المنبرالحر

(موضوعات نيسان) حجر الأساس لثورة اكتوبر الإشتراكية العظمى / محمد النهر

من التكتيكات التي تكتسب أهمية عالمية لكل حركة ثورية هي (موضوعات نيسان – رسائل حول التكتيك) والتي كتبها لينين وألقاها بشكل مختصر على رفاقه في العاصمة بتروغراد في 4 آذار 1917، أي بعد يوم من عودته من المهجر عند انتصار ثورة شباط في روسيا، وألقاها في اليوم الثاني على مندوبي البلاشفة والمناشفة لسوفيتات العمال والجنود في المدينة، ونشرت الموضوعات في جريدة البرافدا في 7 آذار . وقد طور لينين هذه الموضوعات وشرحها بشكل أوسع ودعمها بالحجج والبراهين خاصة بعد أن عارضها عدد من قياديي البلاشفة ورفضها المناشفة، ونشرها في البرافدا تحت عنوان (موضوعات نيسان – مهام البروليتاريا في الثورة الحالية). ونتيجة للخلافات بين البلاشفة وكذلك في هيئة تحرير البرافدا تقرر مناقشتها علنا وطرحها على المجلس الحزبي لعامة روسيا الذي سيعقد في 20 نيسان 1917 في بتروغراد.
ويتلخص الوضع في روسيا في ذلك الوقت، ومن خلال الموضوعات، بأن ثورة شباط 1917 قد أطاحت بالقيصرية ، ونظرا لأن القوى الأساسية لهذه الثورة هم العمال والجنود والفلاحون الذين عانوا من الحرب الإمبريالية التي اشتركت فيها القيصرية وكذلك من المآسي التي سببها الإستغلال والعبودية من قبل الرأسمالية والإقطاع ، فانه ظهر شكل فريد للسلطة في روسيا ، وهي ازدواجية السلطة بين سلطة البرجوازية وبين السلطة الثانية وهي سلطة السوفيتات، نواب العمال والجنود والفلاحين التي تشكلت في عموم روسيا بعد ثورة شباط ، وهي التي كانت تدير امور المواطنين وتمشية حياتهم . وبما انه لا يوجد جيش للقمع تحت سلطة الحكومة البرجوازية في المدن، ولا بوليس قمعي ولا دوائر حكومية تفرض على الناس ما تريد، فإن سلطة سوفيتات العمال والجنود والفلاحين قد تم التنازل عنها وبدلا من استلامها الحكم اختارت دعم سلطة البرجوازية طوعا، وذلك بسبب وقوعها تحت تأثير شعار الدفاع عن الوطن، الذي ترفعه الحكومة البرجوازية، والذي تهدف منه تضليل الجماهير واستمرارها في الحرب الإمبريالية لاقتسام العالم من جديد. ولهذا طالب لينين بعمل دعائي واسع وصبور من أجل أن تأخذ السوفيتات السلطة من البرجوازية من خلال طرح شعار (كل السلطة للسوفيتات) ، برغم من ان البلاشفة كانوا أقلية في هذه السوفيتات (في المؤتمر الأول لسوفيتات عموم روسيا الذي انعقد في مدينة بتروغراد في 16 حزيران 1917 كان عدد مندوبي البلاشفة 105 فقط مقابل 533 مندوبا عن المناشفة والإشتراكيين الثوريين من مجموع 822 مندوبا يحق لهم التصويت). ولكن نظرة لينين الثاقبة إلى المستقبل تجعله على يقين من أن الأغلبية ستكون لصالحهم غير انهم يحتاجون إلى الصبر وعدم الإنجرار وراء نزعة الجماهير وقناعتها بشعار الدفاع عن الوطن، بل العمل لكسب هذه الجماهير التي استيقظت للتو على الحياة السياسية، وإقناعها بشعارات البلاشفة التي كانت تطالب بالإيقاف الفوري للحرب، بدون ضم أو إلحاقات وإنهائها بصلح ديمقراطي ، وفضح المعاهدات السرية ونشرها ، والقطيعة مع الرأسمالية .
يوصي لينين برفع الشعارات الملموسة إنطلاقا من الظروف الملموسة ، ولهذا وعندما قاد البلاشفة مظاهرة ضد الحرب ومن أجل مطالب الجماهير، وتصدى لها مجموعة من الطلبة الضباط القوقاز وأطلقوا النار عليها ، وأحرقوا مبنى جريدة البرافدا تحت غطاء تأييد السوفيتات لذلك ، سحب البلاشفة شعار ( كل السلطة للسوفيتات) باعتبار ان السوفيتات اندمجت مع سياسة البرجوازية. وعندما تصدى البلاشفة إلى محاولة انقلاب الجنرال كبرلتوف تحولت السوفيتات نحو البلاشفة وأصبح لهم الأكثرية فيها ، ولهذا عاد البلاشفة من جديد إلى رفع شعار (كل السلطة للسوفيتات).
تمتاز النقطة الثانية من الموضوعات بأهمية خاصة واستثنائية ولها بعد معاصر، لأنها توفر الأساس النظري للتحول الديمقراطي والإشتراكي لا في روسيا فحسب بل أيضا في الدول ضعيفة التطور وخاصة دول التحرر الوطني . حيث يقول لينين (إن الشئ الأصيل في الوضع الراهن في روسيا هو الإنتقال من المرحلة الأولى للثورة التي أعطت الحكم للبرجوازية نتيجة لعدم كفاية الوعي والتنظيم لدى البروليتاريا، إلى المرحلة الثانية للثورة ، التي يجب أن تعطي الحكم للبروليتاريا والفئات الفقيرة من الفلاحين). ويكمل لينين الفقرة الثانية بالفقرة السابقة من الموضوعات حيث يقول (مهمتنا المباشرة لا فرض الإشتراكية، بل الإنتقال فورا إلى مراقبة الإنتاج الإجتماعي وتوزيع المنتجات من قبل سوفيتات نواب العمال).
