المنبرالحر

المهام الآنية النضالية للمنبر التقدمي البحريني بعد حل "وعد " / رضي السمّاك

ليس ثمة أي مفاجأة في الحكم النهائي الذي أصدره القضاء البحريني في السادس والعشرين من شهر اكتوبر / تشرين بحل جمعية " وعد " السياسية ( يسارية قومية معظم أعضائها ينتمون لتيار الجبهة الشعبية ) ، إذ كان متوقعاً لدى أي مراقب سياسي متتبع عن كثب لمجريات الساحة السياسية البحرينية ، فهو ثالث حكم من نوعه يصدر بحق جمعيات المعارضة السياسية البحرينية بعد حل جمعيتي العمل الاسلامي والوفاق الاسلامي على التوالي وذلك في أعقاب عاصفة ربيع العام 2011 . ويمكن القول - إلى حدما - ان فترة السنوات الأربع الاولى من انشاء الجمعيات السياسية البحرينية والمتزامنة مع أول فصل تشريعي للبرلمان الجديد ( 2002- 2006 ) هي الفترة الذهبية التي تمتعت خلالها جمعيات المعارضة بنسمات من الحرية النسبية بعد أن سُمح للقوى المعارضة بتأسيسها كصيغة بديلة عن الأحزاب ، وبموازاة برلمان جديد قُلصت سلطاته الرقابية والتشريعية قياساً ببرلمان 1973 والذي جاء حله بسبب قوة كتلة الشعب اليسارية المعارضة فيه واصطدامها المستمر مع السلطة حيث لعبت هذه الكتلة دوراً محورياً في دفع البرلمان برمته لرفض قانون أمن الدولة مما حدا بالسلطة الى حله وانفرادها بإصدار القانون وانفاذه فور حل المجلس في اغسطس / آب من عام 1975 بشن حملة اعتقالات واسعة طاولت عشرات العناصر من القوى اليسارية ، سواء تلك التي كانت تؤيد المشاركة في انتخابات البرلمان المحلول ( جبهة التحرير الوطني البحرانية وقوى قومية اخرى ) أم التي كانت تنادي بمقاطعتها ( الجبهة الشعبية ) .
لقد كان مطلب حق التنظيم الحزبي ،كشكل من أشكال الحريات العامة ، مطلباً تقليدياً من مطالب القوى الوطنية في بلد عُرف بتاريخه السياسي العريق في نشوء الاحزاب والحركات السرية منذ 60 عاماً ونيفاً ، وكانت هذه الاحزاب والحركات دائماً في طليعة انتفاضات وهبات الشعب البحريني ضد المستعمِر الأجنبي البريطاني وركائزه السلطوية المحلية ، وبفضل تلك الهبات والانتفاضات - إلى جانب عوامل اخرى - نالت البحرين استقلالها في أغسطس / آب من عام 1971 . ( وإن كانت السلطة لا تعتمد هذا التاريخ رسمياً كمناسبة وطنية للاستقلال ، بل جعلت من تاريخ عيد جلوس الامير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة هو العيد الوطني للبلاد ) .
