المنبرالحر

المآل ألذي آلت إليه بعض ألنظريات الاجتماعية الكبرى 1-2/ عادل كنيهر حافظ

1
بدً لابد من القول ان صياغة المشاريع ونظرياتها ، الكبرى تقوم على ما هوَ عام وشامل وجوهري وأساسي في الظواهر ألاجتماعية ، ويُهمل في هذا السياق كثير من ما هو متفرد وواحد ووحيد في ظواهر المجتمع ، بالرغم من إمكانية تأثير ذلك الشاذ والمتفرد في عملية تطور الظاهرة ومصيرها أللاحق ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المقصود هوَ ليس الدخول في تفاصيل ، ماهية النظريات وأسباب نشوئها وقواها المحركة ...والحديث يدور فقط عن أسباب المآل ألذي آلت إليه ، بعض النظريات المشهورة في التأريخ الحديث ، مثل نظرية الوحدة العربية ، ودولة إسرائيل الكبرى من النيل حتى الفرات ، ودولة الخلافة الإسلامية ، ودولة كردستان الكبرى .
وعندما نأتي ونعاين الأمور بتأني ومزيد من الروية ونجول الفكر ، في إمكانيات تحقيق تلك النظريات وبرؤى مجردة وغير عاطفية ، نجد أنها ودون مبالغة غير ممكنة المنال، كونها مجرد تكريس عاطفي مكثف للمشاعر القومية والدينية ، وليست نتاج قراءة موضوعية لظواهر الحياة ، وكيفية تجلي المصالح ألاقتصادية المتصارعة والمتغيرة دائماً في كل العالم ، وما يُعبر عن تلك المصالح وبشكل مركز في ميادين السياسة الدولية عموماً ، لذلك أمست الأفاق والمخارج غير سالكة لمثل هذه النظريات ، لأنها لا ترتبط فقط بنضال وجهود أصحابها ، وإنما هي باتت تندرج في لعبة السياسة الدولية ، وما تكتنفه من مصالح اقتصادية هي هدف وأساس ومنطلق جل السياسة الدولية وسياقات تنفيذها .
ولنبدأ بنظيرة إسرائيل العظمى من الفرات الى النيل، اليهود لا يصل تعدادهم 25 مليون في كل إنحاء العالم ، ماذا يعملون في ارض ألله الواسعة ، وأين يذهب سكان هذه البلدان المتعددة القوميات والأديان ،وهل للأربعة مليون نسمة الساكنين في إسرائيل ، ان يسيطروا على إدارة أقوام وديانات مختلفة كلها تكره اليهود ، المهم ان مجموعة من الأرثودكس اليهود ، الذين لا يحترمون نبيهم موسى كثيراً ، كما ينٌسبون أنفسهم الى يهودا ، وهو ألابن الرابع للنبي يعقوب ، وهو الذي رمى أخيه يوسف في البئر ، وكذب على أبيه عندما قال له ان أخي يوسف أكله الذئب ، حيث كان يهودا قوي البنيان وقوي الشكيمة وكان إخوته يهابون سطوته ، وبعد السبي البابلي بقايا بني إسرائيل الناجين من ألسبي تمسكوا بنسبهم الى يهودا ابن يعقوب ، ولم يسموا أنفسهم موسويين ، نسبتاً لنبيهم موسى ع ، لأنهم يحبون القوي ، بسبب من شعورهم بضعف وجودهم الاجتماعي بين الشعوب الكبيرة ، ورغم وجود دولة قوية تحظى بدعم دولي كبير ، لكن ان تحكم إسرائيل شعوبا وأقواما من الفرات الى النيل ، فهذه خرافة ترهق عقول كثير من الشباب الإسرائيليين ، الذي بات يفضل البعض منهم العيش في الغرب ، للخلاص من حالة القلق التي يعيشها الشعب الإسرائيلي جراء علاقات بلاده مع جيرانها والتي تنذر دائماً بحرب على الأبواب .
