المنبرالحر

*رب شرارة أحرقت سهل ! / صادق محمد عبد الكريم الدبش

المتابع للإعلام بمختلف وسائله ( المقروءة .. والمنظورة .. والمسموعة ) يلاحظ .. وكأن القيامة ستقوم بعد حين ..
تعج القنوات الفضائية بالمقابلات والتصريحات النارية ، والمؤتمرات الصحفية المعدة بعناية ، وبخطب وبيانات وتصريحات تجييش الشارع ، وخطب تصعيدية وتعبوية ، للإعداد لمعركة قومية ومذهبية حامية الوطيس ، من دون وازع وطني أو أخلاقي أو قانوني !
هذا ينم عن فقدان لبوصلتنا وتوجهاتنا الوطنية والأخلاقية والدستورية ، ولمبدئ التعايش المشترك الذي يربط مكونات شعبنا وأطيافه المختلفة منذ قرون !
ولو نعود لسبب كل ما يحدث !.. وما سوف يحدث من صراعات وأحقاد وكراهية ونفور ؟
لوجدنا سببه الحقيقي !... هو غياب دولة المواطنة ، وغياب القانون ، وغياب الأمن ، وغياب العدل والمساوات ، وعدم توزيع الثروة بشكل عادل وعدم تحقيق العدالة ، ومنذ الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003 م وحتى يومنا الحاضر .
وهذه حقيقة يجب الإقرار بها وجعلها من المسلمات ، في أي نهج جديد يمارسه النظام السياسي القائم ، أو الذي سيقوم مستقبلا ، وأن يتعظ من كل الهزائم والانتكاسات والأخطاء السابقة ويتجاوزها .
إن حل عقد ومشاكل ومعوقات قيام دولة وطنية ديمقراطية علمانية اتحادية هو من خلال تبني هذه الدولة وشروط قيامها ؟
السبب المباشر .. هو رؤية النظام السياسي الذي يقود البلاد منذ عام 2006م وحتى الأن ، والذي يقوم على الرؤية الأُحادية والدينية في بناء الدولة .
فلسفة ونهج الدولة الدينية ، الذي كرسه التحالف الوطني الشيعي وأحزابه ( أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الذي يقود البلاد طيلت الفترة الماضية ، وهي نظرة تقوم على التفرد بالقرار من خلال الرؤية الأُحادية الضيقة ، وبناء الدولة على أساس فلسفة الدين والرؤية الدينية ، والمحاصصة والطائفية السياسية ، وتقاسم المغانم ليس على أساس الكفاءة والنزاهة والوطنية ، بل على أساس الطائفة والقومية والحزب والمنطقة ، والذي أدى الى إشاعة الفساد في كل مفاصل الدولة ، بما في ذلك المؤسسة الأمنية والوزارات الخدمية على وجه التحديد .
غياب هذه الدولة أدى الى انحسار حادا للحريات العامة والخاصة ، والتجاوز عليها وعلى الحقوق ، وأثر بشكل كبير على الأنشطة الثقافية ، وعلى حرية التعبير والنشر ، والأكثر تأثيرا كان على الأنشطة الفنية بمختلف فروعها ومسمياتها ( المسرح .. والسينما أصلا مغيبة منذ الحملة الإيمانية عام 1991 م ، وغياب نشاط الفرق الفنية والغنائية ، ومطاردة العاملات في المقاهي والنوادي وطردهن من اعمالهن ، والاعتداء على حرية المرأة في ملبسها وحركتها ، والتضييق على الطالبات والطلاب في المدارس والجامعات ، وبذرائع وحجج واهية ، وتحت ذريعة الدين والشريعة ) وهذه ظواهر يتم ممارستها وترسيخها كنهج ومنذ سنوات .
