المنبرالحر

تركيا: تفجر الغضب الشعبي المكبوت يرعب اردوغان / رشيد غويلب

منذ الحادي والثلاثين من ايار الفائت تجتاح اغلب المدن التركية حركة احتجاجية جماهيرية واسعة يشارك فيها مئات الآلاف من الشبيبة والناشطين الاجتماعين، مدعومة من اكبر الاتحادات النقابية العمالية في البلاد ، اتحاد نقابات العاملين في القطاع العام، وتشارك فيها ايضا الاحزاب السياسية المعارضة للحكومة، اليمينية و اليسارية على حد سواء.
وكانت خطط الحكومة الاسلامية المحافظة لتدمير الطابع الحضاري والتاريخي لمدينة اسطنبول، وهدم عدد من احياء المدينة الفقيرة لصالح مشاريع سكنية وبناء جسور واسواق تلبي نهم الليبراليين الجدد لتحقيق الارباح وتكديس الاموال قد فجرت الحركة الاحتجاجية، وخصوصا توجه الحكومة لازالة حديقة «غازي» القريبة من ساحة «تقسيم» الرئيسية في اسطنبول، ولكن طابع الحركة واتساعها واستمرارها يعكسان الاسباب الحقيقية التي ادت الى اندلاعها والتي لايمكن حصرها في السعي لازالة حديقة عامة.
ويرى محللون يساريون اتراك ان ما يجري اليوم في بلادهم يمكن مقارنته بالانتفاضة العمالية التي شهدتها تركيا يومي 15 و 16 حزيران 1970، وان الناس يعيشون حاليا تجربة تاريخية مؤثرة، سوف لن تكون تركيا بعدها كما كانت من قبل.
ان الطابع العفوي للحركة الاحتجاجية يعبر عن غضب جماهيري مكبوت، ويعلن عن «ربيع تركي» متأخر نمت بذوره ببطء، ومنذ وقت طويل. لقد جاء حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى السلطة بعد الازمة الاقتصادية المدمرة في عام 2001. واستطاع الحزب من خلال تبنيه سياسة الليبرالية الجديدة الصارمة معتمدا على تدفق الاموال الاجنبية المستمر، وخصوصا من السعودية وقطر، في كسب دعم جماعات رأسمالية محلية مختلفة. واستطاع اردوغان وحزبه الحفاظ على الاكثرية البرلمانية للمرة الثالثة، من خلال اطلاق وعود سياسية لحل القضية الكردية حلا سلميا، والتصعيد في مواجهة الجنرالات الكماليين في المؤسسة العسكرية.
ولكن في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد الاستفتاء على الدستور عام 2010، أصبح الوجه القمعي لهيمنة اسلاميي الليبرالية الجديدة واضحا على نحو متزايد، والى جانب الخصخصة للاقتصاد، واسلمة نظام التعليم، والحرب اليومية في المناطق الكردية، والاعتقالات ومحكمات المئات من ممثلي الشعب المنتخبين باتهامات باطلة، تكررت حملات المداهمة والاعتقال ضد النقابيين، وناشطي مختلف المنظمات السياسية والاجتماعية ذات التوجهات اليسارية، واحتواء السلطة القضائية ووسائل الاعلام، وكان هذا كله مصحوبا بقضم تدريجي للحريات الشخصية وملامح الدولة المدنية ضمن خطة تهدف لأسلمة الدولة، بما في ذلك العمل الجاد لتغيير الدستور بما يتلاءم مع محاولات اردوغان وحزبه احكام قبضته على جميع مناحي الحياة في تركيا. وكان العنف الذي استخدمته الشرطة ضد المحتفلين في الاول من ايار، ومنع النقابات العمالية من تنظيم تجمعاتها في ساحة «تقسيم» التي تمثل مكانا ذا رمزية بالنسبة للحركة النقابية، الحدث الذي مهد الطريق لاندلاع الانتفاضة الحالية.
يضاف الى ذلك سياسة خارجية اقليمية مدمرة مبنية على دعم الجماعات الاسلامية المتطرفة، والتدخل باشكال مختلفة في الشؤون الداخلية لبلدان الجوار سواء كان ذلك في العراق، او في الصراع المحتدم في سوريا، ومحاولة تحويل تركيا الى شرطي لمراكز القرار الرأسمالية في المنطقة.
واليوم يستمر مئات الآلاف بالاحتجاج ضد سياسة الحكومة الاستبدادية و من اجل السلام والحريات والحقوق المدنية. ويحاول الحزب الجمهوري اليميني المعارض احتواء الاحتجاجات وهو امر صعب التحقيق اذا ما تعزز التعاون بين جموع الشبيبة المحتجة، والحركة النقابية، والقوى اليسارية، وحركة الشعب الكردي التحررية، وجميع الساعين حقا الى السلام والديمقراطية، لتنظيم مقاومة مجتمعية تفوت الفرصة على اليمين المعارض، والحكومة الاسلامية، والسير بالحركة الاحتجاجية الى اهدافها المرجوة.
موقف حكومي متغطرس
وعلى الرغم من تصاعد الحركة الاحتجاجية واتساعها تصر حكومة رجب طيب اردوغان على التمسك بخططها التي فجرت الازمة، وتقوم قوات الشرطة بمواجهة المحتجين بالغازات المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، كما استخدمت الشرطة في بعض المدن الاسلحة الجارحة، وتشير وسائل الاعلام، حتى اعداد هذا التقرير الى استشهاد ثلاثة محتجين، واعتقال المئات، وجرح ما لا يقل عن 5 آلاف محتج، واعتقال العديد من متصفحي التويتر والفيسبوك عقابا على حملة التعبئة السريعة التي مارستها الشبيبة عبر منتديات التواصل الاجتماعي، كما جرى اعتقال العشرات من الاجانب، بما في ذلك طلبة البعثات القادمين من دول الاتحاد الأوروبي.
من جانبه شن رئيس الوزراء التركي، العائد من زيارة لبلدان شمال افريقيا، شن في كلمة له امام تجمع لانصاره في مطار «اتاتورك»، هجوما هستيريا ضد المحتجين متهما اياهم بفقدان المصداقية، وانهم حولوا الديمقراطية الى تخريب. وكالعادة اتهم اردوغان قوى اليسار التي وصفها بالمتطرفة بالوقوف وراء الانتفاضة، واصفا المحتجين بالإرهابيين.
حركة تضامن واسعة
وانطلقت في العديد من بلدان العالم حركة تضامن واسعة وباشكال مختلفة مثل تنظيم التجمعات والتظاهرات التضامنية في العديد من البلدان الأوروبية، بمشاركة واسعة للمواطنين الأتراك المقيمين في هذه البلدان، بغض النظر عن هويتهم القومية والدينية. وأصدرت العديد من شخصيات وقوى اليسار في العالم تصريحات ونداءات تضامن مع المدافعين عن قيم السلام والتقدم والحياة المدنية في اكثر من 67 مدينة تركية.