المنبرالحر

تحالف القوى الديمقراطية خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح / قاسم محمد غالي

جاء الاعلان عن تشكيل تحالف القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" تحت شعار "الديمقراطية والمدنية صمام امان لمستقبل العراق الزاهر" يوم السبت (28 تشرين الاول) في بغداد، ليشكل خطوة سياسية وعملية في غاية الاهمية، والتوقيت، سبقت تحديد موعد الانتخابات في (15) آيار من العام القادم (2018).
وياتي هذا الاعلان السياسي ليلبي حاجة ماسة في البلاد، ولكي يملأ الفراغ الذي سببه تشتت القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية لسنوات كثيرة، وتحديدا منذ عام (2003) حيث توفرت خلالها العديد من الفرص التي كان يمكن استثمارها في بناء جبهة وطنية ديمقراطية في مواجهة التخلف والتردي في الحياة السياسية الذي اشاعته القوى الطائفية والعنصرية وتعمل على ترسخيه في المجتمع العراقي.
ويعبر شعار التحالف عن رؤية سياسية واعية لاوضاع البلاد السياسية الراهنة، وخطورة استمرار نهج المحاصصة الطائفية، وادراكاً لابعاد هذا النهج الضار بالوحدة الوطنية وتحويل المجتمع العراقي الى مجموعة كتل ومكونات متصارعة على السلطة والنفوذ والثروة. ان فشل القوى الحاكمة الحالية في كل المجالات السياسية والاقتصادية مع تفشي الفساد وغياب الامن ادى من الناحية العملية الى ادخال البلاد في ازمة شاملة يصعب الخروج منها بدون جهد وطني مخلص وفعال.
ان ما جاء في البيان الختامي الصادر عن التحالف من تاكيد على الاعتماد على قدرات القوى الديمقراطية والتقدمية، مهم، واستثنائي في المرحلة الراهنة، فعليه يتوقف النهوض بهذه القوى لكي تمارس دورها المطلوب. ولكي تكون الجهة او القوة المبادرة في احداث تغيير يعيد الاعتبار الى الهوية الوطنية العراقية. واشار البيان الختامي بوضوح الى "اننا اذ ننهض بمسؤولية تشكيل تحالفنا الديمقراطي المدني "تقدم" كخطوة اولى، نراهن على قدراتنا جميعا في انطلاق تيار مدني ديمقراطي واسع يضم جميع انصار الدولة المدنية الديمقراطية".
ان دعوة جميع القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية، خاصة ذات التوجهات الليبرالية والمنفتحة على كل المدارس الفكرية، والاقرار بتعدد الاراء والاجتهادات، سوف يسهم في بناء تيار مدني ديمقراطي متين يرتكز على قوة هذه الافكار وحيويتها على الصعيدين الوطني والعالمي.
ان الديقراطية، كنظام سياسي، وكاسلوب حكم، لايمكن له العمل، او حتى القدرة على الوجود في الحياة السياسية في اي مكان او زمان دون الحضور القوي للدولة. فمرحلة وجود اوقيام الدولة، او العمل من اجل ذلك، يسبق المطالبة بالديمقراطية، التي من شأنها المساعدة لتحقيق دولة المواطنة، التي هي بالضرورة الدولة المدنية.
الانطلاقة التي حددها تحالف القوى الديمقراطية المدني "تقدم" في الجمع بين الديمقراطية والمدنية في اطار هذا البناء، فكرة ايجابية، وصياغة ناجحة لشعار مرحلي، يتميز بقوة الجذب، التي تساعد على كسب الكثير من المؤيدين ومن انصار المدنية والتقدم في العراق. هناك اهمية خاصة لكي يكون هذا التيار، تنظيما منفتحا على كل القوى والافكار والانشطة السياسية والاجتماعية والمطلبية، وهذا ما شدد عليه الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشبوعي في كلمته عند الاعلان عن انبثاق التحالف، حيث قال "نحن حريصون اشد الحرص على ان يكون الاطار السياسي الذي نعمل على تأسيسه، مرنا ومنفتحا يتسع لمشاركة قوى وشخصيات مدنية اخرى لتحقيق اوسع ائتلاف سياسي مدني".
الشيء المهم في هذه المرحلة هو الاستفادة من حالة التذمر في البلاد ومن تنامي مظاهر الاستياء في الاوساط الشعبية، وتزايد المطالبة بمحاسبة العناصر الفاسدة، بهدف تعزيز دور الدولة في حماية المواطنين وضمان حقوقهم المدنية، وممارسة القضاء لمهماته. هذا فضلا عن اهمية العمل الجاد لسيادة سلط القانون في البلاد.
كما ان تاكيدات التحالف على ان المعركة ضد الارهاب "لاتنفصل اطلاقا عن المعركة من اجل توطيد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان ومكافحة الفساد" توضح وتنبه الى حقيقة ان الجهود التي تبذلها الدولة في التصدي للارهاب وما يشكله من تحديات، لا يعفيها ولا يعفي كل القوى السياسية من تحمل مسؤولية اصلاح العملية السياسية وتعزيز الديمقراطية. ان احترام حقوق الانسان وعدم التساهل مع من ينتهك تلك الحقوق، قضية غير قابلة للتاجيل او المزايدة او التعامل معها باشكال واساليب سياسية.
ان ظاهرة الارهاب التي تفتك بالعراق منذ زمن ليس بالقصير، ساهمت وتساهم في اشاعة اجواء الخوف والقلق بين الناس، وينعكس ذلك بشكل سلبي على مدى اندفاع القوى الشعبية في الانخراط بالعمل الوطني وكذا المطلبي. وهذا من شأنه ان يزيد في صعوبة نشاط تحالف قوى الديمقراطية والمدنية، مما يستدعي بذل جهودٍ مضاعفة والسعي الجاد الى المزيد من الفعاليات الجماهيرية، واشراك المزيد من العناصر الشابة، بهدف كسر حاجز الخوف، وخلق اجواء جديدة في الحياة العامة بالاستناد الى الموروث الوطني الاصيل، وتجارب الحركة الوطنية في نضالها الطويل من اجل عراق مزدهر ومجنمع تقدمي النزعة.
ومن المهم الاشارة الى حاجة التحالف الى وضع اهداف واضحة ومحددة، ويكون من المفيد في هذا المجال، الشروع في الاعداد لمشروع "اصلاح وطني" شامل، تكون الغاية منه تحديد السبل والوسائل التي من شانها اخراج البلاد من الازمة الحالية التي تعصف بالعراق وتهدد مستفبله. وكان تحليل التحالف الذي ورد في البيان الختامي، على صواب عندما اشار الى ان "استمرار وتعمق الازمة العامة" في الحكم وفي البلاد بات يشكل تهديدا جديا للمصالح الوطنية، مما يتطلب التصدي له بحزم وقوة.