المنبرالحر

دهشة الاحتفال الاول بذكرى أكتوبر العظيم / احسان جواد كاظم

كان ذلك منذ وقت طويل.. في بداية سبعينيات القرن الماضي مع اولى خطواتي في العمل الطلابي المنظم, اقترح عليّ صديقي وزميلي في اعدادية الكاظمية وفي اتحاد الطلبة العام ابراهيم ياسين النجدي زيارة احد معارفه وهو عضو اتحادي ايضاً. ذهبنا الى منطقة الجعيفر المقابلة لمنطقة الرحمانية في بغداد ( غير موجودة الان بعد تهديمها) وطرق باب بيت متهالك هو بيت عادل تركي، الطالب حينها في كلية الاداب، والذي استشهد لاحقاً في كردستان. أطلت من شقه احدى اخواته، تمعنت في وجوهنا بتوجس ثم تعرفت على ابراهيم. دعتنا الى الانتظار لمناداة اخيها, ليأتي ويقودنا, بعد ترحاب, الى غرفته المتواضعة التي ترتفع عن حوش الدار عدة درجات. دخلنا الغرفة لنفاجأ بعدة شباب من كليات بغداد المتعددة ممثلي الاتحاد، كانوا قد انهوا اجتماعهم تواً, ودعونا للاحتفال معهم بذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى, بأغانٍ لم تطرق اسماعي قبلاً بسبب سرية عمل الحزب الشيوعي ومنع السلطة لكل ما يمكن ان يعبر عن وجوده ويُذكّر بثورة اكتوبر. أغانٍ تتغنى بحب العراق ورافديه وجباله ونخيله، وتمجد بطولات شعبنا وانتفاضاته وتضحيات الشيوعيين, وعن الاممية وشعوب العالم واغانٍ للشيخ امام واخرى فلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني. لأول مرة اسمع كلمات النشيد الاممي الذي انشدناه وقوفاً، ونشيد اكتوبر العظيم. ربما هذه كانت اولى مظاهر دهشتي بعد الاستقبال الحميمي والحافل بنا من قبل الزملاء الحاضرين. كنت وانا الجديد في العمل الديمقراطي انظر برهبة واحترام الى هؤلاء الشبان, الذين سبقوني في العمل الديمقراطي المهني لسنين طويلة, والذين تحدوا بطش البعث بشجاعة وعزم في جامعات وثانويات بغداد من خلال العمل الطلابي السري المنظم. وكانت احدى مظاهر دهشتي الصور التي كانت تزين جدران غرفته المتواضعة التي اضفت على اللقاء جواً مفعماً بالرهبة لازلت اعيشه، وهي صور لكارل ماركس ولينين وجيفارا والرفيق فهد الذي رأيت صورته لاول مرة.
خرجت تملؤني الحماسة والعزم على العمل من اجل هذه المباديْ السامية المنحازة للشغيلة وعموم الفقراء ومع هكذا اناس خُلص, بسحنهم التي تشير الى انحداراتهم الطبقية الكادحة. حفلتي الاولى بذكرى اول ثورة اشتراكية في العالم, اغنتني ليس بشحنات الحماس وقيم الاغاني التي صدحت بها حناجر الزملاء بل كذلك بالاحاديث والنقاشات الثرة التي دارت بين الحاضرين عن قائد الثورة لينين وعن المدرعة بوتمكين وعمال وبحارة بتروغراد الثوريين والسوفييتات والهجوم على القصر الشتوي, والطرائف التي اوردوها عن تشاباييف الجندي البسيط في الجيش الاحمر ووعيه الطبقي الفطري.
بين الحين والاخر كانت والدة الشهيد تدق باب الغرفة تنبهنا, لنخفض من اصواتنا التي يرفعها حماس الاغاني الثورية وتحذرنا من صوتنا العالي الذي قد يجلب انتباه عسس البعث.
في مئوية ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى, لايمكن ان تغيب ذكرى الاحتفال الاول مع الشهيد عادل تركي الذي قُتل غدراً عندما كان منخرطاً في حركة الانصار الشيوعية في كردستان العراق مع رفيقين معه وسلمت جثثهم للنظام.