المنبرالحر

" البيروقراطية عامل من عوامل تفشي الفساد / رياض عبيد سعودي

يصاب المواطن بالدوار عند مراجعته دائرة او اكثر لانجاز معاملة ما وتصل حدود الهستيريا الى اقصى درجاتها عندما يفاجأ في نهاية المطاف بأنه يحتاج من اجل اتمام المعاملة الى صحة صدور للوثائق التي قدمها. وهذا يعني انتظار اكثر من شهر والتوسل بمعتمد الدائرة لتسريع ايصال الكتاب واعادة جوابه مع وعد بمكافأته اذا ما كان ايصال الكتاب الى الجهة المعنية سريعا والعودة بالاجابة بشكل سريع ايضا.
ان تعقيدات المراجعة في الدوائر الرسمية تعكس فشل النظام الاداري في بلوغ حالة من الاستجابة السريعة لمراجعات المواطن، فالوثائق الاربع التي تتطلبها معظم المراجعات للدوائر الرسمية وهي شهادة الجنسية وبطاقة الاحوال المدنية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية يضاف اليها الشهادة الدراسية وهذه الوثائق كلها قابلة للتزوير من وجهة نظر الموظف وهي بذلك تحتاج الى صحة صدور. ومن الملفت للنظر ان هذه الوثائق جميعها ضرورية لكل معاملة حتى وان كانت غير ذات اهمية. ثم يأتي بعد ذلك دور الموظف ومزاجيته حيث ان غيابه يعني انتظار المواطن ك? مدة غيابه ولا يحق لغيره من الموظفين ان يقوم بعمله، ولم نجد في معظم الدوائر من يوفر بديلا لتمشية المعاملات. عند غياب موظف فيها. ومن المؤسف ان قرارات التحديث في الادارة واستخدام الاجهزة المتطورة ظلت بعيدة عن ادارات الدوائر والمؤسسات والاعتمادات على المعاملات الورقية وخاصة دوائر الجنسية والسفر والشرطة والاحوال المدنية وغيرها من اجهزة الدولة المهمة. هذا اضافة الى ان كافة الوزارات تشترط فيما يتعلق بالتعيينات الحاجة الى الشهادة المدرسية او الجامعية. وصحيح ان الشهادات المزورة قد بلغ عددها حدودا غير معقولة الا ان?ذلك لا يعني تحميل المواطن آثار هذه الحالات من خلال انعكاسها على طبيعة سير المعاملة، فمصادر هذه الشهادات يمكنها ان تضع الكثير من الاشارات التي تؤكد صحتها والتي تمنع التزوير.
ان الفشل في النظام الاداري كان سببا من اسباب في تفشي الفساد المالي والاداري. فبالإمكان الان تمشية اي معاملة مهما كانت التعقيدات فيها من خلال وسائل تسريع المعاملات بدفع الرشاوى، ولكن تمتد فترة انجاز معاملة وان كانت بسيطة لعدة اشهر اذا اصر صاحبها على السير بها وفق الاصول والتعليمات الادارية المعتمدة لانها قد تبقى مفقودة لمدة يضطر المواطن في النهاية على الرضوخ لارادة الموظف مباشرة او من خلال الوسطاء. ويقدر ان اكثر من 50 بالمئة من المعاملات تتم بطريقة التسريع مقابل الخضوع للابتزاز بسبب التعقيدات التي تم فرضها ?لى المواطن بدعوى التعليمات التي تشكل في معظمها نوعا مقيتا من البيروقراطية التي بدأ المواطن يشعر بالامتعاض منها لاحساسه بالقهر مقابل هذه التعليمات المعقدة والموظف المتشبث بها من اجل غايات بعيدة كل البعد عن اخلاق الوظيفة.
ان ما ساعد على تفشي هذه الحالات من التعقيدات والبيروقراطية هو وضع الرجل غير المناسب كفاءة وتخصصا في المكان الصحيح بسبب المحاصصة السيئة التي رشحت الى الجهاز الاداري للدولة اسوأ الكوادر والذين تنقصهم الخبرة والاختصاص العلمي وهي الشروط المهمة للادارة العلمية لوظيفة الدولة. ومن المؤكد ان المعاملة التي تتوزع بين اكثر من وزارة او مؤسسة ولكل منها فلسفتها في الادارة يجد المواطن نفسه بين خيوط عنكبوتية ليس لها نهاية تستأثر بوقت غير قصير من جهد ووقت المواطن مسببة له احباطات مدمرة تدفعه الى مزيد من التذمر. فالكل يعمل ?كأنه في عراق آخر، وكل يعمل والمواطن امامه مثار شبه ومشكوك في امانته في كل ما يقدمه مهما كانت منزلته الاجتماعية ومكونه الانساني وعليه نقترح ان تشكل لجنة في امانة مجلس الوزراء وبرئاسة احد المسؤولين الكبار وعضوية ممثلين عن اهم الوزارات ذات العلاقة بالمواطن لاستعراض ومناقشة اساليب عملها والغاء الحلقات والاجراءات غير الضرورية التي من شأنها زيادة معاناة المواطن واختصار الحلقات غير المهمة في عمل الدوائر عموما.