المنبرالحر

وماذا بعد زيارة نوري المالكي لواشنطن ...؟ / مصطفى محمد غريب

لقد تمت وانتهت زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي لواشنطن تحت تكهنات عديدة سابقة وتكهنات لاحقة بعد إتمام الزيارة، وعلى ما يبدو من سيل الأحداث والأخبار أن الحكومة وبشخص نوري المالكي لم تعد تهتم بالنتائج التي تمخضت عنها الزيارة وأهملتها تقريباً وهو أمر يختلف عن الزيارات السابقة التي حدثت، وحتى الإعلام الأمريكي والأوربي فقد مر مرور الكرام على الزيارة ونتائجها كما يقال ولم تجر تحليلات ولااستنتاجات إلا القليل على الرغم من الأخطار التي تحيط وأحاطت بالبلاد وتنامي قدرات المنظمات الإرهابية ومخاطرها على امن دول المنطقة، كما أن الإعلام العراقي والعربي كان شأنه كشأن الأعلام الغربي فلم يكن بمستوى الإعلان عنها ولم يتعمق في البحث إلا ما ندر في بعض المقالات المتفرقة هنا وهناك لا بل كانت هناك توقعات على فشلها وعدم تحقيق تقدم في المباحثات بسبب السياسة الطائفية ومحاذيرها من تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للعراق، لكن الذي أثار الانتباه المقابلة التي أجرتها ( السي أن أن ) مع إياد علاوي بعد الزيارة والأسئلة التي خصت العديد من القضايا العراقية والأجوبة التي تميزت بالواقع العراقي بما فيها الانتقادات الضمنية التي وجهت لأداء رئيس الوزراء وفي مقدمتها قضايا الإستئثار والتحكم والابتعاد عن سياسة المصالحة ونتائج انتخابات 2010 وقضايا الديمقراطية، كما ركز على العلاقة بين مكونات الشعب العراقي وأسباب عودة تنظيم القاعدة بسبب سياسة التهميش السياسي لمكونات أخرى، كما أشار إلى الدور الإيراني وتدخلاته في الشأن العراقي، وأكد على " الحل الحقيقي هو بناء عملية سياسية شاملة لا تستبعد أحدا، هذه هي الطريقة الوحيدة للسير قدما في جلب الاستقرار للعراق" هذا اللقاء وما جرى فيه من انتقادات وملاحظات واستنتاجات وما قاله علاوي حول الزيارة والدور الأمريكي " لا أعتقد أن لدى أمريكا عصا سحرية لتحسين الوضع الأمني في العراق بين ليلة وضحاها" ثم وضح دون لبس " لا أعلم ما الذي ناقشه المالكي في الولايات المتحدة ولكنني أعلم بالتأكيد أن المكونات الأساسية التي تسمح بضمان الأمن غير موجودة ".
وبما أننا نجهل أيضاً بالضبط ما آلت إليه الزيارة وكذلك النتائج بشكلها الحقيقي فقد وجدنا إن هذا الصمت من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي وأقطاب ائتلاف دولة القانون دليل على أن هناك أمراً مخفي تقريباً، ونجد السؤال أعلاه "وماذا بعد... " مهم جداً وهو سؤال يحتاج إلى جواب مباشر من رئيس الوزراء نوري المالكي أو ممن كان معه في الوفد وله شأن لديه، وبهذا لا يمكن الحديث بدقة عن نجاح أو فشل الزيارة وبخاصة وان رئيس الوزراء نوري المالكي والوفد المرافق قد قطع زيارته الرسمية التي ابتدأت يوم الثلاثاء 29/10/2013 وقد قطع الزيارة وعاد راجعاً إلى بغداد وهو أمر أثار استغراب المهتمين والمتابعين للزيارة وجعلهم يبحثون عن الأسباب التي دفعت نوري المالكي إلى قطع زيارته التي كان يحسب لها حساباً غير قليل وبخاصة أن الزيارة كانت بدعوة من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن وليس كما قيل من الرئيس الأمريكي اوباما ، إلا أننا نعتقد أن الاحتمال الأقوى الذي بالامكان إطلاقه على الزيارة بأنها لم تكن بالمستوى المطلوب ولم تحقق الطموحات المعول عليها من قبل نوري المالكي وهي طموحات معروفة في مقدمتها الحصول على الدعم الأمريكي فيما يخص الانتخابات القادمة والولاية الثالثة وقضايا التسليح والعلاقة بين المكونات العراقية إضافة إلى نقل الأسلحة والذخيرة الإيرانية إلى سوريا عبر الأجواء العراقية دون انقطاع ، لكن ما أتفق عليه أكثر من أية قضية أخرى التعاون من اجل محاربة الإرهاب، لأن الإرهاب يحمل أوجه عديدة منها ضرره على المصالح الأمريكية في المنطقة وتهديد الأمن والسلام في عدة مناطق في العالم.
