المنبرالحر

حذار.. الخطاب الطائفي يعربد / عبدالمنعم الاعسم

يندفع الخطاب الطائفي المصنّع، الآن، الى مقدمة مسرح الصراع السياسي، ساعيا الى ان يضع الملايين من اتباع الطائفتين في خيار من شقين أحلاهما مرّ. فإما ان تقبل الطلاق والانفصال وشق النسيج الوطني الى كيانين، وإما ان تتجرع القتل الجماعي على دفعات.. بالضبط مثلما يخيرنا اللص بين كل ما نملك أو الموت، فنسترخص اسباب الحياة نظير ان نبقى على قيد الحياة.
الخطاب الطائفي، يغير من الجبهتين، على الجبهتين، ومن زاوية يبدو للمحلل الموضوعي ان الطرفين يعقدان تحالفا غير مكتوب لأدارة الحرب الغاشمة على الجمهور المدني، غير الطائفي، للطائفتين، في كل مكان وموقع عمل وعبادة (جامع مقابل جامع. سوق مقابل سوق. اغتيال مقابل اغتيال..) وانه يتبادل الاتهامات بطريقة مرسومة وعلى مستوى عال من التنظيم بحيث تثير الذعر والذعر المقابل على اوسع نطاق. ثم يأتي دور ساسة الاحزاب الطائفية ليقطفوا الثمار ويمسحوا الدماء الطاهرة بخرق من التطمينات المغشوشة، وتكرار القول بان الطرف الثاني هو الطائف? والمسؤول عما يجري، وفي النهاية: اعطونا ولاءكم لنحميكم.
الخطاب الطائفي ليس سوى جملة تتخذ من الدين رداء (أو هوية) لها.. جملة متكلفة البناء، مشوّهة العرض، مغشوشة الترجيع والتنصيص. الاخر بالنسبة لفريق طائفي موضع اتهام بالتعصب، وهو شخص ما، او جهة، لا يريدان الاعتراف بالحقائق المدعومة بالايات القرآنية الموثقة، وبالاحاديث المتفق عليها. والآخر، نفسه، قد يبدو (لفريق آخر) فكرة مشيدة على الضلال والبُدَع والانحراف والجهالة.
وقد يلجأ الخطاب الطائفي الى تسفيه الاخر بواسطة تسفيه طريقة تفكيره، او طريقة التعبير عن قناعاته. يقول لنا: انظروا لهم كيف يجمعون حججهم من قمامات الكتب..او: كيف يتعاملون بالغلّ مع مدونات الدين المشترك.. انهم يسيئون له.
في هذا الخطاب لا يبدو الحق (في بعده الطائفي) إلا بوجه واحد، نهائي، شامخ، لا يطاله الشك، ولا يصمد امامه اعتراض. وهو هنا يساجل اضعف حجج الآخر لتدعيم منظوره الطائفي، وليس اقواها او اكثرها قربا للمنطق، ثم يعكف على ليّ المعاني لتتطابق مع مسطح التحريض السياسي.
الخطاب هذا، يقوم في خدمة المشروع السياسي للطائفية، فيما المشروع السياسي للقوى الطائفية نفسه يقوم بتزييت ماكنة الخطاب الطائفي ويزوّدها بالشعارات والاسباب. وهكذا، فاننا حيال شيء من الفقه وشيء من السياسة في نسق طائفي هجومي. اما التاريخ فانه يبدو من خلال المساجلات تاريخا واحدا، مدرسيا، لجميع المسلمين. لكن سرعان ما يفترق على يد الجملة الطائفية، الى تاريخين (والدين الى دينين) يخطّئ كل منهما الآخر، إذ تقوم هذه الجملة بواجبها في انتاج البضاعة الطائفية، وفي تدعيم الحجج المتقابلة، من خلال مبان لا أركان لها، ومعان ل? اوتاد فيها.
الخطاب الطائفي يجدد نفسه على الدوام، فيختلط بالسياسة والفقه والتاريخ والدعاية والاكاذيب ليقدم لنا وصفة منقحة، مغشوشة، للحرب الاهلية، التي لا تعدو عن كونها حربا جاهلية، وابطالها محاربون من فصيلة دم واحدة، وإن تحدروا من طائفتين.
الخطاب الطائفي، بوجيز الكلام، يهدد باقالة العراق من الخارطة.
******
" انزع الحب يصبح كوكبنا الأرضي مقبرة".
روبرت براوننج- شاعر انكليزي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر العمود بالتزامن مع صحيفة (الاتحاد) الغراء