المنبرالحر

الحال الذي وصلت إليه بعض النظريات الكبرى 4،3 / عادل كنيهر حافظ

نظرية الدولة الإسلامية وشريعتها السمحاء:
هذه النظرية هي الهدف الذي تسعى لتحقيقه كل تيارات الإسلام السياسي ، على اختلاف مشاربها ومرجعياتها ، وبمختلف الطرق والوسائل ، سواء عن طريق الانتخابات ، أو عن طريق الإضرابات والإعتصامات والعصيان ، أو عن طريق القوة والعمل المسلح .
حيث تعتقد قوى الإسلام السياسي ، بضرورة بناء دولة على طراز دولة الخلافة الراشدة ، التي تشيع تطبيق شريعة الرب الجليل والتي تكفل سيادة الحق والعدل الإلهي ،وإقامة الحدود على ألمخالفين.....وفي سياق مسعاها لتحقيق دولة الرب المقدسة ، كما سماها أبو مصعب ألزرقاوي، هي تمنح لنفسها الحق أن تتعدى وتعتدي على كل قوى البلاد الوطنية والقومية ،وتشوهها أمام الشعب وتنزع عنها الحق في النضال من اجل تحيق أهدافها المرسومة في برامجها الوطنية ، وتحت حجة أن هذه الأحزاب والقوى السياسية كلها تهدف في نضالها السياسي الى بناء الدولة العلمانية الكافرة .
والملفت في الأمر ان كل الدول العربية توجد فيها ، تيارات الإسلام السياسي ، بمعنى ان كل تلك الدول هي مشاريع لدولة الإسلام الراشدة ، مما يقصي أي مشروع للدولة المدنية ، ليس كونها صالحة أو غير صالحة للشعب ، وإنما لأنها لا تطبق حكم الشريعة الإسلامية ، ومن هنا يتأتى عدم الاستقرار السياسي في بلداننا العربية ، والذي يستثمر بعناية وذكاء في المخططات الأمريكية على وجه الخصوص .
وبما أن مشروع الدولة الإسلامية ، يجد السير في أن يكون بديلاً ، لكل أشكال مشاريع القوى السياسية الأخرى ، فهو أولاً - يضع حاله عملياً في تضاد ابدي مع تلك القوى التي تريد تحسين الواقع بأدواته الراهنة ، وليس بأساليب ربما كانت نافعة في عصرها .
ثانيا- الدول ألرأسمالية الغربية ، التي تستثمر صراع أجنحة الإسلام السياسي لتحقيق خططها ومشاريعها الاستعمارية ، هي ذاتها التي أسقطت الدولة العثمانية آخر دولة خلافة إسلامية ، ونهبت ممتلكاتها وتقاسمت أراضيها ، ومهدت الطريق لكمال أتاتورك ، ليقيم على أنقاضها دولة تركيا العلمانية الحديثة ، الأمر الذي يؤكد دون أدنى شك عدم إمكانية الإمبراطورية الإسلامية العثمانية المترامية الأطراف ، على مجاراة تطور الغرب الهائل ، لذلك أكلها التخلف وراحت لقمة سائغة لدول الغرب المحتلة ، فكيف الحال بمشروع دولة إسلامية جديدة .
ثالثاً- تعتبر الحضارة البشرية الحالية ، هي نتاج تراكم الخبر والتجارب ، في مجالات علوم الفيزياء والكيمياء والميكانيك والأدب والفن والقانون وغيرها من مجالات الحياة الأخرى ، التي انعكست في وعي الناس وطورته كثيراً ، وتراث الدولة الإسلامية هو جزء من هذا التراكم الهائل ، لذلك بات من العصي استلهام جزء قديم من التراث الذي ساد في منطقة متخلفة من أصقاع الأرض ، وجعله نموذج لمشروع بناء دولة حديثة ، من هنا يتعارض مشروع الدولة الإسلامية ، مع طموح الإنسان الحديث ، وبالتالي رفضه وعدم القبول به.
