المنبرالحر

سياسة عامة مقترحة للحكومة العراقية في المرحلة القادمة / د. سعدي الابراهيم

ان من الامور المتعارف عليها، ان الدولة التي لا تخطط للمستقبل ستكون جزءًا من خطط الاخرين وبرامجهم القادمة، وربما ان هذه النقطة هي السر الاعظم الذي تختلف به الدول المتقدمة عن الدول غير المتقدمة، او ما يسمى بدول الجنوب.
العراق بعد ان نجح في اخراج الجماعات المسلحة من اراضيه، ونجح ايضا في تطبيق الدستور من خلال ممارسة السلطات الاتحادية بشكل شبه كامل، على المناطق التي كان اقليم كردستان قد فرض سلطته عليها . بات بأمس الحاجة لرسم سياسة عامة جديدة في المرحلة القادمة، قد تضمن له عدم عودة الامور الى الوراء او حدوث اي هزات جديدة تضيع على البلاد ما تم انجازه بعد سنوات من المعارك والتضحيات بالأرواح والاموال .
هذه السياسة ينبغي ان تكون شاملة، وان تؤمن بها الحكومة وتعقد العزم على تطبيقها، ومن الممكن ان نقسمها الى قسمين، الاول سياسة عامة على الصعيد الداخلي، واخرى على الصعيد الخارجي، وكما يأتي :
اولا – السياسة العامة على الصعيد الداخلي:
هذه السياسة تقسم الى الاتي:
1 – الجانب الأمني :
تتضمن السياسة الامنية عدة نقاط، هي :
أ‌- ان يتم الاتفاق بين اعضاء السلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية (الحكومة) على تحديد العدو المشترك لكل العراقيين، وان يتعهد جميع الاطراف بأن هذا العدو مرفوض ولا تجوز مهادنته او التساهل معه .
اما من هو العدو، فيفترض ان يكون كل شخص او جهة يهدد الامن والسلم المجتمعي في العراق سواء اكانت : سياسية ام دينية ام مجتمعية، داخلية ام خارجية.
ب‌- وضع عقيدة وطنية خالصة للقوات المسلحة العراقية، بحيث تستمد من تاريخ العراق وحاضره . وان يتم اقناع الجند بها عبر سلسلة من الاليات الرديفة: الاعلامية والتربوية والتعليمية .
ت‌- المناطق التي تم استعادتها، لا يمكن ان تبقى بعيدة عن المشهد الامني، لأن الامن هو ابن البيئة ومالم تتقبل البيئة الاجراءات الحكومية فلن يستقر الحال. لذلك لابد من اشراك اهالي تلك المناطق في ادارة ملف الامن في مناطقهم، عبر ادخال الشباب في السلك الامني وتوفير كل المستلزمات الاخرى الكفيلة بان يؤدوا واجباتهم بعيدا عن الصراعات السياسية او التدخلات الخارجية .
ث‌- تسليح المؤسسة العسكرية العراقية، بكل ما يستجد من اسلحة حديثة، ومن تقنيات قتال وبرامج تدريب جديدة تناسب التطورات العسكرية والامنية في العالم المتقدم .
2 – الجانب الثقافي :
وفي هذا الجانب ينبغي القيام بالاتي:
أ‌- الاتفاق بين اعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية على كنه الهوية الوطنية العراقية، وجعلها ثقافة عامة عليا للبلاد، ويفضل ان تكون الثقافة او لنقل الفكرة الثقافية التي تعبر عن الهوية الوطنية العراقية، قائمة على اساس ان العراق أمة، وان للعراق حضارة عريقة : بابلية وسومرية واشورية وأكدية . وان الفروقات المذهبية ماهي الا اجتهادات بسيطة مقارنة مع الامور المتفق عليها والمشتركة . وان الوحدة الوطنية هي الاساس لبناء الدولة وجعلها قوية وقادرة على النهوض والازدهار .
ب‌- يتم ضخ هذه الفكرة الثقافية الى المجتمع عبر وسائل الاتصال الحديثة : وسائل التواصل الاجتماعي والانترنيت، و وسائل الاعلام المتلفز والمسموع والمقروء . بحيث يتم اعادتها وتكرارها حتى تترسخ في ذهن المجتمع وتترجم الى سلوكياته .
