المنبرالحر

مفارقة مؤلمة / مرتضى عبد الحميد

ما أجمل أن تسمع خبراً مفرحاً، يعيد إليك توازنك، ويشيع الأمل فيما تبقى من حياتك الآفلة، وسط هذا الخراب الذي نعيشه، وسحب الحزن التي أطبقت على حياة العراقيين، في كلّ مناحي حياتهم. فلا العملية السياسية على السكة الصحيحة، ولا حياتهم يستطيعون الحفاظ عليها، ولا الخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم كباقي عباد الله حتى في دول اقل ثراء منا بكثير. ولا اغلب دوائرنا الرسمية تؤدي واجباتها حتى بالحد الأدنى، ولا أظن أن عراقياً يتمنى أن تكون له معاملة في إحدى هذه الدوائر، ليراجعها، إلا من كان له وسيطاً فيها، أو يضطر إلى التو?يق على الرغم منه، «وعلى عينك يا تاجر».
القائمة تطول والكل يعرفها، ومستاء منها، لكن التحرك لإصلاح هذه الحالة الشاذة دون المستوى المطلوب بكثير.
نعود إلى موضوعنا، وهو الخبر المفرح، فقد نشرت الصحف ووكالات الأنباء، النبأ المثير، الذي كشف عن دراسة عالمية نشرتها شبكة «غود نت» عن ترتيب دول العالم وفقاً لمعدلات الذكاء فيها، وذلك بأستخدام المقياس العلمي الشهير «أي كيIQ « وهو مايعرف بمتوسط نسبة الذكاء، وتضمنت الدراسة تصدر الفرد العراقي قائمة البلدان العربية بنسبة الذكاء، وبمتوسط قدره (87) درجة، الأمر الذي جعل العراق يحتل الموقع الـ (21) عالمياً، وهي نسبة مرتفعة، تكشف عن الطاقات والإمكانيات الرائعة الكامنة والمعلنة بين أبناء شعبنا العراقي، وكلنا يعرف أيضا? أن العراق، قبل تسلط زمرة «صدام حسين» على مقاليد الحكم، كان يحتل المرتبة الأولى في عدد المثقفين والمتعلمين بين أشقائه في الدول العربية. وتنشر كفاءاته العلمية والأدبية اليوم في كل بقاع الدنيا، وقسم كبير منهم يترأسون مستشفيات وجامعات ومؤسسات علمية مرموقة في أرقى بلدان العالم، فيما يكتفي المسؤولون العراقيون بعقد المؤتمرات والندوات التي يفترض فيها أن تكون وسيلة وأداة لاحتضان هذه الكفاءات، وتوفير الأجواء الجاذبة لهم، وتيسير عودتهم لخدمة وطنهم وشعبهم.
من يقرأ هذه المقالة سيقول في نفسه (ومن أين ياحسرة) ومن يقوم بذلك؟! سيما والمتنفذون يجسدون بأمتياز القوة الطاردة لكل هؤلاء المبدعين.
ألا ترون معي بأنها مفارقة من العيار الثقيل، بين تصدر العراق قائمة الدول العربية في نسبة الذكاء، وبين نهج وأداء من يتصدى للحكم في هذا البلد المنكوب؟
سيضيف المنصفون بأنها مفارقة حقاً، لكنها مفارقة مؤلمة، وسيظل الشعب العراقي يدفع ثمنها باهظاً، إلى أن يستطيع الفرز بين من يمثله حقاً، ويدافع عن حقوقه ومصالحه المشروعة، وبين الذين يضحكون على الذقون، ولا يعملون سوى إعادة إنتاج الأزمات، ومحاولة تأبيدها، رغم أن ذلك حبله قصير، ويتناقض كلياً مع منطق الحياة، فهل تستيقظ الضمائر التي نامت طويلاً؟