المنبرالحر

هل نسمح أن نتحول إلى شعب دون ثقافة ؟ / عادل كنيهرحافظ

قبل الحديث عن ماهية الثقافة ، أجد من المفيد الإشارة إلى رسالة صغيرة تتعلق بالموضوع ، نشرتها صحيفة برافدا، وكانت مرسلة من فلاديمير إليتش لينين إلى مكسيم غوركي، بمناسبة افتتاح مبنى دار الثقافة الجديد في مدينة لينين كراد يقول فيها : عزيزي غوركي أحيك مخلصاً، وأود القول وأتمنى أن لا تعد قولي هذا ضربا من المبالغة ، وهوَ أني أحسبكم انتم مثقفو روسيا اليوم مثلكم كمثل القناديل، تطاردون دياجر الظلام الذي يلف عقول الناس في بلادي، وهذا المعني قد تجلى فيما كتبهُ تولستوي وما عُزف لجايكوفسكي وما نضمه بوشكن من أشعار، هي أعمال احسبها نبراس لي ولكل أبناء شعبنا العزيز .... فالثقافة هي رونق الحياة . هكذا يصف ماهية الثقافة رئيس دولة وقائد اكبر ثورة في العصر الحديث ومن ألمع مفكري العالم ، هل لنا من حظوة في أحد قادتنا ، بشيء من هذا التقييم ؟
يقول الدكتور في الفلسفة الأستاذ سيد ألقمني ، أن الثقافة {CULTURE } مصطلح غربي ، تعريفه حسب آرون وموسكا وغيرهم ، هوَ الزراعة او إدارة حرفة الزراعة من حراثة الأرض وبذر البذور والسقي ...لكنها استخدمت مجازاً للتربية العقلية البشرية . وما كتبه العلماء الغربيون عن الثقافة ، كان قصدهم تطوير وتصويب وتنمية ثقافات مجتمعاتهم ، لتحقيق قدر اكبر من الرقي والتطور لشعوبهم وبلدانهم . وفي بلداننا العربية كان أول من أشاع مصطلح ثقافة على الجهد الفكري النظري الإبداعي ، هوَ الكاتب والمثقف المصري الشهير سلامة موسى في العشرينات من القرن المنصرم .
إلا أن مصطلح ثقافة في العلوم ألاجتماعية بمعناه الواسع ، يعني مجموع إنتاج الجهد اليدوي والفكري النظري للبشر والمتوارث والمتراكم من جيل الى آخر ، حتى بلغ دماغ الإنسان نقطة تحول كبرى ، اكتسب عندها قدرة صنع الأدوات والتحكم في أصواته ليبتكر اللغة ويعطي تسمياته الخاصة للأشياء التي يتعامل معها ثم راح يشخص دلالات الأشياء الخاصة للطبيعة ، ومن هذه النقطة التي يسميها العالم الألماني كروبير النقطة الحرجة ، بدأت الثقافة تحث الخطى بقدر التطور البيولوجي لدماغ الإنسان .
وهذه الثقافة هي ملك البشرية جمعاء، رغم إنها تختلف من بيئة الى أخرى ومن شعب الى آخر تبعاً لطبيعة شعب هذا البلد أو ذاك .
ونحن في العراق لنا نصيبنا من ثقافة العالم والتي تخص شعبنا ووطننا العراق ، ولا يتسع المجال لنأتي على منجزات بلدنا الثقافية وتعداد مشاهير وأعلام الشعر و الأدب من الفنانين والأدباء، ومبدعي الموسيقى والفن المعماري ....ومعروف عن العراقيين انهم شغوفون بالقراءة ومطالعة الكتب ، حتى سمع الكثير القول القائل مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ ، مدارسنا وجامعاتنا العراقية معروفة بإنضباطها وجدية موادها الدراسية ، وفي مجال العلاقات الاجتماعية ، تتجلى ثقافة العراقيين بألتكافل وإبداء العون للمحتاج ومساعدة الجار والحرص على عرضه وكرامته ...، والخطأ في هذه المجالات هو ليس القاعدة ، وإنما فعلاً شاذاً ومدان، كونه ينافي ثقافة المجتمع ، وكان المؤمل بعد زوال الدكتاتورية المعرقلة لتطور الثقافة عموماً ، ان تنفتح أجواء جديدة تساعد الشعب العراقي وتعوضه الحرمان الثقافي الذي فرضهُ النظام السابق ، بيد ان نظام الإسلام السياسي الجديد ، ومنذُ عام 2003 ولغاية راهن الظرف ، وبدلاَ من ان يضع شيئا في ميادين الثقافة العراقية ، راح يهدم دون رحمة ، صروح الثقافة العراقية حيث أهمل دور الثقافة من مسارح ومراكز ثقافية وسينمات ومراكز ونوادي للشباب ، وإلغاء تقريباً كل البرامج الثقافية في محطات الإذاعة والتلفزيون ، حيث نادراً ما يجد المرء مسلسلا تلفزيونيا هادفا ، وراح يمنع حتى مهرجانات الغناء والرقص الفورلكلوري الذي تقيمه بعض المراكز الحكومية في المحافظات العراقية ، بينما أشاع ثقافة وحيدة الجانب ، هي الطقوس الدينية ، في الحال الذي تعتبر فيه موضوعات الفلسفة المثالية والمادية ، أن الدين يمثل شكلاً من أشكال الوعي الستة التي تكون وعي الفرد ، وليس كل الوعي الاجتماعي للإنسان .
