المنبرالحر

كل يوم يُقتل الحسين فينا / ناهدة محمد علي

لم يكن قتل الإمام الحسين تأريخاً أوصورة من صور الإضطهاد الإنساني فحسب , بل كان نضاله لأجل عقيدة عظيمة , وكان محكاً يُتبين فيه ويُكشف عن الوحش الذي في داخل الإنسان , فكل لديه نسبة من الشر قد تغلب الخير الذي فيه . لكن الوحش القابع في فصائل معينة من البشر تجد المتعة حقاً في عملية التخريب الحضاري وسفك الدماء وتحقق ذاتها من خلال ذلك , فحين يصعب عليها أن تبني فلا بد أن تهدم .
إن ثورة الإمام الحسين كانت ثورة ضد الظلم والفساد الإجتماعي والسياسي حيث أعقبت ثورة النبي محمد ( ص ) , ولم يمض عقود قليلة على هجرة النبي إلا وأحاطت قوى الظلم والإستبداد الكثيرة العدد بقوى العدل القليلة العدد . كانت قوى العدل قوية بما تمتلكه من عقيدة لذلك هاجرت طويلاً وحاربت بقوة وشجاعة , ولا أعتقد أن الإمام الحسين لما يمتلكه من حكمة قد فاته أنه ذاهب الى الموت , ومع هذا حمل دمه وكتب به صفحات تأريخية لا تنسى .
إن طبيعة العرب وللأسف تتسم بصفة الإنبهار وتحتاج أوضاعهم الى رجات قوية والى زلزال يحرك طبقاتهم وكان هذا الزلزال هو ثورة الإمام الحسين التي قلبت المقاييس وقلبت عرش الخلافة الأموية . ولا فرق هنا أن تكون هذه الخلافة قد رفعت شعارالدين والإمامة الشرعية إذ كان في داخلها ينخر سوس عملاق , وما شعارهم إلا شعار بحت وقد علم هذا الإمام الحسين ولم يعلمه الكثير أو علموه وفضلوا النوم الطويل . وهو ما يحدث في وقتنا الحالي , فما يحدث هنا هو أن شعار الدين يُرفع على أكتاف كل رئيس قادم لكنه قابل للخلع متى ما أراد ويُبدله كما يبدل ألوان ربطة عنقه , فهو يضعه في جيبه حين يمد يده لمال محرم عليه ويضعه في جيبه ايضاً حين يفتح ماخوراً في بيته ويدعي غلقها في أرجاء المدينة . لذا أعتقد أن الإمام الحسين لم يُقتل مرة واحدة بل يُقتل كل يوم فينا , فيقتل حين يموت الأطفال في مدارسهم أو حين يموتون في أحضان آبائهم في الجوامع , وهو يقتل حين يُقطع رأس لشيخ أو إمرأة بدون حق أو بظلم شديد , وحين تمتلأ الجيوء بأموال الجياع , وحين يركع الفرد الأعزل للسلاطين . إن هذا هو ما ثار لأجله الإمام الحسين فقد قدم دمه لكي لا يكون هناك سيد أو مسود ولكي يأكل الجميع خبزاً واحداً ولكي لا يمتلك أحدهم القصور الفارهة ويبقى الأرامل في العراء يحاولن شد خيامهن ولا يستطعن , ولا يتجول أحدهم لكي يطعم الأيتام في الليل كما فعل الخليفة عمر بن الخطاب . إني أشعر صادقة أن الإمام الحسين لو تولى الخلافة آنذاك لما بدل عمامته أو عباءته ولَجعل يده مبسوطة للفقراء دون أن يكون له حاشية أو عرشاً أو قصوراً يأوي بها المارقين . إن نقاء فكره الديني والإجتماعي كان سيقلب الموازين ولا أدري لما لا يتعلم قادة اليوم منه ويأخذو الجوهر لا الشكل من هذا الفكر
إن الثورة على الظلم والظالمين تحتاج دائماً الى قائد يغرق ذاته في ذوات الآخرين ويُغرق همومه الشخصية في هَم واحد ألا وهو إشاعة العدل , والعدل هنا مفهوم واسع لكنه ذا لون واحد غير قابل لإمتزاج الألوان , والعدل هنا أن لا يجوع الفقير ويُتخم الغني وأن يأمن الفرد العادي على دمه وماله وعِرضه , وأن لا يخشى بعضنا البعض الآخر فالكل سواسية كأسنان المشط , إلا أن الحقيقة أن افراد المجتمع العربي لم يكونوا أبداً كأسنان المشط أمام العدالة أو القانون لأن القانون كان دائماً لعبة يلعبها المتنفذون ويخسرها الأبرياء والضعفاء , وهذا هو بالضبط ما ثار لأجله الإمام الحسين , فلا تكفي هنا الرايات الخضراء , بل ما يكفي هنا هو أن تدفنوا مزابلكم وأن تطعموا الجياع من موائدكم ولا أقصد فُتاتكم , فما يكفي الإنسان هو كم محدود من السعرات الحرارية والباقي الزائد يحرق الجسد الذي فيه , فإن كان الشعار حقاً والمثل الأعلى حقاً هو الإمام الحسين فإمشوا في طريقه لكني أشك أن من إستطعم المال الحرام سيعرف حقاً المُثل التي ثار لأجلها الإمام الحسين وقدم لها دمه ودم أطفاله .