المنبرالحر

ثورة هزت العالم / عاصي دالي

قبل قرن انبثقت ثورة أكتوبر الاشتراكية، وكانت من أهم أحداث القرن العشرين، ولم يعرف التاريخ البشري حدثا آخر بمثل أهمية ثورة أكتوبر الاشتراكية. لقد مارست هذه الثورة تأثيرا حاسما على مجرى تطور الإنسانية، ودشنت بداية عصر جديد في حياة جميع الشعوب والدول انه عصر الانتقال إلى الاشتراكية والتحرر القومي والاجتماعي، وهي أول ثورة رفعت شعارات الحرية والسلام والخبز، وسجلت انتصارا عمليا للتعاليم الماركسية بجدارة ثورية، وكانت منعطفا تاريخيا في تطور العالم والحركة الثورية العالمية، وأصبحت نقطة تحول هامة في تاريخ البشرية والعالم المعاصر لأنها طرحت قضية تحرير الإنسان من الظلم والحاجة والجهل وزوال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
لقد اهتمت ثورة أكتوبر الاشتراكية ومنذ بدايتها بحركات التحرر العالمية ونضالها الثوري، وتميزت بذلك في مواقفها من الدول العربية، فقد كتب قائدها فلاديمير ألتش أليانوف (لينين) في جريدة البرافدا قبل الثورة في عام 1912 مقالا هاجم فيه بشدة وحشية الاستعمار الايطالي، لما ارتكبه من جرائم جاء فيه: "ما سبب هذه الحرب؟ سببها جشع صقور المال والرأسماليين الايطاليين، الذين هم في حاجة إلى سوق جديدة والى نجاحات تحرزها الامبريالية الايطالية، وكيف كانت هذه الحرب؟ كانت مجزرة متقنة وتقتيلا للعرب بواسطة أحدث العتاد، لقد قاوم العرب مقاومة المستميت"، وقد تعزز هذا الموقف من حركة التحرر الوطني العربية بعد انتصار الثورة كثيرا في سبيل حريتها وسيادتها وتقدمها.
كما وقفت الثورة ضد الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم ولم تعترف به، وقامت بفضحه والهجوم عليه، وأعلنت موقفها الذي جاء فيه "ان فلسطين وسوريا تقعان في الوقت الحالي تحت ما يسمى بنظام الانتداب، وان جمهورية روسيا السوفيتية لا تعترف بهذا الشكل الجديد الناشئ في الوضع الدولي"، وتشير عدد من الوقائع الى أن السلطة السوفيتية عمدت إلى الاتصال بالعديد من حركات التحرر العربي، وإقامة العلاقات معها، وأعربت عن تضامنها وتأييدها لها، وأرسل لينين رسالة إلى الزعيم المصري سعد زغلول في عام 1919 يؤكد فيها التأييد والتضامن لحركة التحرر العربي، ويشير بعض الباحثين إلى وجود مثل هذه الصلات مع بعض زعماء الثورة العراقية عام 1920.
ومن السمات البارزة لثورة أكتوبر تجسيدها عمليا لأفكار الماركسية بصدد التحالف بين العمال والفلاحين، حيث استطاعت الطبقة العاملة في روسيا ان تستقطب إلى جانبها جماهير غفيرة من الفلاحين لضمها الى النضال، ومن خلال ازدياد وعي الفلاحين السياسي نتيجة تعاظم نفوذ البلاشفة في الريف، تفاقمت التناقضات في مجرى الثورة بين الفلاحين والكولاك, ووصل الأمر إلى حد الاشتباكات الدامية فيما بينهم، فنشأت في الريف منظمات ثورية مستقلة للفلاحين، تعمل من أجل تحقيق الثورة الديمقراطية وتحويلها الى ثورة اشتراكية، وفي مؤتمر السوفييت الذي انعقد في اليوم التالي للثورة اقـر مرسوم الأرض.
وأوضح لينين قائلا (لما كنا حكومة ديمقراطية فإننا لا نستطيع أن نتجاهل قرار الجماهير الشعبية الدنيا، حتى ولو كنا غير موافقين عليه، ففي نار الحياة سيدرك الفلاحون بأنفسهم أين هي الحقيقة عندما يطبقون القرار عمليا، عندما يحققونه في مواقعهم ليعمل الفلاحون على حـل المسألة من أحـد طرفيها ونحن سنعمل على حلها من الطرف الأخر. إن الحياة ستضطرنا إلى التقارب في تيار الإبداع الثوري المشترك) وفي هذا السياق ناضل حزبنا الشيوعي العراقي منذ تأسيسه من اجل تحقيق تحالف العمال والفلاحين ،وعلى أساس الخصائص التاريخية لبلادنا، وتضمنت جميع وثائقه الأساسية خلال عمره الطويل الاهتمام بالقضية الزراعية، والعمل على وضع الحلول والرؤى لها. وقد ورد في برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي أقـره المؤتمر الوطني العاشر:
1 ــ العمل على إعادة النظر بقوانين الزراعة والإصلاح الزراعي، ووضع مصالح صغار الفلاحين في صدارة الاهتمامات، ومكافحة المساعي لإعادة العلاقات شبه الإقطاعية، أو الخصخصة الشاملة في القطاع الزراعي.
2 ــ تمليك الأراضي التي وزعت على الفلاحين، وفقاً للقانون رقم 30 لسنة 1958، والقانون رقم 117 لسنة 1970، وتشريع قانون جديد لايجار الأراضي الزراعية
3 ــ تشجيع الفلاحين على الاهتمام بأراضيهم وزيادة إنتاجيتها، كماً ونوعاً، واستعمال المكننة المتطورة والبذور عالية الجودة والأسمدة الكيماوية والمبيدات وغيرها باستخدام الأساليب العلمية الحديثة في الزراعة والري.
4 ــ تفعيل دور الجمعيات الفلاحية التعاونية القائمة، وحث الفلاحين على الانخراط فيها، ودعم الحركة التعاونية وتشجيع عملها على أسس ديمقراطية في مجالات الإنتاج والتوزيع والتسويق، والعمل على تشكيل جمعيات فلاحية تخصصية في مجالي الإنتاج النباتي والحيواني، والجمعيات التعاونية التخصصية في مجالات المكننة والنقل والخزن العادي والمبرد
لقد حررت ثورة أكتوبر الاشتراكية الأمم التي كانت تستعبدها روسيا القيصرية وساعدتها على إنهاء تخلفها، والسير في طريق الديمقراطية والاشتراكية، ومدت يـد العون والتضامن الفعال الى لشعوب المناضلة من اجل استقلالها ونيل حريتها، ورغم انتكاسة التجربة الاشتراكية لكن الدروس التي أفرزتها يمكن الاستفادة منها في طريق التحرر الوطني لجميع شعوب العالم، وقد قال المفكر العالمي كارل ماركس في رده على فشل وإسقاط كمونة باريس"لو قدر لكل ثورة أن تنجح لأصبح صنع التاريخ بأبسط السهولـة) فجميع الثورات الجماهيرية لها أخطاء ولها أعـداء فالأخطاء تنخر كيانها والأعداء يعملون دائما للانقضاض عليها.