#- غضت الدولة الطرف عن قسر المليشيات ألدينية للمواطنين ليسيروا على مشيئتها ، المعمدة بالثقافة الفريدة التي تأخذ من الماضي مثلاً أعلى ولا تأبه لتطور الكون وما وصلت إليه الشعوب.
#- إشاعة امتهان كرامة المرأة والتي هي نصف المجتمع ، ومحاولة جعل الحط من قيمة النساء في العراق بشكل قانوني ورسمي من خلال محاولات إقرار قانون الجعفري وتغيير قانون الأحوال الشخصية .
#- محاولات الجهات الحكومة منع بعض النوافذ الثقافية في مجال التواصل الاجتماعي وبرامج الانترنيت ، بحجة عدم إ فساد عقول الشباب .
#- سكوت الحكومة وهي الجهة المسئولة بحماية المواطنين عن ما يقوم بهي الدجالون والنصابون على بسطاء الناس ، وتأسيس مقامات كاذبة بحجة أني حلمت بأن القديس أو القديسة مدفون في هذا المكان . وقد أصابني العجب عندما قالت لي لماذا لم تزور ضريح شريفة بنت الحسن ، في طريق عودتكم من مقبرة النجف ، قلت لوالدتي الإمام الحسن عليه السلام لم يأت إلى العراق ، وعندهُ خمسة بنات تزوج اثنان منهن أولاد عبد الله ابن عقيل .
#- إشاعة ثقافة هجر القانون ، والاكتفاء بقوانين أهلية مثل قانون العشائر .
#- انتشار الفساد الإداري المحسوبية و المنسوبية وثقافة الطوائف، وطمس ثقافة لإخاء الوطني ، وخلق فجوة تحولت إلى عداوة بين المواطنين .
#- مناهضة العلم بحجة الكفر ، وحث الناس على الانطواء الفكري بحجة المحافظة على الموروث من التراث ، والتمادي في الحط من قيمة المرأة ، وبتوصيات رجال الدين .
#- تخلي الحكومة عن تدني المستوى الدراسي ، وهزالة المناهج الدراسية وخلوها من الموضوعات الوطنية والتثقيف الوطني .
#- تطبيع أساليب وثقافة الضحك على الذقون من نصب واحتيال وكذب وتزوير ، واعتبار ذلك شطارة .
#- انتشار ثقافة السحر والشعوذة وقراءة الطالع ، بدلاً من مراجعة الطبيب .
هذه وغيرها من مظاهر ألتردي الاجتماعي التي تنعكس ضرراً بليغاً على مستوى الغرد الثقافي ، ستقود حتماً الى عوق مبين في عموم الثقافة الوطنية للبلاد .
ولكن الثقافة وفي منحى آخر هي دستور الحياة ، وهي في العمق أدراك الواقع ، وان تلعب فيه الدور الايجابي الذي يكون مصدر سرور آخرين ، وما فعله توماس أدسن واينشتاين وكارل ماركس وجان جاك روسو وروجيه غارودي ، انعكس خيرا لكل شعوب الأرض .
وواحدة من ظواهر العولمة هو عولمة الثقافة ، كون ان منجزات العلم قاربت كثيراً المسافات بين ثقافات الشعوب ، مما يسهل التبادل والتلاقح بشكل كثيف، نتيجة الثورات المتلاحقة في مجالات الصناعة والاتصالات ،التي طوت المسافات وأمست المعلومات السياسية والاقتصادية وأخبار الدول والشعوب، تنتقل خلال ثوان لتكون بين يدين المشاهد في شتى أصقاع الأرض ، وتلعب حركة التبادل التجاري للسلع والبضائع ، دوراً في تبادل الثقافة ، حيث أن الدراجة البخارية او اليخت البحري أو السيارة عندما تأتي من ألمانيا فهي تقدم شيئا من ثقافة ألمانيا ، في فكرة التصميم والتصنيع، وما تتضمنه البضاعة من جهد يدوي وفكري للعاملين في تلك الحقول ... .
مع جو العولمة النافذ في تقارب الثقافات ، تبقى الخطورة على فقدان المتبقي الشحيح من الثقافة العراقية قائماً، لأنها ترتبط وثيق الارتباط بما تفرزه سياسات الدولة العراقية ، التي لا تأبه بالثقافة والمثقفين، والخشية ان تكون ثقافة القوى الحاكمة بديلاً لثقافة بلادنا التي هي مثار اعتزازنا ، والمشكلة هي عدم وجود القوى التي لا تسمح بفقدان ثقافتنا .