المنبرالحر

الأدوات السياسية المعاصرة للتفاوض و خفايا النجاح الدبلوماسي/ د. سامان سوراني

بالرغم من أن ثنائية الحوار والتفاوض تشكل المكوؔن الأساسي للحل السياسي وهي قديمة قدم التاريخ
يظل التفاوض مسٶولية من مسٶولیات العمل الدبلوماسي في السياسة الخارجية للدول. فالتاريخ البشري عبارة عن مشاكل و قضايا و سعي نحو حلها.
الهدف الأساسي للدبلوماسية هو التوفيق بين المصالح المتعارضة وخدمة المصلحة البشرية بالطرق والأدوات السلمية والسعي الی تجنب التوتر أو تخفيفە. والتفاوض هو فن لحل الخلافات الدولية بالطرق السلمية، بل هو علم التعرؔف على أفضل وسائل تكوين الأرضيات المشتركة والتفاهم الفعؔال بين بني البشر، رغم اختلافاتهم وثقافاتهم وعقائدهم، يحكمه قواعد تطورت مع تطور العلوم السياسية والاجتماعية.
البعض يعتبر التفاوض وظيفة شكلية بإعتبار أن وراء كل تسوية قوی موضوعية وهذه الوظيفة الشكلية ماهي إلان تغليف الأوضاع بالغلاف القانوني. وهناك آخرون يعتبرون بأن للمفاوض تأثير علی محصلة التسوية ، لأن قدرة المفاوض علی إقناع الطرف المقابل وإدراكه ومهارته في حل مسائل الصراع المتشابكة لتحقيق أفضل عائد ممكن من المفاوضة تلعب دوراً مهماً في مسألة التلاقي أو التنافر بين المفاوضين. فالتفاوض اداة نلجأ اليها للمحافظة على المصالح المشتركة ولكن وجود تلك المصالح من الاصل او الامل في تحقيقها شرط في نشأة الحاجة الى التقاوض واستمرارها.
صحيح أن معرفة استراتيجيات ومهارات التفاوض في المجال الدبلوماسي والإتصال بالآخرين أمر لابد منه ، لكن دور التفاوض يجب أن لا يقتصر مجرد علی كسب الوقت أو جمع المعلومات عن الخصم أو إستعمال المبادیء التقليدية كـ"خذ ثم طالب" مثلا أو "أطلب المزيد تحصل علی ماتريد أو يزيد" أو "إستخدم ورقة الضغط الداخلي والخارجي" فهذا كلها لاتنفع ونحن نعيش عصر المعلومة والإنسان الكوكبي بعد أن ولؔی زمن الفحولة السياسية والحنكة المغلؔفة بالتحايل والخدعة.
من يؤمن بأن إدارة الصراع السياسي والاجتماعي لا تحتمل حلولاً وسطاً ، بحاجة إلى دروس إضافية في ثقافة التفاوض، وقبلها ثقافة الحوار وقبول الآخر. فالتفاوض يجب أن يبنی علی أساس التعاون بين الأطراف لا باستخدام أساليب التحايل والغبن والشخص المفاوض يجب أن يكون على مستوى عال من دماثة الخلق، وعذوبة ‏البيان، وبراعة اليراع، وغزارة العلم، والصبر وسعة الصدر ونابذ للتمسك بيقينيات كاذبة.
أما نجاح الدبلوماسية ، التي هي أداة سلام ، فهو يكمن في السير وفق مبادئ قويمة تضمن لها تحقيق الغايات السامية التي وجدت من اجلها، كالإيمان بالتفاهم مع المختلف و إمكانية التعايش السلمي مع الأطراف الأخری المختلفة .
إن تعيين الهدف وإدراجه في قائمة الأولويات، التي يجب ‏الاعتماد عليها بوصفها أساساً للتواصل والتقارب‏ والحوار ، هو من الأمور الملحة التي يجب عدم تجاهلها في مسألة الحوار. أما التعارف المسبق بين طرفي التفاوض وحسن الظن المتبادل ، التي لا يمكن الحصول‏ عليها الا بعد ان يعرف كل طرف من طرفي الحوار الطرف الآخر معرفة دقيقة ، يبسط من أمر التسوية.
ومن الشروط الأساسية الواجب تواجدها في الشخص المفاوض أيضا هو تحري الموضوعية وتجنب الشخصانية أو التقوقع داخل الذات ، هذا بالإضافة الی تنمية حاسة الاستماع الجيد للآخرين، بلا افتراضات مسبقة والاعتراف بالخطأ في حال الوقوع فيه ، واستيعاب ما يقال وتخزينه في الذاكرة لاسترجاعه في الوقت المناسب في الحوار ومقاومة قابلية تصديق أفكار الآخرين بتسرع دون برهان قوي والقدرة علی إقامة الحجج، واستخدامها إيجابياً لصالح التفاوض، لا لصالح هزيمة الخصم وتجنب التفكير الأحادي أو عدم التكييف مع المستجدات. الحوار مع الآخر يتطلب الحوار مع النفس أولاً بعد التحرر من اليقينيات والهويات الماضوية والمسلّمات المُسبَقة، التي لا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال. والتجارب تكشف لنا بأن ترك الانطباع الأخير طيباً قد تكون له نفس دلالة الانطباع الأول.
إن إيجاد الجو التفاوضي المناسب و تحريك الأطراف للتطور في المفاوضات وكسر الحاجز النفسي بعد التعرف علی مواقف الآخرين وعرض الموقف المطلوب بوضوح مع التحلي بهدوء الأعصاب والتنازل عن بعض الأهداف لغرض الوصول الی تسوية مع الآخر كخطوة أولى نحو تحقيق أهدافنا كافة في وقت لاحق. أما الفلسفة القائلة بأن "لا نتفاوض أفضل من أن نتفاوض بدليل أن التفاوض والحوار قد يصل بنا إلى تغيير مواقفنا ، والتغير عندنا أمر غير مرغوب"، تٶدي بالنتيجة الی اغتيال التفاوض والحوار ، لكن اغتيال التفاوض والحوار ليس سوى قتل إنسانية الإنسان.
وختاماً: التفاوض هو تفاعل بين الأفراد و اختبار الحوار مع الآخرين. و التفاوض الناجح هو التفاوض الإنساني والتفاوض الإنساني هو الذي يعتمد على اعتبار الآخر ليس سوى الذات و الأنا.