2
نظرية ومشروع الوحدة لعربية
منذُ انتصار ثورة أكتوبر في روسيا ، وشيوع أفكارها وما قدمته للشعوب والمستعمرات ، ومن ثم انتصارها على الفاشية المتوحشة، وفي عقر دارها ، بدأت كثير من الشعوب ، تتحفز لنيل استقلالها ومنهم الشعوب العربية ، ونشأت حركات ألتحرر ألوطني في كثير من شعوب المعمورة ، وأصبحت حركة التحرر الوطني ، تمثل الرافد لثالث ، بالإضافة الى حركة الطبقة العاملة العالمية ، ونشوء معسكر الدول ألاشتراكية ، حيث كونت هذه الروافد الثلاثة ، حركة التغيير الدولي ، ضد معسكر الامبريالية والرجعية إذاك .
وتشكلت في بعض البلدان العربية أحزاب وحركات قومية ومنظمات جماهيرية واسعة ، إضافةً الى بعض الأحزاب ألشيوعية التي تعمل سابقاً ، في فلسطين وسوريا والعراق وغيرها ، وفي حومة الصراع مع المستعمرين وخصوصاً الانكليز والفرنسيين ، احتشد اغلب الناس وراء شعار التحرير وطرد المستعمر ، وهكذا شعار ملموس وعملي ،لا يحتاج الى جهد في التثقيف والتبرير، لذلك نجحت بعض التنظيمات العسكرية في الجيش ، بإسناد شعبي من القوى والأحزاب المحلية في البلاد ، كما في مصر والعراق وسوريا وليبيا والجرائر وغيرهم ، وهذه الانتصارات دفعت القوى والأحزاب القومية ، التي تفكر في تجميع الدول العربية بدولة كبيرة واحدة ، كون الدول العربية تجمعها لغة واحدة ودين واحد وتراث واحد ، وكانت دولة واحدة في سالف الزمن ، وهدف الوحدة العربية بتجميع العرب في دولة قوية واحة ، سيمكنها اقتصاديا واجتماعياً ، من الوجود القوي بين المجتمعات الأخرى . وهذه الفكرة القومية اكتسبت بريقاً وإشعاعاً وشعبية كبيرة في أواخر خمسينيات القرن الماضي ، بسبب وجاهة ونبل هدفها الرئيسي ، بالرغم من أن القوى الرأسمالية ، تمكنت من استخدام هذه الحركة كما استخدمت الدين في محاربة الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية ، الحال الذي اضعف كثيراً بأس القوى الوطنية ، بما فيها القومية الناصرية الوحدوية والبعثية العفلقية .
وفي سبيل الوصول الى وحدة الشعوب العربية ، بذل الرئيس جمال عبد الناصر والقذافي ورئيس سوريا وغيرهم ما عدا صدام وحزبه الذين ضجوا بمتاجرتهم بالقومية ، ونجحت محاولة توحيد سوريا ومصر ومحاولات أخرى ، وبذلت أموال وجهود وراحت ضحايا ، في سبيل ان يرى مشروع دمج الدول العربية في دولة قوية واحدة، إلا ان هذا المشروع ولشديد الأسف لم ير النور ، لسبب واحد هو تعارضه مع المصالح الرأسمالية الدولية .
وكذا الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية ، التي تستطيع امريكا حلها ، وقضايا العالم الملتهبة وبؤر التوتر في شتى أصقاع المعمورة ، لكن السياسة الإمبريالية تحرص ، على إبقاء هذه المشاكل مفتوحة، لابتزاز الدول وإدامة عمل شركات السلاح والشركات الأمنية ، وشركات البناء ، وشركات تجهيز الجيوش وشركات البحث والتنقيب عن البترول ، وشركات النقل وغيرها .
ومن هنا بات تأبيد القطرية للدول العربية ، هو الأمر الواقع ، لا بل ان كثيرا من الدول العربية ألفت الخصوصية القطرية ، وبات من الصعوبة بمكان توليف اقتصاد ومستوى عيش الفرد في دولة قطر مع ما هو عليه الحال في الصومال أو دولة الإمارات مع السودان على سبيل المثال وليس الانتقاص من كرامة الأشقاء في هذه البلدان ، لقد أصبح التباين في مستوى العيش في البلدان العربية كبيراً ، وتبعاً لذلك تتباين وتختلف البنى الثقافية والعادات وكثير من التقاليد والأعراف التي تدخل في البناء الفوقي للدولة .
عموم الحال الذي يؤهل على القول ، ان نظرية ومشروع الوحدة العربية ورغم سمو مقاصده ، قد انتهى في غياهب المصالح الرأسمالية ...... .
يتبع الجزءان الثالث والرابع