رابعاً- صاغت مجاميع من خبراء القانون الدوليين ميثاقاً عاماً لحقوق الإنسان ، بغض النظر عن الدين والقومية والوطن ، وهذا الميثاق أوسع واشمل وأكثر تطوراً بكثير ولا ادعي كثر قدسية من قوانين دولة الخلافة الإسلامية ، لأنه ميثاق لكل البشر ، وليس فقط للعرب المسلمين ، والدول العربية كلها وقعت على هذا الميثاق ، لذلك من غير المنطق العودة لقوانين وأحكام هي ابنة زمانها ، أفادت ناسها وقتذاك .
خامساً- مشروع بناء الدولة الإسلامية ، يبحث في الماضي الغابر عن نموذج ، يماثله في حاضر الظروف ، ليقيم على هداه دولة حديثة ، في حال تقتضي متطلبات العيش الراهن للإنسان ، نموذج لدولة تتماها مع المستقل ، دولة لكل أبناء الوطن ، لا يتميز فيها المواطن على أخيه بالدين او القومية أو المنطقة ...وسنة الناس هي البحث عن ما هو جديد ، وليس اجترار الماضي المجرب ، ونظام الدولة الإسلامية مجرب حديثاً في إيران والسودان وكان في حكومة طلبان وحكومة داعش والسعودية ونظام ألحرامية في بغداد ، كلها تسميات فقط لدول كاريكاتورية .
والأكثر من كل ذلك هو ان مشروع الدولة الإسلامية هو مشروع كوني، يستهدف بناء الدولة الإسلامية التي تحكم العالم ودوله التي وصلت الى أكثر من 180 دولة، والسؤال هنا هل هناك إمكانية لتحقيق مشروع الدولة الإسلامية ؟
تقتضي الحكمة القول بأن لا مآل لهكذا مشروع غير النهاية في غياهب التجربة البشرية الهائلة الثراء .
4
نظرية ومشروع دولة كردستان الكبرى
دولة كردستان الكبرى ، هو الهدف الأسمى ، الذي تناضل في سبيل تحقيقه كل الأحزاب والحركات الكردية ، في عموم الأقطار الأربعة تركيا وسوريا وإيران والعراق والتي يكون بعض سكانها من القومية الكردية ، وهذا النضال يستشرف إقامة وطن للكرد على أرض كردستان ألتاريخية ، وذلك عندما يتكلل نضالهم بالنصر ، والحصول على حق تقرير المصير بما فيه الانفصال ، عن تلك البلدان ، إلا ان التباين والاختلاف في القدرة وإمكانيات النضال للفصائل والأحزاب ، والاختلاف في طبيعة الأنظمة سالفة الذكر، دفع بعض القيادات الطليعية في حركة التحرير الكردية ، وخصوصاً في العراق ، أن تبحث في الأهداف الأقرب ، دون ان تنسى أو تُهمل هدف تحقيق دولة الكرد الكبرى ، وفي سياق هذا البحث ، ظهر الرأي الأمثل موضوعياً ، وهوَ إقامة دولة كردية في أي جزء من أجزاء كردستان الأربعة الكبيرة ، لتكون مرتكزاً ومعيناً ، لحركات الكرد في باقي أنحاء كردستان الأخرى ، ليكللوا كفاحهم بنيل الاستقلال والانفصال عن دولهم ثم الاندماج مع دولة كردستان الناجزة سلفاً .
