المنبرالحر

الفكر الطائفي لا يتواءم مع الوطنية / د. على الخالدي

تطفو على السطح السياسي العراقي قضايا حادة ، تعرقل جذريا عملية تطوره السياسي وأﻹجتماعي ، فالنضال الذي خاضته قوى شعبنا بمختلف إتجاهاتها الوطنية والدينية والقومية ضد النظام الدكتاتوري ، كانت من أهدافه تعزيز الديمقراطية السياسية و اﻹجتماعية ، بجانب القضاء على كل ما يورثه الوضع الجديد من آثام الدكتاتورية ، لكن مما يؤسف له أن دول الجوار والعامل الخارجي مهد ﻷستقواء بعض القوى ، بالفكر الطائفي الذي تغلف بمظلومية الطوائف ، فرفض معتنقوه اﻷندماج في العمل الجمعي لبناء العراق الجديد ، رافضين اﻹنفتاح السياسي على بقية مكونات المجتمع العراقي والقوى الوطنية الديمقراطية ، بتبنيهم نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، الذي أصر مريدوه على رفض جميع التوجهات التي تلبي متطلبات المرحلة اﻷنتقالية للتغيير ، جاعلين اﻷمور تتخذ منحى مغايرا أصطدم ، بطموح الجماهير لنيل ما كان يُفرض أن يحققه التغيير لصالحها ، فخلال العشر سنوات المنصرمة ، لم ير العراق ما يفيد التخلص من موروثات الأنظمة المقبورة ، بل أضيف لها منغصات ، بدأت تنهش بمستحقات التغيير ، وتخدش الديمقراطية السياسية واﻷجتماعية التي نص الدستور على حمايتهما ،فزادت من مساحة الفقر بين أوساط الشعب . وتواصل غياب العدالة اﻷجتماعية ، والتنمية اﻷقتصادية والبشرية ، وإستباب اﻷمن ، والتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي ، وتحرير العمل والمرأة.

أن ما مر ذكرة مع اليأس واﻹحباط ، كَوّن منشطات افاقت الجماهير من مخدر الشعارات الطائفية ، وفتحت عيونهم الى طريق الهاوية التي سيقادون اليها ، بعد أن نهب أصحاب الفكر الطائفي ، خيرات بلادهم الوطنية ، فتضخمت أرصدتهم من المال العام لتُصرف على شراء الذمم واﻷصوات ليخوضوا اﻹنتخابات القادمة ، كما فعلوها في الماضي . لقد بدأت الجماهير تتطلع الى اﻷنتخابات القادمة ، وإمكانية البحث عبرها بالتعاون الجمعي ، لتغيير الساحة السياسية العراقية ، وهي الفقيرة ماديا والغنية بثقلها اﻹنتخابي ، الذي به تستطيع إنتخاب ممن شاركهم الحاجة والمعاناة ، و يتطلعون الى عراق الغد ، عراق العزة والكرامة ، الخالي من التيارات السياسية الطائفية واﻹرهابية الخطرة ، التي بدأت باﻹنتعاش . باﻷستفادة من تجربتها النضالية ، التصدي للحسابات اﻷنانية المغرضة لبعض القائمين على الحكم ، أصحاب السياسة الضيقة اللصيقة بمباديء الفكر الطائفي ، القافز على مصالح الشعب والوطن ، والذي يراد له عبور الحدود الى إمتدادات نوايا طائفية قريبة وبعيدة ، بفضل الدعم المادي واللوجستي ، من قبل دول الجوار الطامعة بعراقنا ، والتي تلعب على وتر الإلتزام به (الفكر الطائفي ) وبإمتداداته اﻷممية . لذا من المناسب أن يطرح أمام الجميع سؤال مفاده عن أي عراق نتحدث ونريد.
إننا نتحدث عن عراق فيه 30 مليون مواطن أو أكثر من ذلك ، ونسبة التزايد السكاني فيه تفوق أي نسبة متسارعة ، ﻷية دولة في العالم، وإن فيه أكثر من 6 مليون تحت خط الفقر ، وإنه يعوم على بحيرة من النفط ، ونهرين معرضين لمخاطر شحة مياهمهما . نتحدث عن عراق يواجه جغرافيا سياسية من نوع خاص ، بسبب ذلك الإلتزام بالفكر الطائفي ، الذي يتطلب مناهضته ، بفكر قائم على سياسة ، مشبعة بالروح الوطنية ، بعيدة المدى تنبع من تقليدين أكتسبا من الصراع الوطني لقوى شعبنا ضد المستغلين ( بالكسر ) اﻷول كرس في سبيل التحرر الوطني واﻹجتماعي ، بينما الثاني يُكرس من أجل مناهضة إمتيازات من تبرجز بشكل صاروخي خلال العشر سنوات الماضية من سارقي قوت الشعب والبرجوازية الجديدة ، التي قفزت من الطبقة الوسطى ، بعد تهشيمها ، وبشكل غير متعارف عليه ، أصبحت ضمن صفوف الرأسماليين الكبار في العالم ، في أجواء تصاعد الصراخ العالي للقائمين على النظام ، من الذين أقل من يفكر بمصالح الشعب . مسهلين هروب راسمالهم ( الذي سرق من المال العام ) ، ليستثمر في دول الجنسية الثانية ، هاملين التنمية اﻹقتصادية والبشرية ، ومولين إهتمامهم بإلتزامهم ، بأﻷممية الطائفية ، على حساب الوطنية ، على غرار ما تم من رفعه من شعارات قومية في زمن الدكتاتورية ، والتي طمست حقوق الشعب الوطنية بالعراق.

لقد أكد الواقع أن الفكر الطائفي لا يقوض سيادة البلاد فحسب ، وإنما يحرم شعبنا من حق حل قضاياه بنفسه . ويرمي مفاتيح حل القضايا الملحة التي دفعت الى إسقاط الصنم في أيدي اﻷوساط التي تطمع بسيادة، وزرع اﻷحباط في نفوس جماهيرنا ، ونشر جدل جدوى المساهمة في اﻹنتخابات القادمة بين الناس ، كإجراء عقابي للأحزاب الطائفية ، ناسين أن ذلك ، سيؤدي الى إستمرار النهج الطائفي ، بما يتمتع مريدوه من ثقل مادي ، وإمكانية اﻷستحواذ على أصوات القوى اﻷمنية المبنية على اساس الولاء الطائفي واﻷثني ( مليون ونصف عنصر ) ، ليستمر بقاء العراق تحت رحمة من لا له رحمة من أصحاب إمتياز التغيير ودول الجوار القريبة والبعيدة . وهو عقاب جماعي لمستقبل التغيير ، ولتفادي هذا المصير المأسوي لعراقنا ، يتطلب من كل مواطن حريص على مصالح الشعب والوطن العليا أن يساهم في شحذ الهمم وتحشيد الطاقات بالمشاركة الفعالة في اﻹنتخابات ، والتصدي لكل ما من شأنه أن يؤدي الى مواصلة سرقة اﻷصوات ، عبر قانون يجري التوافق عليه بين قادة الكتل واﻷحزاب الطائفية واﻷثنية يضع المعوقات امام العازمين على التغيير للوصول الى قبة البرلمان ، إنها الفرصة الوحيدة أمام الجماهير ﻹحداث التغيير ديمقراطيا ، وكنس نهج المحاصصة الطائفية وأﻷثنية ( أس بلائنا).