المنبرالحر

من يملك عبوة أسرع؟ / ابتسام ابراهيم

"ماما انفجار..!" ابني الصغير يناديني وكأنه يستمع لأغنية من أغاني سبيس تون , بغداد احترقت في نصف ساعة و القنوات الفضائية تهلهل بانتصاراتنا على داعش والزمر الإرهابية او افتتاح المولات.
ماما انفجار.... كلمة ذكرتني بشيء اسمه طفولة ..طفولة معطرة برذاذ الحرب وصوت الطائرات المحلقة بارتفاعات الأبنية وصواريخ تسقط على المدارس وتترك الناس لحما مشويا أو لا تترك لهم أثرا ، تذكرت أمي رحمها الله وهي تجمعنا تحت سلم البيت الكونكريتي بعد أن أعاد أبي بناء المنزل ليكون أكثر أمنا يوم كان البيت مكانا آمنا نلوذ فيه بأجسادنا ونحتمي به من غضب الحكام العابثين بأرواحنا.
تذكرتها واراها تعشش الان في حياة أولادي .. اليوم صار البيت الآمن يخاف على نفسه فمن يملك عبوة أسرع يهرول بها إلى الأحياء السكنية والأسواق الشعبية ويزرعها في اقرب شارع سيء الحظ ,أو يتركها داخل سيارة أجرة إما أن يكتشفها الركاب فيبلغوا عنها أو تهلهل في وجههم مخلفة ورائها عرساً دموياً .
بغداد تحترق..لا العراق كله يحترق لان القتلة اقسموا أن يجعلونا شعبا موحداً لا تفرقنا الفوارق ولا تتقاذفنا رياح الطائفية فكلنا نموت بالجملة وكلنا نترقب الرابح في لعبة الكراسي وصراعات السلطة , فبعد اربعة عشر عاما من التغيير لم نذق نحن المغضوب عليهم غير ماكينة لحصد الأجساد تنهش الوطن كل يوم.
نصف مدة حكم ألبعث قطعناها بأرواحنا ومازلنا ننتظر هل علينا أن نكمل خمسة وثلاثين عاما ليرتاح من تشبعتْ رئتاه بالحقد على العراقيين ؟ لم لا يستهدف الإرهاب الذين امتلأت كروشهم وخزائنهم بعد تغيير النظام ..؟ لم يستهدف الفقراء و الأحياء الشعبية التي لم ترَ ضوء النعيم لاقبلا ولا بعداً ..ومن ثم تزج هذه الأحياء بأولادها إلى مجرشة الحرب جيلاً بعد جيل وتعزف لهم سيمفونية الوطن (الجلال والجمال والهناء والرجاء في رباك) وهم لم يروا لا هناء و لا رجاء بل ينتظرون زفافهم لأقرب مقبرة حالهم حال أهلهم الذين لا يأمنون على أنفسهم وهم داخل البيوت !