المنبرالحر

محاولة تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي / المحامي حيان الخياط

قانون الاحوال الشخصية العراقي الحالي نافذ المفعول واليه تستند المحاكم في قراراتها واحكامها منذ عام ١٩٥٩ الى يومنا هذا، وقد تم تعديله عدة مرات لينتهي بالصيغة الموجودة بين ايدينا.
في ايامنا هذه توجد مساع من قبل مجلس النواب لتعديل بعض مواد هذا القانون، مما اثار حفيظة الناشطين المدنيين والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ما نقوله في هذا المقال هو توضيح وتفسير لمواد الدستور ومواد قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ ومواد مقترح القانون الجديد المراد تشريعها على شكل نقاط موجزة:
١ - يفترض بكل برلمان ان يشرع ويعدل القوانين التي تفيد وتخدم الناس بالتزامن مع التطورات التي تحصل في المجتمع، فعندما تتغير احوال وعلاقات الناس، من الضروري ان يتطور القانون ليواكب هذه التغيرات.
والسؤال هنا، هل جاء مقترح التعديل لخدمة الناس ومعالجة المشاكل الجديدة التي ظهرت في السنوات الاخيرة؟ ام انه جاء لأسباب اخرى قد تكون سياسية او لأغراض الدعاية الانتخابية .. الخ؟ هذا ما سنعرفه لاحقاً.
٢ - تنص المادة ٤١:
"العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون".
وقد استند اصحاب مقترح تعديل القانون الى الكلمات الثلاث (دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم) دون كلمة (اختياراتهم)، التي تعني امكانية تنظيم الاحوال الشخصية بطريقة مدنية مثلا، فتم تناسي أو تجاوز هذه الكلمة والتركيز على التفاصيل الطائفية وادراج كلمات وعبارات مثل (المذهب الشيعي، المذهب السني، اتباع المذهبين الشيعي والسني، المرجع الديني الاعلى ...الخ)، داخل مقترح تعديل القانون وكان الاحرى بهم تشريع قانون عام لجميع العراقيين دون الاقتصار على طوائف او اديان محددة.
٣ - امر اخر تجدر الاشارة اليه هو ان قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ يعبر عن المشمولين بنصوصه بكلمة (العراقيين)، كما تنص المادة الثانية الفقرة ١: "تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من أستثني منهم بقانون خاص". في حين ان مقترح تعديل القانون يستخدم كلمة (مسلمين)، كما نصت على ذلك المادة الاولى الفقرة أ: "يجوز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون"، والفرق واضح في الصياغة بين المادتين.
٤ - تنص المادة الاولى الفقرة ١ و٢ من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ على: "١ - تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
٢ - إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون".
وهذا يعني ان اية مسألة تعرض على القاضي ويريد الحكم فيها فانه يعود الى النص القانوني فان خلا هذا النص من مادة قانونية تعالج هذه المسألة، فان القاضي ملزم بالعودة الى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملاءمة لنصوص القانون.
لكن مقترح القانون الجديد له موقف اخر، فهو ينص في المادة الاولى الفقرة أ و ب على: "أ. يجوز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة، لتطبيق الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه.
ب. تلتزم المحكمة المختصة بالنسبة للأشخاص الوارد ذكرهم في الفقرة (أ) من هذا البند عند إصدار قراراتها في جميع المسائل التي تناولتها نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل وغيرها من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، بإتباع ما يصدر عن المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني، وتبعاً لمذهب الزوج، ويصح أن يكون سبباً للحكم".
وهنا تثور مشاكل عديدة، ابرزها ان المحكمة ملزمة باتباع ما يصدر عن ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني.
ومشكلة اخرى هي عبارة (في جميع المسائل التي تناولتها نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل وغيرها من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية)، فهل يعني ذلك ان من يقوم بتقديم طلب لتطبيق الاحكام الشرعية يصبح في منأى عن المواد القانونية لقانون الاحوال الشخصية العراقي الحالي؟ وهل ان جميع مسائل الاحوال الشخصية تستقى من ديوان الوقف للمذهب الذي ينتمي اليه صاحب الطلب؟
علما انه في حال تم اصدار هذا القانون سيحصل تشتت في عمل محاكم الاحوال الشخصية، فهنالك من سيقدم طلبا ليتم تنظيم احواله وفقا لمذهب معين وهنالك من سيبقى على تنظيم مواد قانون الاحوال الشخصية الحالي.
٥ - في عموم المجتمعات الحديثة يميل الناس الى تسجيل عقودهم وتعاملاتهم بصفة رسمية لدى المحاكم ومؤسسات الدولة الاخرى، ولاهمية عقد الزواج وضع قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ عقوبة على من يعقد زواجه لدى رجل الدين ويترك تسجيله داخل المحكمة، حيث نصت المادة العاشرة الفقرة ٥ منه على: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنة، او بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار، ولا تزيد على ألف دينار، كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على خمس سنوات، إذا عقد خارج المحكمة زواجاً آخر مع قيام الزوجية".
ونرى بأنه على النقيض مما سبق ذكره جاءت مواد مقترح تعديل القانون لتلغي هذه الفقرة وتحل بدلا عنها ما يأتي:
المادة الثالثة: "يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين (الشيعي والسني) كل وفقاً لمذهبه، من قبل من يجيز فقهاء ذلك المذهب ابرامه للعقد بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين، على أن يجري تصديق العقد لدى محكمة الأحوال الشخصية خلال فترة لا تزيد على (60) ستين يوماً من تاريخ إبرامه".
وهذا يعني ان لا عقوبة على من يتزوج خارج المحكمة سواء من الزوجة الاولى او ما بعدها. وامر اخر ان هذا النص لم يبين ما موقف القانون ممن تجاوز مدة الـ ٦٠ يوما ولم يقم بتصديق عقد زواجه.
٦ - ملاحظة اخيرة، وهي ان العراق عضو في المجتمع الدولي مما يعني كونه غير معزول عن بقية دول العالم، وعندما تلاحظ المنظمات العالمية وبقية الدول اننا نشرع القوانين التي تعارض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية رغم انضمامنا اليها، تكون النتيجة هي حصول العراق على مركز متدنٍ في حال تقييمه حسب المعايير الدولية، بينما يقع الواجب على البرلمان لرفع المستوى القانوني وتشريع قوانين تواكب العصر.