ت‌- اللجوء الى البعد الرمزي في تجسيد الهوية الوطنية، وزرع الثقافة الوحدوية العامة، عبر الاكثار من بناء الرموز المادية (التماثيل والنصب) في الاماكن العامة وفي كل المحافظات ، مثلا : بناء تمثال للشاب عثمان الاعظمي الذي انقذ ابناء الكاظمية . بناء تمثال للجنود العراقيين من اهل الجنوب وهم ينقذون نساء في الموصل . بناء نصب للبشمركة وهم يتعاونون مع الجيش في طرد الارهاب . وهكذا .
ث‌- تجريم كل شخص او جهة، تبث افكار هدامة للمجتمع، مثل النيل من المكونات الاخرى او التجريح بعقائدها ومعتقداتها .
3 – الجانب الاقتصادي :
وفي الجانب الاقتصادي ينبغي ان تكون الغايات الاساسية : تنمية شاملة وامتصاص للبطالة واشغال الشعب بالكد والعمل، والهائه عن التفكير السلبي . عبر تحقيق الاتي :
أ‌- تفجير ثورة زراعية في البلاد، عبر فتح باب الاستثمار الزراعي، وجلب كبرى الشركات العالمية للعمل في ميدان الزراعة، وهذه الفكرة لها ابواب وتفرعات متعددة، مثل : تأجير الاراضي العراقية للدول الاخرى بشرط ان يكون الفلاحون والعمال من العراق ونسب متفق عليها من الانتاج. او غيرها من الاساليب. طبعا هذا في حال عجز الدولة العراقية عن تولي الملف الزراعي وتفعيله بالاعتماد على الطاقات الوطنية .
ب‌- اصدار قوانين صارمة تساوي ما بين الارهاب والفساد، بحيث تصل عقوبة من يسرق المال العام او يتلاعب بالوظيفة العامة الاعدام او السجن المؤبد.
ت‌- فتح باب الاستثمار الصناعي والخدمي امام الشركات العالمية، وتسهيل هذه العملية، بما يضمن قدوم العالم لبناء العراق، حتى لو اضطرت البلاد ان تعطي تنازلات اقتصادية، فمهما كان تلك التضحيات، فأن الارباح ستكون كبيرة ومفيدة.
ث‌- ان ترافق هذه الخطوات حملة تثقيفية عالية الحرفية، لأقناع الرأي العام بأهمية العمل ، والاستثمار، والتنمية الشاملة .
ثانيا – السياسة العامة على الصعيد الخارجي:
وهنا تقسم السياسة العامة الى قسمين، هما :
1 – اقليمي :
يفضل ان تتضمن السياسة العامة الاقليمية، الاتي:
أ‌- العراق بلد محايد مثل سويسرا، هو ليس مع ايران ولا مع السعودية، بل هو مع شعبه ومصلحته العليا فقط .
ب‌- السعي لتوقيع معاهدة اقليمية مع دول الجوار (حلف بغداد جديد) ينص على ان وحدة العراق مسؤولية جميع الدول الاقليمية . ومن الممكن ان تضم المعاهدة : تركيا – العراق – ايران – السعودية – الكويت - الاردن.
ت‌- توحيد الخطاب السياسي العراقي الخارجي، كي يعرف العالم ماذا يريد العراق، وتزداد هيبة الدولة امام الدول الاقليمية .
ث‌- ان تكون القطبية الاقليمية، واستعادة دور العراق الهدف الاسمى على الصعيد الاقليمي .
2 – على الصعيد الدولي :
وهنا يفضل ان تتضمن السياسة العامة الاتي:
أ‌- مصلحة العراق العليا تقتضي تعميق التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية، نظرا لما لهذه الدولة من نفوذ عالمي معروف، وذلك عبر تفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيجي المعقودة معها . واقناع هذه الدولة ان العراق اهلا لتبادل المصالح ، واهلا للعب الادوار الاستراتيجية بما يحفظ مصالح كل منهما .
ب‌- لفت انظار العالم، بدوله ومنظماته ومجتمعاته: ان العراق هو كبش الفداء الذي تصادم مع الارهاب. وان حفظ وحدته واستقراره سيصب بمصلحة العالم اجمع .
ت‌- توصيل رسالة للعالم : من ان العراق دولة محايدة، وليس لها علاقة بالصراعات الاقليمية او العالمية . كي تتجنب البلاد شر التقلبات الدولية ومخاطر العداء بين المحاور .
اذن، ان رسم اي سياسة للدولة العراقية في المرحلة القادمة، لابد وان تكون نابعة عن ايمان حكومي بها ، وان تهدف الى بناء عراقي قوي ومستقر ، وله علاقات خارجية قائمة على اساس المصالح المتبادلة .