المنبرالحر

في عشية يومه العالمي في 8 أيلول محو الأمية والتنمية المستدامة في العراق / عادل عبد الزهرة شبيب

في الثامن من أيلول من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي لمحو الامية، حيث اعلنت اليونسكو هذا اليوم يوما دوليا لمحو الامية عام 1966 بعد المؤتمر الدولي لوزراء التربية والتعليم عام 1965, وتم تحديد هذا اليوم لتقويم الجهود التي تبذلها الدول والهيئات والمنظمات كل عام في مجال محو الامية وتعليم الكبار. وهو ايضا مناسبة لتبادل الخبرات العالمية والاقليمية والتعرف على المنجزات وفرصة لحشد الجهود وتعبئة المجتمع بأطرافه المختلفة للمشاركة في دعم مشاريع وبرامج محو الامية وتعليم الكبار، كما انها مناسبة للتوعية بأهمية محو الامية ودعوة الاميين للالتحاق ببرامج محو الامية لما للتعليم من أهمية كبيرة في عملية التنمية المستدامة حيث ان التعليم يمثل عنصرا من العناصر الأساسية اللازمة لتعزيز التنمية المستدامة اذ أنه يمكن الناس لكي يكون في مقدورهم اتخاذ القرارات الرشيدة في مجالات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. اضافة الى ذلك فإن محو الامية يعد بمثابة الدعامة التي يستند اليها التعلم مدى الحياة والاطلاع على ميادين الثقافة والعلم, كما انه يقوم بدور مؤسس حاسم في بناء مجتمعات تتميز بالاستدامة والازدهار والسلام.
واليوم تشير الاحصائيات الى أن 17في المائة من سكان العالم الراشدين لا يزالون غير ملمين بالقراءة والكتابة وثلثي هؤلاء من النساء، وان 127 مليون شاب على الصعيد العالمي لا يستطيعون القراءة والكتابة وان 60,7 في المائة منهم من الشابات. ومن المحتمل أن يواجه 67,4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس صعوبات كبيرة في المستقبل حيث ان نقص التعليم الأساسي او عدم توافره هو السبب الأصلي للامية, ونظرا الى أن هناك زهاء 793 مليون راشد يفتقرون الى الحد الأدنى من مهارات القراءة فإن محو الامية للجميع لا يزال بعيد المنال وان عدد الاميين في تزايد.
أما بالنسبة للعالم العربي فقد بلغ عدد الاميين نحو 96 مليون نسمة حسب احصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الالكسو ), ولا تزال اعداد الاميين في ارتفاع حيث يقدر بأن محو الامية في كامل العالم العربي لن يحصل قبل 2050، ويقدر عدد الاميين في العالم العربي حالياً بحوالي 70 – 100 مليون نسمة يمثلون ما نسبته 27 في المائة من السكان, وان نسبة النساء الاميات اكثر من نسبة الرجال. وهناك تسرب كبير للأطفال الملتحقين فعلا بالتعليم لأسباب اقتصادية واجتماعية وامنية.
أما بالنسبة للعراق وحسب تقرير اليونسكو فإنه في فترة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من افضل انظمة التعليم في المنطقة. كذلك كانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة في فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين عالية. وكانت هناك حملات مستمرة لمحاربة الامية, حتى كاد العراق ان يقضي على الامية تماما. غير ان التعليم في العراق عانى الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار وانعدام الأمن, حيث بلغت نسبة الامية حاليا الى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في العراق.وعموما فإن التعليم في العراق قد تراجع كثيرا عن مستوياته السابقة بسبب فشل القوى المتنفذة في ادارة هذا المرفق الحيوي وفشلها عموما في ادارة شؤون البلاد.
ومنذ الحرب العراقية الايرانية انخفضت ميزانية التعليم وفي سنوات الازمة 1990 – 2003 الناجمة عن حرب الخليج والعقوبات الاقتصادية التي تسببت في اضعاف المؤسسات التعليمية في العراق انخفضت حصة التعليم في الناتج القومي الاجمالي وانخفض الانفاق الحكومي على الطالب الواحد من 620 دولار الى 47 دولارا، كما انخفضت رواتب المعلمين من حيث القيمة الحقيقية وانخفض عدد الطلاب الاجمالي في التعليم الابتدائي الى 90في المائة وزيادة الفجوة بين الجنسين، وبلغت نسبة التسرب من التعليم 20في المائة خصوصا بين الاناث. ومنذ 2003 ظهرت المشاكل الرئيسة التي تعيق النظام والتي تشمل : نقص الموارد، وتسييس النظام التربوي والهجرة والتشرد الداخلي من المعلمين والطلاب والتهديدات الأمنية.
