقيا معادلة صعبة لان الهشاشة هي تعريفها والمجاعة والفقر والمرض، فهل من الديمقراطية تقسيم جبهة اجتماعية في طريق الانقراض إن لم تكن هناك سياسات جهوية لمحو المديونية وخلق استثمارات مناسبة للتركيبة المحلية والبشرية؟
فعدد من الدول العربية يقع تحت ضغط المديونية الخارجية وتحت ضغط تنفيذ برامج البنك الدولي كمخططات التعديل أو التصحيح الهيكلي وكلنا يعلم أن نتائجه لم تكن يوما لصالح الطبقة الشغيلة. اليوم السؤال الذي يطرح هل التعددية النقابية تخدم العمال العرب وعمال إفريقيا،في ضوء الأزمات المسلحة وعدم الاستقرار؟.
هل الأهم الاتحاد للحفاظ على العمل اللائق وكرامة العامل والمكتسبات الاجتماعية أم التفرق والتفريط في كل ما أحرزته الحركات العمالية منذ التأسيس؟... لنتروى ونبحث لصالح من تفكيك الاتحادات العمالية في هذه الفترة، القراءات السريعة تقول تفكيك الجبهة الاجتماعية معناه تغيير علاقات العمل لتصبح الهشاشة معياراً. تحويل اليد العاملة الماهرة والفنية إلى يد رخيصة.إلغاء الحماية الاجتماعية والصحية وكل الجوانب التي تدخل في المصاريف وتخص الجانب الاجتماعي فإنها ستفكك لصالح من يعمل على تعديد النقابات لكي لا تفوز أي منها بالنصاب ?لذي يسمح بالتفاوض.
الكرة اليوم في ساحة العمال للعمل على التضامن والتضامن والتضامن لأنه السلاح الوحيد للطبقة العاملة للدفاع عن حقوقها المادية والمعنوية وحماية مكتسباتها الاجتماعية وخصوصا العمل اللائق لإيصال رغيف نظيف لكل عامل وأسرته تحت سقف لائق يحميه.وليتمتع بالخدمات الصحية والاجتماعية.