إذن الزيارة التي كانت وسائل الإعلام القريبة من الحكومة تطبل لها وتثير حولها ضجة التقارب والدعم الأمريكي اللامحدود لنوري المالكي أصبحت زيارة غير مثمرة ولا نقول أن نوري المالكي عاد كما عاد الأعرابي " بخفي حنين " لكنها كانت بدون فائدة تذكر وأنها لم تحقق طموحات نوري المالكي ومن خلفه لأسباب كامنة خلف الفشل، وباعتقادنا يبرز سبب مهم أيضاً قد لا ينتبه إليه الكثيرون وهو الصراع بين مفهوم الديمقراطية والاتحادية ومفهوم المركزية المطلقة التي يريدها المالكي وكأنه نسى ما آلت إليه مركزية الدولة وسياسة البعث العراقي وبالذات بشخص صدام حسين وبطانيته الذين خلقوا له وهماً بأنه الزعيم المطلق الذي لا يخطئ وهو ما يحصل في الوقت الحاضر وبأشخاص يلتفون حول نوري المالكي في حزب الدعوة آو ائتلاف دولة القانون أو البعض من حلفائه في التحالف الشيعي ويصفونه بأوصاف تكاد أن تكون مطلقة في الكثير من الأحيان ويهيئونه إلى دورة ثالثة لقيادة الحكومة ولا يجعلونه يرى الأداء الحكومي غير الجيد في الكثير من القضايا السياسية والخدمية والأمنية.
إن الدرس الذي يجب استيعابه من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي أو من يفكر بحل المشاكل عن طريق القوة والأجهزة الأمنية والتجاوز على حقوق الآخرين بان الفشل الحتمي مصيره، وبالعكس فان الحلول المنطقية والصحيحة هي مبدأ التفاهم والحوار والذهاب إلى حل المشاكل وليس الدوران حولها ، ومن يتصور أن أمريكا وجيشها قادرة على الإنابة عن وحدة الشعب ووقوفه إلى جانب الحكومة العادلة حكومة المواطنة الوطنية والممارسة الديمقراطية وبدون الإقصاء والتهميش والقمع والفقر والبطالة وتدني الخدمات العامة فهو يعيش عزلة الصوفي المتعبد الذي لا يرى ما يجري حوله ، ولهذا فان أمريكا أو أية دولة مهما كانت قوية بجيشها وسلاحها لن تستطيع حل المشاكل في العراق والحل الوحيد الذي يجب أن يستمع له أي مسؤول عراقي وبخاصة ممن لديهم سلطة القرار الخروج من مفهوم الطائفية والأكثرية والأقلية فالأكثرية هي التي تعني أكثرية مكونات الشعب العراقي بأديانه وقومياته وطوائفه ووحدة هذه المكونات والسياسة الحكيمة العادلة سوف تقف وبنجاح أمام أكثر المخاطر ووحدها تستطيع حل أكثرية العقد المستعصية، أما اللهاث خلف الدعم الإيراني للسماح بتدخله في الشأن الداخلي ،أو التأييد والدعم الأمريكي بدون التفاهم الوطني الداخلي سوف يساهم بتعميق الأزمة لا بل تفاقمها أكثر فأكثر وخير دليل على ما نقوله، هذا الانفلات الأمني الذي طال كل البلاد واستطاع اختراق أكثرية المؤسسات الأمنية وهذا النمو المتسارع لتنظيمات القاعدة والإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة، فمن يريد استقرار البلاد وتقدمها وتطورها عليه أن يعمل على التخلص من عقلية الاستحواذ والطائفية وان يبذل كل الجهود من اجل التخلص من سياسة الإقصاء والتهميش واعتماد أسس الديمقراطية في بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة بدون استثناء القوى الوطنية والمكونات الأساسية التي يتألف منها الشعب.