المنبرالحر

النخلة العراقية شامخة ولن تنالوا منها ابدا / ايمان الهاشمي

بعد محاولات فاشلة للمصادقة على تشريع قانون الاحوال الشخصية الجعفري ، ظهرت عدة محاولات لإجراء تعديلات على قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959م، وآخر تلك التعديلات قبل ايام قليلة، حيث اطلعنا عليها من خلال وسائل الاعلام، وافصحت عن حالها الطائفي بشكل واضح وصريح لتخص شريحة معينة من المجتمع دون غيرهم، ويعني هذا استثناء بعض افراد الشعب بقانون خاص بهم، وهذا خلاف اساسي مع الدستور الذي يعتبر هو الاصل والمرجع لجميع القوانين.
ان الشعب العراقي بحاجة ماسة الى تشريع قوانين مهمه تصب في مصلحة المجتمع بشكل عام، لان العراقيين متعددو الاديان والمذاهب والقوميات كما هو الحال في كل دول العالم، ولا يمكن تشريع قانون او تعديله على اساس دين محدد او مذهب معين او قومية خاصة، وانما تصاغ القوانين وتعدل على اساس عام لتشمل الجميع دون خصوصية او استثنائية لدين او مذهب او قومية، وقد اكد دستورنا بعدة مواد على مبدأ المساواة ونبذ الطائفية، وبدلا من التعديلات الطائفية على قانون سوي، مستقيم، وشامل لجميع اطياف الشعب، كان من الاجدر والاهم تشريع قانون "تجريم الطائفية" لتكون التصريحات والهتافات ضد الطائفية بشكل فعلي وحقيقي، ولكن الواقع عكس تلك التصريحات الطائفية بدليل التعديلات على قانون الاحوال الشخصية.
استناد التعديلات الاخيرة على قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959م :
صدرت التعديلات استنادا على : احكام الفقرة (أ) من البند (اولا) من المادة (2) ، والمادة (41) ، والبند (اولا) من المادة (61) ، والبند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور .
والان نستعرض ونناقش تلك المواد والفقرات من الدستور والتي تم الاعتماد عليها في تشريع التعديلات الطائفية :
أولا : اعتمدت التعديلات
على المادة 2 / اولا
المادة 2 / اولا : "الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر أساس للتشريع":
أ‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام .
ان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 شرع لأنه غير مخالف لثوابت جميع الاديان وهو قانون نافذ ومطبق منذ عام 1959، وان ثوابت الاديان لا تتغير مطلقا مهما تقادم الزمان، فكيف تم اعتماد الفقرة (أ) اعلاه لإجراء التعديلات؟
ان المشرع لهذه التعديلات باعتماده الفقرة (أ)/ اولا- للمادة (2) من الدستور قد افصح بشكل مباشر، واضح ، وصريح على ان قانون الاحوال الشخصية النافذ هو قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام، وهذه تهمه باطلة وغير قانونية وتعني ان الشعب العراقي منذ عام 1959 ولغاية الان يعتمد على قانون مهم يخص الاحوال الشخصية وهو يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ، فهل يصح هذا الكلام ؟
ثانيا : اعتمدت التعديلات
على المادة 41
المادة 41 : "العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم ، وينظم ذلك بقانون" .
اثير الجدل حول هذه المادة، التي فسرها البعض بإمكانية تعدد الاحوال الشخصية للعراقيين بحسب دياناتهم او مذاهبهم، ولكن هذا التفسير خاطئ وهو الذي اعتمدت عليه التعديلات في قانون الاحوال الشخصية، والقصد الصحيح لهذه المادة هو: ان العراقيين احرار في التقاليد والاعراف المتبعة لهم وحسب دياناتهم، مذاهبهم، معتقداتهم، واختياراتهم ... والدليل المادي على صحة هذا التفسير هو:
1- من غير المعقول ان يكون العراقيون احراراً في الالتزامات القانونية للاحوال الشخصية حسب الدين ، المذهب، والمعتقد لان هذا النوع من الحرية لا يجعلها قانونية وتسبب الفوضى، وهي حرية سائبة نظرا لتعدد القوانين لموضوع واحد هو "الاحوال الشخصية"، بمعنى انه من المنطق السليم ان يكون قانوناً واحداً وموحداً للاحوال الشخصية يطبق على جميع افراد الشعب بمختلف اديانهم ، مذاهبهم ، وقومياتهم ، كما نص الدستور بذلك :
المادة 3 : "العراق بلد القوميات والاديان والمذاهب ..."
المادة 14 : "العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي الاقتصادي او الاجتماعي " .
2- ان تشريع القوانين او التعديلات للقوانين التي تخص دينا معينا او مذهبا محددا هو تكريس للطائفية وتعميقها وشرعنتها، ونحن بحاجة ماسة الى تشريع قانون "تجريم الطائفية" وليس العكس.
3- من الناحية القانونية ممكن الغاء قوانين او اجراء تعديلات على النافذة منها، بشرط ان تكون تشريعات القوانين وتعديلاتها وحتى الغاؤها في مصلحة الشعب بشكل عام. اما اذا كانت التشريعات والتعديلات تخص فئة او طائفة او دينا معينا، فهذا يعتبر تمييزا واقصاء للآخرين، وهو فعل قبحه المجتمع ورفضه الدستور بعدة مواد واضحة وصريحة اعتمادا على مبدأ المساواة.
