المنبرالحر

لنغرس ثقافة احترام القانون اذا أردنا هزيمة الفساد / عادل عبد الزهرة شبيب

اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم التاسع من كانون الأول سنويا كيوم دولي لمكافحة الفساد من أجل اذكاء الوعي في مشكلة الفساد ودور الاتفاقية في مكافحته ومنعه. ودخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيز التنفيذ في كانون الأول 2005 .
يشكل اليوم العالمي لمكافحة الفساد فرصة ثمينة للمهتمين بها من اجل زيادة الوعي وشحذ الهمم وتوحيد الكلمة ضد الفساد الذي يهدد الطاقات المالية والبشرية ويشكل عائقا بالغ الخطورة امام جهود التنمية حول العالم. خاصة وان الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد يتزامن مع اعلان رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي حملته ضد الفساد.
الفساد يلتهم ثروات الشعوب ويعيق الاستثمار الداخلي والأجنبي ويخفض من نوعية الخدمات الأساسية التي يتلقاها المواطنون ويعطل حكم القانون ويهدد استقرار المجتمع وأمنه.
تشير التقارير الى أن قيمة الرشى في العالم في كل عام تصل الى تريليون دولار فيما تصل قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد عالميا الى ما يزيد عن (تريليونين ونصف) دولار, وان الدولة التي تعاني من زيادة معدلات الفساد تزداد فيها التكلفة الاستثمارية بنحو 20 في المائة, ولذلك فإن وجود الدول في مرتبة متدنية من مؤشر مكافحة الفساد تعاني ايضا من هروب الاستثمارات منها, وان زيادة معدل الفساد درجة واحدة يعني انخفاض معدل النمو بنحو1,1 في المائة.
يتضمن الفساد قيام المسؤول في استغلال منصبه للمنفعة الخاصة سواء له مباشرة او لأفراد عائلته او لمقربيه والحصول على امتيازات تخدم مصالح خاصة. ويعاني العراق من استفحال ظاهرة الفساد التي تفاقمت بشكل اكبر بعد 2003 بسبب ضعف القوانين الرادعة وهيمنة الأحزاب المتنفذة وتطبيق نظام المحاصصة المقيت, واحتل العراق حسب منظمة الشفافية الدولية الصدارة من بين الدول الأكثر فسادا في العالم على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ودوائر الرقابة الداخلية في الوزارات ومؤسساتها والتي يفترض ان تعمل جميعها على مراقبة الأداء الحكومي في المجالات المالية والادارية. ويبدو انها غير فاعلة.
لقد وصف رجل اعمال فرنسي الفساد في العراق بأنه (( ليس مجرد آفة بل نظام حكم، فالعراق يعد واحدا من اكثر الدول فسادا في العالم, وخلال السنوات الـ 13 ألتي اعقبت الاطاحة بالنظام السابق وبينما قدمت عائدات النفط العراقي اكثر من 800 مليار دولار من الايرادات, فإن الفساد كلف خزينة الدولة العراقية 312 مليار دولار بحسب مركز انجاح للتنمية الاقتصادية)).
قادت الطبقة السياسية في العراق نهبا ماليا منظما للمال العام منذ 2003 بحثا عن النفوذ, وها هو احد السياسيين يعترف بلسانه، وفي احدى المقابلات التلفزيونية مشيرا الى ان : (( الجميع فاسدون من قمة الهرم الى قاعدته، نعم جميعهم بمن فيهم انا،ولا يوجد حل ..))، ((لقد عرض علي أحدهم خمسة ملايين دولار لوقف التحقيق معه, اخذت المبلغ وظللنا مستمرين في مقاضاته ..)) .
ان قادة الفساد في العراق هم الساسة والحكوميون الكبار وهذا الفساد كان في مقدمة الأسباب التي ادت الى سقوط ثلث العراق بيد داعش. وقد اختزل الساسة الشعب العراقي بالمكونات والمكونات بالأحزاب والأحزاب بالمقربين والمقربين بالبطانة. ويعتبر العراق من البلدان الفقيرة المتخلفة اقتصاديا على الرغم من ان موازناته المالية السنوية تفوق احجام موازنات الاردن وسوريا ولبنان ومصر سوية، وان عدد سكان العراق لا يتجاوز نصف عدد سكان مصر لكن معدلات الفقر فيه يفوق معدلات الفقر في تلك الدول بسبب الفساد والمحاصصة واسباب اخرى.
