المنبرالحر

تصريحات رئيس الوزراء.. بهدوء / عبد المنعم الاعسم

تصريحات رئيس الوزراء السيد نوري المالكي التلفزيونية المكثفة والزاحمة انتهت الى ما كان يتوقعه محللون موضوعيون كثيرون: رسائل تحتاج الى ضبط ومراجعة وإقناع. هذا في أفضل توصيف، وأجمله، لجملة القضايا الخطيرة التي أثيرت في ثنايا تلك التصريحات، اذا ما انطلقنا من زاوية النقد البنّاء، المسؤول، الذي لا يأخذه في الحق لومة لائم، ولا ينحى الى تصيّد العثرات وزلات اللسان. وكل الاعتبارات اثيرت وتشابكت بالحقائق وأنصاف الحقائق وتصفيات الحساب بمناسبة تلك التصريحات، وآخرها، إشارته الى القبض على احد المقاولين المخالفين، قيد طلب?القضاء، من قبل ابنه وحارسه احمد، محسوبة بشكوى من ضعف الجهاز الامني وشلله، وشاءت البيئة السياسية والإعلامية المضطربة ان تضع هذه الإشارة في خانة زلات اللسان، أو مانشيتا رئيسيا لما يجري في العراق، على الرغم من ان ثمة في احاديث المالكي ما هو اهم واخطر.
لعل المناسبة تستوجب التذكير بفروض علم السياسة لمسؤوليات رجل الدولة الحديث، بعيدا عن التنظير المدرسي، ولدينا منه الكثير من افلاطون وابن خلدون والجابري والوردي، لكن اشهر عالم اجتماع هو ماكس فيبر يقترب من دائرة معالجتنا بقوله ان مهمة رجل الدولة مثل مهمة الاستاذ وتتمثل «في تعليم تلاميذه الإقرار بوجود وقائع غير مريحة» وهي مهمة شاقة لا يستحسن ركوبها بعجالة او الاستسلام لنجاح عابر تحقق هنا وهناك، لان النجاح «اسوأ معلم، احيانا» كما يقول بيل غيتس ثاني اكبر الناجحين في ادارة اعمال البرامج في الولايات المتحدة. أما ز?ات اللسان التي يرتكبها مسؤولو الدول فانها لا تمر من غير تداعيات وحرائق إذا لم يجر تصويبها والتراجع عنها.. لنتذكر عثرة لسان بابا الفاتيكان الراحل «بينيديكت السادس عشر» عندما تحدث في جامعة بريجينسبرج الألمانية عام 2006 عن «شرور» الاسلام في سياق عابر، أو عثرة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عندما سئل ما اذا كانت حرب العراق «كارثة»، فاجاب «نعم هي كذلك» وكان ذلك بعد يومين من دفاعه عن تلك الحرب كرسالة أخلاقية.
احاديث رئيس الوزراء التلفزيونية تثير مشكلة الخطاب الرسمي الذي يريد جاهدا اقناع الجمهور بان مساحة الخطأ كبيرة على سطح المشهد السياسي المضطرب، وان الاخطار داهمة من حول العراق، وان الحلفاء والشركاء معا متورطون في التجييش السياسي المناهض للحكومة، وفي التقليل من شأن هذه الاخطار، او في المساهمة فيها، ويعملون من مواقع مختلفة على إفشال مسيرة الاصلاح والتطبيع والبناء، وان كابينته مستثناة من هذه الاخطاء، بل هي الضحية العلنية لتحالف غير مكتوب بين الجميع، ويشاء هذا الخطاب ان يقدم آفاقا مغلقة نحو المستقبل باستثناء خيط?من الخلاص (الافتراضي) ينطلق من هذه الكابينة حصرا، ومن ينضم لها ، الامر الذي يُعدّ خطأ منهجيا وتعبويا، ويجافي حسابات الواقع وخارطة الارادات السياسية المنظورة.
قال المالكي، مما قال، انه تعرض الى ضغوط «فاشلة» لتأجيل الانتخابات عن موعدها الدستوري، لكن لم نعرف من هي الجهات التي مارست تلك الضغوط، اقليمية او دولية، او داخلية في وقت وافقت الكتل البرلمانية جميعا على موعد السباق الانتخابي في نيسان المقبل، ثم، ما حاجة الملايين لان تسمع بان صاحب القرار السياسي يتعرض الى ضغوط سياسية بين وقت وآخر، فيما هي تتعرض الى مذابح على مدار الساعة.
******
«لن تجدَ قوسَ قزح ما دمْتَ تنظرُ إلى الأسفل».
شارلي شابلن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر العمود أسبوعيا بالتزامن مع جريدة (الاتحاد) الغراء