المنبرالحر

صحوة الشباب / محمد موزان الجعيفري

ايقظت التظاهرات التي اكتسحت الشارع العربي عيون الحكام النائمين في ابراجهم بعيدا عن معاناة شعوبهم ليختموا سجلات الاضطهاد والتجاهل والفساد والاثراء على حساب المال العام بصفحة من المواجهات الدامية نفذتها اجهزة القمع المعدة من عقود لمواجهة الشعوب وقد كشفت هذه الاحداث جملة من المعطيات التي ينبغي التوقف عندها وتأملها ومنها ان وعي الشباب واستعدادهم للتضحية ازال ركام شخصنة العقل العربي الجمعي بعد ادراكه ان لا سبيل امامه لاستعادة حقوقه سوى طريق المواجهة والتحدي وان لم يحصل عليه بالتصعيد سيحصل عليه بالمزيد من التصعيد والامر الاخر الذي تجلى هو ان بذرة الروح الوطنية لا تزال بخير في مجتمعاتنا العربية ولم ينجح الحاكم العربي على الرغم من عقود حكمه في شخصنة الوطن ومسخ المواطنين وربطهم بالحاكم كما فشل ايضا في ربط المجتمع بقيم تسيء اليه مثل السلب والنهب والتجاوز على المال العام وعدم الشعور بالمسؤولية واللامواطنة بالرغم من التفاوت والفروق الفردية بين المجتمعات، فقد توضحت لنا صورة مرعبة ومؤلمة هي ان الحكام في اغلب الاحوال كانوا اعداء لشعوبهم. ان الصراع في الساحة السياسية في البلدان العربية افرز مواجهة من نوع جديد ما بين التقليد والقديم المستهلك لبضاعة منتهية الصلاحية بادواتها التقليدية (البلطجة- الخيل- المرتزقة- الراجمات) من جهة وما بين الفتوة والشباب والتضحية والتفاؤل لصناعة المستقبل بادواتها (المقابلة- الحوار- الاعتصام- التظاهر- مواقع التواصل الاجتماعي- قوة الصمت وحيويته) من الجهة الاخرى، وهذا هو جوهر الصراع الانساني للتخلص من العنف والظلام والفساد باضدادها الحياة تحت الضوء والشمس والسعة والنزاهة، مثلما هو الصراع على مر التاريخ لازالة القيم البالية واستبدالها بقيم اكثر قوة وحيوية ووضوحا وشفافية وتأسيسا على ذلك، وتعزيزا له وجدنا مركز الصدارة والقاسم المشترك بين الحكام المخلوعين ومن هو على دكة الانتظار قد حجزه الفساد. فأرصدة الرؤساء وارصدة عوائلهم توزعت بطرق متقنة ما بين مختلف الدول والمنظمات والمؤسسات ضمن منظومة ارقام فلكية تجعلنا امام علامات استفهام كبيرة، هي كيف يتقبل هؤلاء الحكام الاثراء الفاحش على حساب فقر ومرض وتعاسة وموت الشعوب؟ مع ان الاجابة اكثر وضوحا على السؤال وهي الامتيازات التي توفرها الاستثناءات التي يضعها الحاكم اساسا لكي تتناسب مع شراهة الاستغلال واشباع رغبة الاستئثار وتبرير ذلك من خلال البطانة التي تسول للحاكم العيش والاستهتار والقفز على الدستور والقانون بل والاستخفاف بالدماء والارواح والمصائر.. ان صحوة الشباب العربي وان جاءت متأخرة بعض الشيء الا انها كشفت عن امكانيات هؤلاء الشباب على اعادة بناء منظومته واستعادة عافيته وتبدو الاليات واضحة ولكن على اساس ان لا يتم الركون الى ان المواجهة قد انتهت وان المنظومة القديمة قد دخلت وامتزجت بالمنظومة الجديدة ذلك ان التقليدي هو الاخر قادر على اعادة تشكيل نفسه وفق المتغيرات الجديدة واذا طردته المجتمعات من الباب فإنه سوف يدخل من ثقب الباب وليس من النافذة فصحوا النوم يا شعوبنا المظلومة ولتكن هذه الاحداث المقدمة الصحيحة لبداية مرحلة اخرى يجري فيها التأسيس بفكرة نجحت في تطبيقها شعوب اخرى مع مراعاة خصوصية التجربة العربية يكون فيها الرأي الفصل والحكم للشعوب وعلى الحكام العرب ان بقي احد منهم ان يستبدل الحمية والغيرة القديمة (انصر اخاك ظالما او مظلوما) بـ (انصر شعبك ظالما او مظلوما).