المنبرالحر

لماذا نقتل أطفالنا / د. ناهدة محمد علي

للجواب على هذا السؤال نحتاج إلى فرز حقائق كثيرة مر بها العرب والمسلمون بشكل عام وإنتهت بأن يقفز العربي والمسلم من مرحلة الطفولة إلى الرجولة أو الأنوثة ويصبح فرداً بالغاً تُطبق عليه قوانين الكبار وتُرفع عنه حقوق عدة منها حق الرعاية وحق الحماية وحق إحتواء الدولة والمجتمع له وقيادته نحو الطريق الأسلم وتأهيله للدور الأمثل للمجتمع وإذا أخطأ فله حق التسامح والتربية والإرشاد وتصفيته من الشوائب التي علقت بشخصيته والتي تعود أسبابها لأخطاء عائلية أو مجتمعية .
إن قلة الخبرة والوعي الإجتماعي قد تدفع بالطفل إلى أخطاء صغيرة وأحياناً كبيرة ، وبتوسع العمليات المعرفية والقدرة على الإدراك والفهم والتحليل والإستنتاج تصبح إحتمالية الخطأ أقل وتصبح ردود الأفعال السريعة والتلقائية أقل بكثير وبهذا تقل إحتمالية الأخطاء في السلوك وإحتمالية تقدير النتائج .
تضع الدول المتحضرة الأطفال السلبيين أو الذين يمارسون السلوكيات الخاطئة في مؤسسات التصحيح السلوكي وتحيطهم بالرعاية الكاملة والحس الإنساني لمخلوقات تنقصها التجربة والخبرة والنظرة الواضحة والسليمة للأمور .
إن ما نلاحظه اليوم من زج الأطفال في الجيوش النظامية وغير النظامية وفي جيوش الحركات السياسية والإرهابية ، وهم منتشرون في الكثير من الفرق المسلحة في سن الرابعة عشر أو السادسة عشر في سوريا والعراق والصومال واليمن وأفغانستان وإيران ومن يحاول الهرب منهم من فوهات البراكين يجد نفسه غارقاً على السواحل الأفريقية والليبية والتركية ويتعرض الكثير منهم للإستغلال والإتجار في البشر ، ويبحر الكثير مهنم بدون عوائلهم مما يعرضهم إلى أبشع أنواع الإستغلال ومنها الإستغلال الجنسي ، وقد يُعرضون للبيع كعبيد وخدم أو كأعضاء فاعلين في تجارة الجنس أو قد تتلقفهم الحركات الإرهابية كأرخص المقاتلين وأكثرهم طاعة .
إن جرائم الأطفال في كثير من الدول العربية والإسلامية توضع في حيز جرائم الكبار وتجد لها نفس العقوبة ، حيث تُمارس عقوبة الإعدام على أطفال إرتكبوا جرائم القتل وكثير من الأحيان يُستحصل إعترافهم بعد التعذيب والتهديد . لقد أعدمت إيران طفلاً في الخامسة عشر سنة ٢٠١٣ وقد بقي قبل ذلك سجيناً لفترة وعوقب لقتله طفل أصغر منه . وقد ذكرت المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة العفو الدولية ( ماجدلينا مغربي ) إن هذا رابع طفل يُعدم هذا العام في إيران ، وتعتبر إيران من الدول القليلة التي تنفذ حكم الإعدام بالأحداث ، وقد ذكرت منظمة العفو الدولية بأن عدد أحكام الإعدام للأطفال حتى ٢٠١٧ قد بلغ ٨٩ حالة مِن مَن تقل أعمارهم عن الثامنة عشر في إيران .
ذات يوم عرض التلفزيون العراقي بعض الأحداث الذين جندهم داعش في الموصل ، كان أحدهم واقفاً أمام أحد الضباط العسكريين معصوب العينين ومكتوف اليدين إلى الخلف ، كان بعمر يقرب من الرابعة عشر ، يقف مرعوباً وهو يجيب على أسئلة القاضي العسكري وكان منظراً محزناً ، فمن المؤكد أن هذا الحدث قد تعرض لضغوط وإرهاق شديد ، وقد أظهر الإعلام العراقي الكثير من الأحداث الهاربين من قبضة داعش وهم يشكون وحشية داعش وإرهابه لهم وتخويفهم بقتلهم وقتل عوائلهم إذا لم ينخرطوا في صفوفهم . لذا يجب أن يعامل مثل هؤلاء الأحداث بالكثير من التفهم والإنسانية ووضعهم في دائرة الإصلاح الإجتماعي .
لا يشمل هذا الوضع كل الدول الإسلامية ، وهناك دول مثل ماليزيا قد ضربت المثل الأعلى في رعاية الطفولة ورعاية الطلاب ، فقد حاربت عمالة الأطفال وعملت المستحيل لتقليل تسرب الأطفال من مدارسهم وتقديم مُنح مادية للعوائل الفقيرة حتى لا تضطر لتشغيل أطفالها ، كما أقامت نظام تعليمي وتربوي ممنهج علمياً ويقدم الكثير من الرعاية التربوية والنفسية للأطفال .
إن تقديم الإحتواء المجتمعي للطفل سيقابل في المستقبل بإحتواء الفرد البالغ لمجتمعه وتقديم الإحساس بالأمان والرعاية الإنسانية للمجتمع لاحقاً ، حيث أن ما نزرعه نحصده ، وإن جعلنا زرعنا هشيماً فنحن فقط الملومون .