المنبرالحر

التحدي !/ محمد عبد الرحمن

اخيرا تمت الصفقة وشرّع البرلمان قانون الانتخابات الجديد، الذي جاء على غير ما طالبت به القوى المدنية والديمقراطية وعدد من النواب الاخرين، على الاقل في ما يخص جعل العراق دائرة انتخابية واحدة، واعتماد طريقة سانت ليغو الاصلية آلية في توزيع المقاعد .
ان القول بالدائرة الانتخابية الواحدة والمطالبة بالاخذ بها، ليس له صلة بالحصول على مقعد او مقعدين اضافيين، بل عند النظر عميقا في الموضوع يبين ان الاخذ بها كان قد جنبنا العديد من الاشكاليات الحالية، خصوصا ما يتعلق بالكوتا، والتي يبدو ان قائمة المشمولين بها سوف تزداد وتكبر، وتتشظى هي الاخرى .
فعندما يجري تجاهل كون العراق وطنا واحدا، وهو احوج ما يكون في ظروفه الحالية الى تعزيز وحدته الوطنية، ويتم اعلاء العناوين الفرعية على حساب المواطنة العراقية، يزداد طبعا الميل الى التقوقع والانكفاء . ومن يدري، فربما في قادم الايام سوف تطالب عشائر بعينها بكوتا لها !
حقا لم يكن التوقع كبيرا في ان تستجيب الكتل، التي راهنت وتراهن على الهاجس الطائفي والاثني وسيلة في استمرار هيمنتها وسيطرتها وادامة نفوذها. ولكن لا بد من القول ان من يدفع الى هذا التشرذم والتشظي ايا كان عنوانه، وشاء ام ابى، يقوي عناصر الفرقة ويغذي عوامل تفكيك النسيج الاجتماعي ويضعف مقومات الوحدة الوطنية .
ليس من الصحيح اطلاقا هنا المقارنة، التي يحلو للبعض الحديث عنها، مع شعوب وبلدان اخرى استقرت اوضاعها بعد مخاضات عسيرة هي الاخرى مرت بها ووصلت الى ما هي عليه. فالتقليد والتشبث الاعمى خارج ظروفه ومعطياته الملموسة، هو مثل وضع مصير وطن وشعب على كف عفريت. وهذا ينطبق على السياسة والاقتصاد، بل قل على كل شيء.
فتلبية مطلب القوى المدنية والديمقراطية بالدائرة الانتخابية الواحدة كانت ستحل طائفة من الاشكاليات، التي لم تجد حلولا لها في صيغة القانون الحالي ، عديد الثغرات، مما يجعله عرضة للنقد والطعن، والبحث باستمرار عن الافضل، بما في ذلك آلية توزيع المقاعد.
ان سانت ليغو المعدل الذي تم اعتماده، لا يوفر العدالة المطلوبة، وهو سيبقى نقطة ضعف في القانون الجديد، تحتاج الى مراجعة. فيما اتثبت سانت ليغو الاصلي الذي اعتمد في انتخابات مجالس المحافظات انه هو المطلوب ، لانه الاقرب الى العدالة النسبية .
ويبقى القانون المعتمد، وان لم يحقق كل ما اراده بعض المتنفذين الساعين الى احتكار السلطة والانفراد بها عبر غالبية مفترضة لا يسندها الواقع، يشكل تحديا كبيرا لدعاة ومناصري المشروع المدني الوطني الديمقراطي، العابر للطوائف والاثنيات، يدعوهم الى ان يشمروا عن ساعد الجد وينغمروا في البحث المعمق في ما يساعد على تحويل هذا المشروع وانصاره الى رقم مؤثر في الحياة السياسية العراقية .
انها حقا لحظات اختبار لكل القوى المدنية والديمقراطية الحقة، للمباشرة الفعلية بالحاق الهزيمة بالمشروع الطائفي، وانقاذ العراق من شروره المتطايرة، والمعروفة مسبقا. ولنا شواهد شاخصة في تجارب دول اخرى .