باشر الكرد كفاحهم اللجب وفي كل البلدان التي تقاسمتهم ومنذ عشرات السنين ساندتهم في نضالهم العادل اغلب القوى الوطنية وخصوصاً الأحزاب اليسارية والماركسية، وبلدان المعسكر ألاشتراكي السابق وعموم الأحزاب الشيوعية، قدموا ألاف الضحايا البشرية والخسائر المادية، في حومة الصرع لكنهم لم ينثنوا عن حقوقهم العادلة التي كفلتها لهم السنن والمواثيق الدولية، حيث يحق لهم تقرير مصيرهم بأي شكل يرتأون بما فيه الانفصال وبناء الدولة المستقلة. وحققوا على هذا الطريق كثير من المنجزات ، في تركيا أجبروا باتحادهم على خوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحصولهم على 14 مقعدا ، في عين الحال يرفع حزب العمال الكردستاني {ب ك ك] السلاح في ربوع كردستان تركيا ، كما حقق الكرد كثيرا من الانجازات في جنوب سوريا ، وفي العراق أثمر نضالهم عن تحقيق دائرة واسعة من المكاسب ، ومذ عام 1958 عندما سجل في دستور الجمهورية ، ان الكرد والعرب شركاء في الوطن ، وفي عام 1970 استحصل الأكراد على حقهم في الإدارة الذاتية ، رغم ان القانون ناقصاً لكنه يُعد خطوة متقدمة في طريق الحكم الذاتي الحقيقي ،إما بعد أحداث انتفاضة آذار عام 1990وطرد قوى النظام من كردستان ، باتت الإدارة بيد الأحزاب الكردية في كردستان الجنوبية ، وبعد سقوط نظام صدام حسين ، تمتع إقليم كردستان بصلاحيات واسعة ، تكاد تكون صلاحيات دولة مستقلة وربما أكثر، وعلية كانت المصلحة العامة للشعب الكردي ، تقتضي المحافظة على هذه المنجزات ، من خلال بناء أواصر الثقة ، وإبداء حسن النية للأطراف الأخرى ، وإظهار العفة وعدم الطمع ، في خيرات البلاد ، لكي يُعبد الطريق أمام حل المادة 140 التي تخص مصير مدينة كركوك والسير تباعاً لإنهاء النزاع حول بعض المناطق ، المثيرة للجدل ، وذلك بروح أخوية وحرص شديد على عموم المصالح ، لأن تدوير الزوايا في وحدة المصالح المشتركة هي أساس بناء الدولة الحديثة، وهذا ما لم تتوصل إليه لشديد الأسف القيادة الكردية، رغم قناعتي بحكمتها، وأقدمت على خطوة كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء، حيث لا يوجد كردي تسأله تريد دولة مستقلة يجيب كلا، رغم ان اخذ رأي الشعب بقضية تهم مصيره هي من الممارسات الديمقراطية، لكن إعلام كردستان، والقنوات الفضائية المغرضة وألاعيب السياسة، حولت الاستفتاء إلى مشروع انفصال عن البلاد، عليه أضرت هذه الخطوة بكثير مما كان يتمتع به شعب كردستان.
عموم الحال الذي يؤكد بالملموس ، ان الفدرالية كشكل من أشكال تقرير المصير هي الممكن المسموح بهي محليا ودولياً ، ومن هنا يمكن القول ان السعي لتحقيق الانفصال في أجزاء كردستان الأربعة والاندماج في دولة كردية واحدة ، أصبح تحقيق هذه الأطروحة من الأماني الضالة ، لأن من غير المعقول ان تتخلى تركيا عن حوالي 10محافظات تعداد سكانها يفوق ال 20 مليون نسمة من بلادها يسكنها الأكراد ، أو إيران التي يسكن الأكراد في محافظاتها الغربية التي يقدر تعداد سكنها الكرد بأكثر من ثمانية مليون مواطن ، والتي لا تعترف بأي حق للأكراد، رغم أنهم القومية الثانية في إيران ، كما أن سوريا لا تسمح للكرد باقتطاع محافظة دير الزور ألمتاخمة لتركيا والعراق ، وعندنا في العراق معروف ما جرى بعد عملية استفتاء الشعب الكردي . عليه تقتضي الحكمة والمصلحة القومية إعادة النظر ، بمشروع الدولة الكردية الكبرى ، وحق تقرير المصير، واعتبار هذا الأخير لا يعني شيء دون الانفصال ، حيث أن الانفصال ما بات أمر يتعلق بنضال الكرد وحسب ، وإنما يتصل بمصالح الدول التي تتقاسم كردستان ، ومن ثم دخل في غياهب المصالح الدولية ، التي ضٌيقت كثيرا من قدرات الحكومات في العالم الثالث خصوصاً وأن تجد حلولاً ذاتية لمشاكلها الداخلية ، وكون الحال قد ارتهن بالمصالح الدولية وما أدراك بالمصالح الدولية ، لذا لا يمكن للمرء ان يربو بسذاجة إلى المرتجى والمؤجل ولا يدرك شيء من أولويات سياسة المصالح المشتركة ، التي تُحل قضايا العالم في إطارها .