4- ان تعديل قانون الاحوال الشخصية تم على اساس طائفي وهو عمل متعارض مع الديمقراطية، وضد الحقوق والحريات الاساسية، وضد السلم الاجتماعي، وكما نص عليه الدستور بهذا الخصوص:
المادة 2 / ب – "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادىء الديمقراطية".
ج – "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور".
5- نستنتج من ذلك ان التعديلات مخالفة لمواد كثيرة في الدستور الذي يعتبر المصدر الاساسي لتشريع القوانين، كما ورد في المادة 13 / اولا: "يعد هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزما في انحائه كافة، وبدون استثناء".
ثانيا : "لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الاقاليم، او اي نص قانوني اخر يتعارض معه".
ثالثا : أعتمدت التعديلات
على المادة 61 / اولا
المادة 61 : يختص مجلس النواب بما يأتي:
اولا : "تشريع القوانين الاتحادية"
المقصود من هذا النص الدستوري هو ان مجلس النواب يختص بتشريع القوانين الاتحادية المتفقة مع مبادئ الدستور وليس المخالفة له، ومبادئ دستورنا واضحة جدا فهي منافية للطائفية والتمييز الذي تتصف به تلك التعديلات، وهنا نورد بعضا مما ورد في ديباجة الدستور: "... لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية، ولا عقدة مناطقية، ولا تمييز، ولا اقصاء"
" ... عقدنا العزم برجالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا، على احترام قواعد القانون وتحقيق العدل والمساواة ونبذ سياسة العدوان، والاهتمام بالمرأة وحقوقها ...".
رابعا : اعتمدت التعديلات على المادة 73 / ثالثا
المادة 73 : يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية:
ثالثا : "يصادق ويصدر القوانيين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها".
هذه الفقرة التي تخص صلاحيات رئيس الجمهورية بالمصادقة على القوانين التي يسنها مجلس النواب على ان تكون تلك القوانين مطابقة لمبادىء الدستور الاساسية خاصة نبذ الطائفية.
فيما سبق هو مناقشة للمواد الدستورية التي اعتمدت عليها التعديلات، والان نأتي الى فقرات التعديلات لقانون الاحوال الشخصية:
1-التعديلات الخاصة بالمادة 2 :
حيث اجازت للمسلمين تقديم طلب الى المحكمة لتطبيق الاحكام الشرعية وفق المذهب الذي يتبعونه، وهذا تمييز لأفراد الشعب العراقي من المسلمين واقصاء لبقية الاديان الاخرى، وهذه مخالفة دستورية.
كذلك اجازت التعديلات إتباع ما يصدر عن المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والافتائي في ديوان الوقف السني وتبعا لمذهب الزوج ، ويصح ان يكون سببا للحكم.
وهذا يعني شرعنة لتدخل رجال الدين بالقضاء، ليكون الحكم القضائي حسب فتاوي رجال الدين وليس بموجب القانون، كذلك فان هذه التعديلات بعلمنا او بدون علمنا فقد اظهرت لنا سلطة اخرى مضافة الى السلطات الثلاث الواردة بالدستور (وهي السلطات التشريعية، التنفيذية، والقضائية)، وهذا مخالف للدستور الذي اكد على الفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء وكما يلي:
المادة 47 : "تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات".
المادة 19 / اولا : "القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون".
وفي التعديلات تم الغاء الفقرة (5) من المادة العاشرة التي نصت بعقوبة لعقد الزواج خارج المحكمة ، واستبدلت بمادة اجازت عقد الزواج خارج المحكمة وكلا حسب مذهبه ومن قبل فقهاء المذهب على ان يجري تصديق العقد خلال فترة لا تزيد على (60) يوم من تاريخ ابرامه ، مع ملاحظة بعدم وجود جزاء قانوني في حالة عدم تصديق العقد بالمحكمة .
كما تم اضافة مادة جديدة الى قانون الاحوال الشخصية وهي المادة (95) وكما يلي : "لا يحكم بمخالفة اي من مواد هذا القانون او بنوده او فقراته لثوابت احكام الاسلام الا اذا صوت على مخالفته اغلبية خبراء الفقه الاسلامي من اعضاء المحكمة الاتحادية العليا" .
وهذا النص الجديد المضاف يعني بانه من الممكن تعديل او تغيير او استبدال قانون الاحوال الشخصية النافذ اذا صوت على مخالفته اغلبية خبراء الفقه الاسلامي من اعضاء المحكمة الاتحادية العليا ، وهذا تدخل بشؤون القضاء ، علما ان خبراء الفقه الاسلامي في المحكمة الاتحادية العليا عملهم حدده المشرع بان لا يتعدى الخبرة فقط ، فكيف يحق لهم التصويت على مخالفة هذا القانون لثوابت احكام الاسلام ؟
ومن هنا نستنتج بأن نصوص التعديلات لقانون الاحوال الشخصية النافذ ، قد تضمنت مخالفات دستورية واضحة ..
فلا تقفزوا على الدستور..