والمسألة الأكثر تأثيرا على حياة الناس وراحتهم ، والتي تقض مضاجعهم !.. غياب الأمن وعدم شعور الناس بالأمان والطمأنينة والراحة ، وسبب ذلك تعدد مراكز القوى ، وعدم توحيد المؤسسة الأمنية واستقلاليتها ووطنيتها ونزاهتها ، وأن يكون السلاح بيدها حصرا دون غيرها !... وهذا غير موجود ولحد اليوم ، فالسلاح منتشر خارج إرادة وسيطرت هذه المؤسسة ، والميليشيات تصول وتجول في عراق اليوم ولا يردعها شئ !.. لا دولة ولا حكومة ولا قانون .
المسألة الأُخرى والأهم هو غياب العدالة والقانون ، مما دفع بالناس الى اللجوء الى العشائر وأعرافها ، مما انعكس سلبا على حياة الناس ، وهو تغييب للدولة وللقانون والعدل ، وهذا إخلال بشروط قيام الدولة المسؤولة عن حماية أمن الناس وتحقيق العدالة بين الجميع ، وهذه غائبة تماما ، ويتم التفريط بها جهارا نهارا .
هذه كلها وغيرها تراكمات أضحت تشكل خطرا داهما على العراق وعلى وحدته وتماسكه واستقلاله ، وهي نتيجة منطقية لكل السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة !.. بالرغم من كل المناشدات والمطالبات بتصحيح مسار العملية السياسية وبناء الدولة على أساس المواطنة وقبول الأخر !... ولكن دون جدوى وليس هناك من يصغي وبعناد منقطع النظير !
وما زالوا مصرين على تكرار سلوكهم القديم ، والذي أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم !.. والقادم قد يكون أكثر إيلاما وضررا من سابقه .
نتمنى أن لا يكون ذلك ، ولا تتكرر التجارب السابقة ، ولكن الدول لا يتم بنائها بالتمني والدعاء والاستغفار !.. يتم من خلال نهج سليم وعلمي وموضوعي منسجم مع مصالح الناس والبلاد ، وتحت إدارة رصينة ووطنية وتتمتع بالخبرة والنزاهة ، والعلمية الرصينة لإدارة الدولة .
إن المشكلة القائمة مع إقليم كردستان والحكومة الاتحادية ، هي مشكلة مركبة !.. وتحتاج الى عقول متأنية ، وتحتاج الى مرونة في التعامل مع تلك المشاكل الشائكة ، فمنها ما هو دستوري وقانوني ، ومنها ما هو إجرائي ، وهذه كلها ليست بعيدة عن مجمل المشاكل والمعوقات والموانع ، التي يعاني منها العراق ونظامه السياسي ، وهنا نؤكد على ( سببه النظام السياسي ) والذي هو بحقيقة الأمر .. هو المولد والمفرخ والمنتج لكل الأزمات التي يمر بها العراق ، والتركة الثقيلة للنظام المقبور ، وما نتج ما بعد الاحتلال .
لا خيار أمام قوى شعبنا بكل فصائلها وتوجهاتها وانتمائاتها ، والحكومة العراقية الفيدرالية وحكومة الإقليم ، غير الجلوس وراء طاولة الحوار والنقاش الهادئ والمسؤول ، ووفق الدستور والقانون ، ومن دون شروط مسبقة ، وعلى أساس العراق الاتحادي الديمقراطي العلماني الموحد ، فهو الضمانة الوحيدة لحل كل المشاكل والمعوقات ، ولتجاوز الأزمات ، وهذا السبيل الوحيد الذي فيه منفعة للجميع ، وسيربح الجميع ، وهو انتصار لشعبنا بكل مكوناته وأطيافه ومذاهبه وأعراقه .
وأنا هنا أُحذر من عدم الاكتراث بكل الذي يحدث وعدم الإصغاء لهذه الأصوات ، وبعكسه سيسير العراق في مستنقع من النزاعات والتراشقات والتهديدات المتبادلة وغير مسؤولة !.. وقد تكون نتائجها كارثية على الجميع ، ولن يخرج منها أحد منتصرا !.. فالجميع سيذهب الى جهنم لا سامح القدر.. مجبر أخاك لا بطل .