المنبرالحر

إستقلال كردستان العراق .. لماذا الآن ؟ / نجاح يوسف

لا يسعني إلا أن أتضامن مع مشاعر الأشقاء الكرد وهم يطمحون لإعلان دولتهم المستقلة عبر الإستفتاء الذي جرى قبل يومين وأيده أكثر من ٩٠٪ من أبناء كردستان رغم معارضة الحكومة العراقية ودول الجوار والأمم المتحدة ودول تعتبر صديقة للكرد.
إن إصرار السيد مسعود البارزاني على موعد الإستفتاء رغم المشاكل الداخلية سياسية (تجميد عمل البرلمان, إصرار السيد مسعود على رئاسة الإقليم, تهميش الأحزاب الكردية) واقتصادية ومالية(ركود اقتصادي, فساد مالي, سياسة نفطية خاسرة, ٣٠ مليار دولار ديون خارجية, عدم دفع رواتب الموظفين الخ) في الإقليم, وحيث لازالت القوات العراقية المشتركة منشغلة في دحر داعش الإرهابية, وإن المناطق المتنازع عليها لم تحسم بعد, إلى جانب العديد من الملفات العالقة, كل ذلك يدعو إلى وقفة متأنية لمعرفة خفايا هذا الإستفتاء, وإن كان هناك ما هو غامض وغير مرئي في إعلان الدولة.
لم تساعد ردود الفعل المتشنجة من قبل الحكومة الإتحادية ونواب البرلمان العراقي على إعلان الإستفتاء في ثني القيادة الكردية على تأجيله , كما لم ينصت السيد مسعود إلى أصوات المعارضة في كردستان (التغيير والإسلامي وحركة لا) التي تطالب للحوار مع بغداد. إذن على ماذا إعتمد السيد البارزاني للذهاب إلى شوط القطيعة مع بغداد؟ قد يكون السيد البارزاني يراهن, وهو على حق, على إندفاع الشعب الكردي العاطفي مع حق الإستقلال , وعلى أن الضجيج الذي سيثيره اعداء الشعب الكردي الخارجيين والمعارضين في كردستان وبغداد بعد الإستفتاء سيهدا ويخمد بعد فترة وجيزة.. وماذا عن حقوق ورأي المكونات القومية والنازحين والمهجرين التي تعيش في كردستان وسهل نينوى؟ هل تم مفاتحتها؟ هل تم أخذ رأيها إن كانت ترغب بالعيش تحت ظل العلم الكردي؟ أم أن فرض الأمر الواقع , كما كان يفعل الدكتاتور صدام , هو السائد؟ ولكن مما نلمسه حاليا هو إصرار من قبل كافة الإطراف المتنازعة التشبث بموقفها, وكذلك مواقف الدول الإوربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة ”المعلنة“ على ضرورة إحترام وحدة الأراضي العراقية وموقفها الرافض لنتائج الإستفتاء!! لذلك كان من المنطقي جدا أن تبادر القيادة الكردية على كسب تأييد هذه الدول قبل إتخاذ قرار استراتيجي هام مثل قرار إعلان استقلال كردستان من جانب واحد.
قد أكون شكاكا, وإن بعض الشك إثم , كما يقال, ولكني أتقبل هذا الإثم وأطرح شكوكي, وأتمنى صادقا أن اكون على خطأ, من أن هذا القرار الخطر الذي إتخذه السيد مسعود البارزاني يدخل من باب مشاركته في الخطط المرسومة في مطابخ الدول الكبرى إلى جانب دول الخليج وإسرائيل لإثارة الأوضاع القلقة في المنطقة وخاصة في العراق وإيران وتركيا, كما ويأتي توقيته مع ضعف الدولة العراقية وهي مشغولة في معاركها ضد داعش, وكونها غير قادرة على تقويض خطة السيد مسعود ودحرها, لذلك سيكون العراق عرضة للتقسيم, أو على أقل تقدير دولة فيدرالية على أساس طائفي وعرقي. وأن الضوء الأخضر الذي وصل إلى أكراد إيران وخروج الألأف منهم تأييدا لاستفتاء كردستان العراق, يجعل من إيران , إلى جانب مشاكلها مع القوميات الأخرى التي تعيش فيها, مرشحة للفوضى والتفتت, وهذا حتما يدخل في حسابات الولايات المتحدة, دول الخليج, وطبعا إسرائيل. أما تركيا اردوغان ورغم ان عدد مواطنيها الكرد يتجاوز العشرين مليونا, إلا ان حلم تشكيل دولتهم في ظل دولة الإخوان المسلمين -القومية , يتحول إلى كابوس في ظل القمع الوحشي للسلطات التركية .. بينما نجد أن العلاقات الإقتصادية والمالية والنفطية بين حكومة وقادة الكرد في إقليم كردستان وبين تركيا وثيقة جدا من خلال المشاريع التركية الكثيرة في كردستان العراق وتجارة النفط واستيراد المنتجات التركية المتنوعة, مما سيشكل قطع العلاقات هذه مع الإقليم عبئاً على إقتصاد تركيا.. كما لا ننسى أن لتركيا أطماع في العراق ولها تواجد عسكري في كردستان وبعشيقة, ولوحت بالتدخل العسكري إن هدد هذا الإستفتاء استقرارها وأمنها او لحق بتركمان العراق أية إعتداءات من قبل الأكراد.. ورغم أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة يشوبها عدم الثقة بعد ما يسمى بمحاولة الإنقلاب التي تتهم تركيا حليفتها في الناتو الولايات المتحدة بأنها كانت وراءها, إلا أن موقعها الجغرافي يحتم على حلفائهافي الناتو التعامل معها بحذر, ولكن لابد وأن تتأثر أوضاعها الداخلية لو كتب لخطة مسعود في الإستقلال النجاح ..
أتمنى أن أكون على خطا في شكوكي , كما اتمنى ان تحل جميع القضايا المستعصية بين الإقليم والحكومة الإتحادية عن طريق الحوار , وابتعاد كلا الطرفين عن تجييش الكراهية والحقد بين الشعبين الشقيقين وكبح جماح الأصوات النشاز الداعية إلى حل هذه الخلافات بالطرق العسكرية .