والامية اليوم امتدت على نطاق واسع مقارنة مع الفترة السابقة، وبلغ معدل التعليم في العراق المرتبة 12 عربيا.
لقد شهدت عملية القضاء على الأمية بعد 2003 تراجعا كبيرا وبخطوات كبيرة الى الوراء بسبب النزاع الطائفي وعجز الحكومات المتعاقبة عن توفير الأمن في البلاد والذي يعتبر الركيزة الأساسية لبناء اية بنية تحتية في هذا الجانب، كما ساهمت عوامل عديدة في تفاقم المشكلة مثل :-
1. التهديدات الأمنية واطلاق الرصاص والاغتيالات والتفجيرات والعمليات الارهابية من قبل جهات متعددة وتدمير الممتلكات وتجنيد الطلاب القصر واحتلال المدارس من قبل العناصر المسلحة او من قبل المهجرين. وقد بلغ عدد الاساتذة الذين تم اغتيالهم في العراق منذ سقوط النظام السابق عام 2003 أكثر من 370 استاذا قضوا في عمليات تصفية وانتقام.
2. الفساد المالي والاداري.
3. تسييس النظام التربوي.
4. التسرب من المدارس بداعي العمل بسبب ضعف الحالة المعيشية للأسرة.
5. ضعف الرقابة الحكومية في الزامية التعليم بحق الصغار بعد تردي العملية التربوية.
6. التهجير الداخلي والخارجي والذي من ضمنهم الطلاب والمعلمين بسبب الطائفية والارهاب.
7. نقص الموارد المخصصة للتعليم. فهل يعقل ان تخصص ميزانيات الرئاسات الثلاث (الاجتماعية) بحوالي 20في المائة من الميزانية العراقية والتعليم بمختلف درجاته 10في المائة، بينما ميزانية التعليم في السعودية تشكل 26في المائة والولايات المتحدة 27في المائة والصين 30في المائة.
وبارتفاع نسبة الامية في العراق لا يمكن التوقع بالحصول على مردود ايجابي في تعزيز التنمية البشرية ما لم يتم استحداث برامج وطنية تعمل على تقويض اسس هذا الجهل وهذا التخلف.
ان الامية هي السبب المباشر في وجود التخلف وتدني نتائج وخطط التنمية حيث ان الامية والتخلف وجهان لعملة واحدة كما في التعليم والتنمية. وان القضاء على الامية يؤدي الى التخلص من براثن الفقر والتخلف.والكفاح ضد الامية مهمة الجميع وهو واجب وطني فلا تنمية ولا تطور ولا تقدم ولا استقرار مع وجود خطر الامية. وان محو الامية هو احد شروط التنمية ذاتها وجزء لا يتجزأ من عملية التنمية ذاتها ايضا. وان انتشار الامية بهذا الشكل الخطير في العراق هو عقبة كبيرة من العقبات التي ستحول دون امكانية خروج البلد مما هو فيه واعادة اعماره، والضرورة ملحة اليوم بعد التراجع الكبير للتعليم في العراق واتساع نطاق الامية، لوضع حلول جذرية لمحو الامية والقضاء عليها وتشريع قانون لمحو الامية مع تخصيص المبالغ اللازمة من الموازنة الاتحادية لمشاريع اقامة دورات محو الامية وتكليف المعلمين خريجي المعاهد العاطلين عن العمل بإلقاء المحاضرات في مراكز محو الامية لقاء اجور مناسبة والعمل الجاد على تحسين الاوضاع المعيشية للآسر العراقية ومراقبة تطبيق التعليم الالزامي ومنع الطلبة من التسرب من الدراسة. مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول في عملية محو الامية كالتجربة اليابانية مثلا في القضاء على الامية.
فهل سيستيقظ العراق اليوم قبل فوات الأوان, أم ستبقى الامية مشكلة اليوم والمستقبل؟