لقد أثارت هذه النقاط العديد من النقاشات والإعتراضات من قبل قياديين من البلاشفة مع رفضها من قبل المناشفة ، ولا زالت هذه النقاط إلى اليوم تثير نقاشا واسعا في الأحزاب الشيوعية واليسارية. وقد خاض حزبنا الشيوعي العراقي بعد ثورة تموز 1958 وفي الستينات والسبعينات من القرن الماضي مثل هذا النقاش بين معارض ومؤيد لهذه الطروحات . وقد ناقش لينين في وقتها معارضيه بحجج استند بها إلى واقع تطور الثورة في روسيا .
في بداية نقاشاته يستشهد لينين بمقولة ماركس ( إن مذهبنا ليس عقيدة جامدة بل مرشد للعمل ) ، وينطلق من ذلك لتحديد ما هو جديد في الواقع الملموس، حيث حدد في الموضوعات ( إصالة الحقبة الراهنة في روسيا) بوصفها طورا انتقاليا من المرحلةالأولى إلى المرحلة الثانية من الثورة ، وقوام المرحلة الأولى ، هو انتقال السلطة إلى البرجوازية ، حيث كانت السلطة قبل ثورة شباط 1917 بيد طبقة قديمة واحدة ، هي طبقة النبلاء والملاكين الإقطاعيين وعلى رأسها القيصر ، لذك يؤكد لينين (إن انتقال السلطة من طبقة إلى أخرى هو الدليل الأول والرئيسي الجوهري على الثورة سواء بمعنى الكلمة الدقيق أم بمعناها السياسي والعملي). ويكمل (ولذا فإن الثورة البرجوازية أو البرجوازية الديمقراطية قد انتهت في روسيا) . وكانت حجج المعارضين تتركز على المقولات السابقة التي تؤكد بأن الثورة البرجوازية الديمقراطية لاينهيها إلا ( دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية ) ويضيفوا وهل ان الثورة الزراعية التي هي من صميم مهام الثورة البرجوازية الديمقراطية قد أنجزت أم إنها لم تبدأ بعد . ويجيب لينين على ذلك (إن هذه الصيغة قد شاخت، وقد نقلتها الحياة العملية من مملكة الصيغ إلى مملكة الواقع، ونفخت فيها الحياة وجسدتها ، وعدلتها) . (إن سوفيت العمال والجنود) هو المعبر عن دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية الديمقراطية.
ويؤكد لينين على إنه من أجل فهم الحياة والواقع الجديد ولأجل تطوير الماركسية (على الماركسي أن يحسب الحساب للواقع الحي لوقائع الحياة الدقيقة ، لا أن يتشبث بنظرية الأمس ، التي هي ككل نظرية لا تفعل في أحسن الأحوال غير أن ترسم الجوهري العام) . ويضيف ( إن النظرية رمادية اللون ياصديقي، ولكن شجرة الحياة خضراء دائما) . ومن هذا المنطلق يرى لينين انه بدلا من الشعار القديم لانجاز الثورة البرجوازية وتحولها إلى دكتاتورية العمال والفلاحين (قدمت الحياة الواقعية شيئا آخرا تماما ، تشابك بين الإثنين ، أي سيادة البرجوازية وسيادة البروليتاريا والفلاحين) ، ولهذ يؤكد لينين على النضال من أجل كسب النفوذ في قلب سوفيتيات نواب العمال والأجراء الزراعيين والجنود من خلال (عمل توضيحي، دائب ، ومنظم وعنيد) لتطبيق شعار (كل السطة للسوفيتيات).
تحت تأثير تردي الوضع في جبهات الحرب ، وتردي الوضع الإقتصادي في البلاد ، اضطرت الجماهير للخروج بتظاهرات يومي 3-5 تموز 1917 وجرى إطلاق النار على المتظاهرين من قبل طلاب الكلية العسكرية القوقاز، وبذلك انتقلت السلطة كليا إلى الحكومية البرجوازية المؤقتة ، وانتهت ازدواجية السلطة ، وانتهت معها فترة التطور السلمي للثورة، وبدأت فترة الكفاح المسلح والتهيئة للإنتفاضة المسلحة .
وفي المؤتمر السادس للحزب أواخر شهر تموز ، إتخذ المؤتمر قرار الإنتفاضة المسلحة، ومع تصاعد نضالات الجماهير وتأييدها للبلاشفة ، ومن أجل قطع الطريق على الإنتفاضة المسلحة ، أعلن الجنرال كورنيلوف تمرده وتوجه إلى بتروغراد للقضاء على السوفيتيات. وجرى قمع التمرد من قبل البلاشفة والسوفيتيات ، وكسب الحزب تأييد الجماهير ، ونال البلاشفة أكثرية الأصوات في سوفيت بتروغراد وموسكو وتبعتها سوفيتيات باقي المدن وحث لينين اللجنة المركزية أن تهيئ عمليا للإنتفاضة المسلحة من خلال رسالتيه (يجب على البلاشفة أن يأخذوا السلطة) و (الماركسية والإنتفاضة). ومما جاء فيها:
- إن البلاشفة وقد نالوا الأغلبية في سوفيت نواب العمال والجنود في العاصمتين ويستطيعون ويجب عليهم أن يأخذوا سلطة الدولة في أيديهم.
وانطلقت عجلة الإنتفاضة المسلحة لغاية انتصار ثورة اكتوبر الإشتراكية العظمى .