المنبرالحر

موسم الضجيج.. والحساب / عبد المنعم الاعسم

الانتخابات فرصة للجميع. منهم مَن يخشى الهزيمة، بوصفها كارثة، لأنه سيخسر كل شيء في حسابات السياسة والمال والوجاهة والمناصب والمكارم عابرة الحدود، ومنهم من لا يخسر، في حال هزيمته، غير أغلاله.
والانتخابات، الى ذلك، فرصة لكشف الحساب عما حل بالبلاد من مصائب، وعمن هو مسؤول عنها، حيث يبذل المسؤولون عن تلك المصائب، ومن مختلف المواقع والساحات، جهودا مضنية وأموالا طائلة لتبرئة النفس من خطايا ارتكبوها في وضح النهار، وسيترامون بها مع بعضهم من وراء الشاشات الملونة، وعبر وكلاء مدربين على الزعيق وتدبير الوثائق المغشوشة وحفر الخنادق الطائفية والبكاء على المصلحة العامة وسيادة البلاد. وفي كل يوم يظهرون بلغة وسيماء، وبالشيء ونقيضه، وكأن الداعية منهم قد انشطر الى عدد غير متناه من الوحدات السياسية الغامضة، تنفي بعضها البعض، وتتضارب هذه مع تلك.
انظروا الى كومة بيانات النفي وعبارات "لا صحة له" او "فُهم خطأ" او "جرى تحريف الكلام" في ملاسنات انتخابية تُسيّس كل شيء بما فيه فواجع الأمهات على ضحايا التفجيرات، وضمن انفعالات تفيض بالزيف. وقد كان فرويد على حق حين أعاد مثيلاتها الى علل جنسية.
ثم تعالوا الى فذلكة غريبة ومضحكة أنتجتها ماكنة الدعاية الرخيصة بأقل ما يمكن من المهارة وبأكثر ما يُستطاع من الاستهبال، وقد بقيت من دون براءة اختراع، إذ نطالع على مدار الساعة هذه العبارة :"صرّح مصدر مقرب من الزعيم الفلاني لم يرغب أن يذكر اسمه" وقبل أن نسأل: ليش ما يذكر اسمه، وممن يخاف، وما العبرة من ذلك، يتكاثر المعقبون ممن لا يرغبون (هم أيضا) الإعلان عن أسمائهم، ثم نكتشف ان السبب بسيط، بل وابسط مما يُعتقد، وهو ان صاحب التعقيب يلفق معلومة او تهمة أو رسالة تتضمن حشوة انتخابية مغشوشة تستهدف التشويش على منافس?، والأخير، بدوره، سرعان ما يرد على غريمه بتصريح رنان لـ"مصدر لم يذكر هويته" وحين نتهجاه نرتعب مما يحمله من الالغام والتهديدات ولغة التجييش، وهكذا يمتلئ الميدان بالضجيج وأعمدة الدخان والجثث والأكاذيب.
السؤال هو كيف يمكن تحويل الانتخابات الى فرصة حقيقية لتكون ساعة حساب، ينهزم فيها أولئك الذين أخفقوا في الوفاء الى وعودهم، وأولئك الذين تلاحقهم طعون الفساد، وأولئك الذين وضعوا في مسؤوليات اكبر من مقاسهم وكفاءتهم، وينتصر فيها اصحاب الأيادي النظيفة، الذين جربت الفرص كفاءتهم، ونزّهت الساحات مواقفهم، فلم يخذلوا ناخبيهم.. إنها ساعة الحقيقة، أيضا، التي تحل مع تمايز الخيط الابيض عن الخيط الأسود، إذ يبلغ السيل الزبى، وتتحرر الفروض من مزاد الأكاذيب.. "يوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون عليها".. يقف?ن، حينها، في نقطة الحرج، فان"ساعة الحظ لا تعوّض". وان مآل الأقدار الى حساب: فهذا لك، وهذا عليك.. آنذاك ستهرب العيون الى دقات بيك - بن التي تزن ما يقرب من اربعة عشر طنا، او الى ساعة متروبوليتان للتأمين على الحياة في نيويورك.
لنتذكر ان اكبر سجن لساعة الحقيقة هو سجن المسكوت عنه. وان اكبر المستفيدين من اعتقال ساعة الحقيقة هم أولئك الصغار الذين صعدوا، وصعدوا، وصعدوا في غفلة، او صفقة، او طربكة "فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".. بعد ذلك فان ساعة الحقيقة غير ساعة الصفر.. الأولى، لحكمة المراجعة، والثانية لخيار التآمر.. وبينهما نحن الشهود الذين عشنا تلك وهذه.

*********
"الديمقراطية عملية تمكن الناس من اختيار الرجل الذي ينال اللوم".
برتراندرسل