الفساد في العراق يقاس بالمليارات وليس بالمفرد وهو من فعل كبار الساسة والسبب هو في فساد الساسة. والفساد السياسي في العراق هو ابرز انواع الفساد جميعا تتميز به الطبقة المتنفذة. ويلاحظ عند احتدام الخصام بين السياسيين فانهم يهددون بالإعلان عن الملفات التي بحوزتهم عن الاخرين, لكنهم لا يفعلون ذلك ويجنحون للسلم لأن لكل منهم ملفاته. وبلغ الفساد حسب ما يتناقله بعض البرلمانيين في العراق الى برلمانيين يسحبون تواقيعهم عن استجواب وزير مقابل ابتزازه بمبالغ مالية. اضافة الى الجنود الوهميين الذين اعلن عنهم سابقا حيث ان ما بين 500 و 600 مليون دولار كانت تدفع كمرتبات شهرية لجنود وهميين لا وجود لهم, او قيام الجنود بدفع نصف مرتباتهم الشهرية مقابل عدم التزامهم بالحضور للخدمة. اضافة الى الفساد الذي يشوب كثيرا من مناقصات الاسلحة الضخمة وصفقة اجهزة السونار المستوردة من بريطانية والتي قامت بمعاقبة مورد هذه الاجهزة وتغريمه مبالغ كبيرة في حين ان العراق لم يفعل شيئا لمستوردي هذه الاجهزة. ويعزى سقوط الموصل بيد داعش في 2014 جزئيا الى ان عدد الجنود بالمواقع العسكرية للدفاع عن المدينة اقل من الموجود في دفاتر الخدمة والحضور، ولم تتم محاسبة احد حتى اليوم.
هناك الكثير من اعضاء الحكومة من وزراء ووزراء سابقين ووكلاء وزارات ومدراء عامين ومحافظين وغيرهم تلاحقهم تهم الفساد وقد حظرت لجنة النزاهة سفر 400 شخص بينهم وزراء ونواب ووزراء سابقون ومديرون عامون ومحافظون والبعض منهم تمكن من الفرار بالمال العام وهم يحتمون بالجنسية الثانية التي يحملونها .
ان تحقيق العدالة في المجتمع العراقي تتطلب التخلص من نظام المحاصصة وتشريع القوانين الرادعة وفرض العقوبات الصارمة ومحاسبة الفاسدين ليس فقط لاسترجاع المال العام المنهوب حسب تصريحات المسؤولين هذه الأيام وانما ايضا لتحقيق الردع العام والخاص بما يضمن الجانب الوقائي في هذا المجال, ويتوجب محاسبة الفاسدين اينما كانوا ومهما كانت صفتهم الوظيفية والحزبية بما يضمن تحقيق القضاء على ظاهرة الفساد دون ان يفلت اي فاسد من العقاب الذي يستحقه لا ان يتم استرجاع المال المنهوب والعفو عن الفاسد بدون عقاب.
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد من الضروري تسريع اجراءات محاسبة الفاسدين من خلال اجراء المحاكمات العادلة ومنع المماطلة في المدد الزمنية والاجراءات الشكلية او اصدار احكام مخففة مع وقف التنفيذ وعدم السماح بالإفلات من العقاب .
ان الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد يمكن ان يكون وسيلة للتوعية واعتباره فرصة لعرض السبل المبتكرة التي يمكن اللجوء اليها لمكافحة هذه الظاهرة، فالفساد ظاهرة متفشية في العراق وهي تؤثر في كل جوانب الحياة, فالرعاية الصحية تتأثر عندما تسرق الأموال المخصصة لشراء المعدات الطبية وادوية الأمراض المزمنة، او يتم استيراد (الاحذية الطبية ) بدلا من ادوية الأمراض السرطانية والسكر والضغط والتي تخلو مستشفياتنا ومراكزنا الصحية منها. مما يضطر المواطن لشرائها من الصيدليات الخاصة حيث تباع بأسعار عالية لا يستطيع توفيرها اصحاب الدخل المحدود . كما تتضرر التنمية الاقتصادية والاجتماعية عندما يسود الفساد ويهرب المستثمرون, وتتضرر انظمتنا التعليمية عندما تستنزف الميزانيات المدرسية على نحو مخالف للقانون. وتتقوض مؤسساتنا السياسية عندما تدفع الرشاوي .
لذا من الضروري مكافحة الفساد من جذوره والمبادرة ببرنامج التعليم من اجل العدالة ولمنع الجريمة من خلال الأنشطة التعليمية والمناهج الدراسية التي ستساعد المربين على تعليم الاجيال المقبلة كيفية فهم ومعالجة المشاكل التي تقوض سيادة القانون وترسيخ ثقافة احترام القانون من اجل تحقيق التنمية المستدامة. وقد رحب الحزب الشيوعي العراقي بتصريحات رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بشأن محاربة الفساد, معتبرا ان محاربة الفساد لا تقل اهمية عن محاربة الارهاب, وضرورة معالجة التردي المتزايد في احوال الناس المعيشية وتحسين الخدمات وتجنب اثار الازمة الاقتصادية – المالية وتحويل الدعوات لمكافحة الفساد الى عمل يومي متواصل والتصدي للفساد المستشري الذي تغول كثيرا والذي يحتاج الى جهود كثيفة جماعية وليس اجراءات فردية منفصلة,. والتأكيد على تجنب تسييسه وان يكون شاملا وتطبيق القانون على الجميع بغض النظر عن المواقع الوظيفية والمكانة السياسية والدينية والاجتماعية للفاسدين مع اجراء الاصلاحات الجدية في كافة مؤسسات الدولة والعمل على استعادة الاموال المنهوبة من ميزانية الدولة على ايدي الفاسدين ومعاقبتهم.
دعونا نعمل معا في اليوم العالمي لمكافحة الفساد على بناء قاعدة جديدة، قاعدة تقوم على احترام سيادة القانون واستئصال الفساد من جذوره وتحقيق العدالة الاجتماعية, ولا تتركوا الفساد يقتل التنمية.