ثم تجددت المطالبة بحق التنظيم الحزبي عشية الانفراج الأمني بعد تسنم ماك البلاد الحالي الحكم أو الإعلان عما عُرف ب " المشروع الاصلاحي " في مطلع الألفية الثالثة ، لكن اُختزل هذا المطلب المشروع الى اعطاء القوى السياسية اُطراً اقل قوةً من التنظيمات الحزبية ألا هي " جمعيات سياسية " - كما أسلفنا - بل وحتى هذه الصيغة الضعيفة الهلامية جاءت مُقيدة تشريعياً بألف قيد وقيد بموجب قانون الجمعيات السياسية . ومع ذلك فلم يكن أمام هذه القوى من بديل سوى قبولها في ظل موازين قوى مختلة وظروف ذاتية وموضوعية تفتقر معها فرض شروطها ، بل لم تجد هذه القوى أيضاً مناصاً من ابداء مرونة فائقة في خطاباتها وأنشطتها ومواقفها السياسية وذلك بعد تعاظم الضغوط عليها والتي وصلت ذروتها في أعقاب عاصفة ربيع 2011 لكي لا تفقد حق العمل المشروع ، أياً يكن تواضعه في ظل الحصار المُحكم المضروب عليها . ولكن حتى هذه المرونة التي لاذت وتمترست بها قوى المعارضة البحرينية بعد أحداث ربيع 2011 لاتقاء سيف الحل لم يقها من ذلك فحصد السيف حتى الآن - كما ذكرنا - رقاب ثلاث جمعيات معارضة ، ولم يتبق عملياً في ساحة المعارضة السياسية المشروعة سوى جمعية المنبر التقدمي ( يسار شيوعي امتداد لتيار جبهة التحرير الوطني البحرانية ) والتجمع القومي الديمقراطي ( امتداد لتيار حزب البعث العراقي وهو أضعف أحزاب المعارضة العلمانية الثلاث بعد وعد والمنبر التقدمي ) .
والسؤال الذي بات يفرض نفسه هنا : إلى أي حد تستطيع جمعية "المنبر التقدمي " التي أصبحت عملياً القوة الوطنية الوحيدة المعارضة على الساحة السياسية العلنية ووفق السقف الهابط الذي باتت تعمل تحت ظله أن تعوّض الى حدما عن فداحة غياب المعارضة الوطنية العلمانية برمتها بل وعن غياب قوى المعارضة السياسية بشقيها العلماني والديني بوجه عام ؟
مما لا شك فيه ان الظروف التي تواجهها جمعية " المنبر التقدمي " تغدو اليوم اكثر تعقيداً وصعوبةً بعد حل " وعد " ، وباتت المسؤولية الوطنية العليا تحتم عليها استشراف اُطر وآفاق للعمل العلني المشروع بالتنسيق مع مختلف رموز المعارضة وبضمنها الحزبية السابقة من خلال ابتكار قواعد لعبة سياسية وإن كانت تزداد ضيقاً مساحتها في الظروف الأمنية الراهنة ، لكن ذلك يتطلب أيضاً من " المنبر التقدمي " قبل كل شي ترتيب بيته الداخلي ورص صفوفه ووحدته الداخلية شريطة أن يكون ذلك على قاعدة التمسك بهويته النضالية المعارضة وعدم التفريط أو المساومة على مواقفه المبدئية الصلدة التي عُرف بها طوال مسيرته النضالية على امتداد ستة عقود خلت ، وهذا لا يعني ذلك بالضرورة استنساخ روح المواقف النضالية التاريخية في التشدد خلال مرحلة العمل السري ، بل بالتكيف النضالي المرن الخلاّق الواعي مع الظروف الأمنية الناشئة المستجدة في مرحلة ما بعد أحداث ربيع 2011 ، ودون الوقوع أيضاً في مستنقع المساومة والانتهازية والمهادنة والتي يبرر الكثير من المُبتعدين عن المنبر وقوعهم فيه بذريعة رفضهم تبعية مواقفه للاسلام السياسي الشيعي تارةً أو اليسار المتطرف طوراً آخر ( ايماءً لجمعيتي الوفاق الاسلامية ووعد اليسارية ) متناسين أو متجاهلين انه لا يوجد ثمة حزب سياسي في العالم بأسره يستطيع أن يعمل بمفرده على الساحة السياسية في مطلق الأحوال بعيداً عن مبدأ التحالفات مع القوى والاحزاب الاخرى سواء أكانت ظرفية تكتيكية أم استراتيجية دائمة تبعاً لحجم القواسم المشتركة ، والحزب الذي يفعل ذلك يحكم على نفسه بالانعزال أو دفن رأسه في الرمال ويحكم بالتالي على نفسه بالتلاشي عاجلاً أم آجلاً .