المنبرالحر

المغيبة سناء عبد المحسن السوداني / تضامن عبدالمحسن السوداني

حينما اردت استبدال صورتي على واجهة صفحتي في الفيسبوك، خطر ببالي ان اضع صورة اختي المغيبة (سناء عبد المحسن) فجاءت التعليقات بين مستذكر لميزاتها ونضالاتها، وبين متسائل عن صاحبة الصورة وبين من ظن انها انا، للشبه الكبير بيننا.
هنا ألّح الاهل على كتابة بضعة سطور عنها استذكارا وتذكيرا ومحبة.
(سناء عبدالمحسن) مناضلة شيوعية من مواليد 30/آب/1955، خرجت ظهيرة 31/12/1980... ومن يومها غابت. سمعنا قصصاً عن آخر يوم لها وعن ملاحقتها من باب المعظم إلى مدينة (الثورة) حيث كانت متوجهة إلى بيت زوجها، لكنها وبعد ان تعبت من الملاحقة اضطرت إلى ان تحيد عن دربها لتمر عند احد الاقارب الذين يفصل بيتهم عن بيت اهل زوجها (عبرة) شارع، وبعد ان لفوها بعباءة في محاولة للتضليل وايصالها إلى اقرب نقطة ضاعت سناء ولم تعد.
(سناء) لمن لم يسمع بإسمها فراشة ملونة او طير عشريني، اختارت طريق النضال في الحزب الشيوعي منذ ان كانت طالبة في اعدادية الصناعة اي قبل ان تبلغ الثامنة عشرة، وبقيت كذلك حتى تزوجت وهي في الـ22من عمرها. اذكر كنت اذهب معها، وانا طفلة، إلى رفاقها لتوزيع المنشورات، كما اذكر اننا نحن الاخوة الصغار كنا ننتظر رفاقها حينما يريدون القدوم إلى بيتنا لعقد اجتماعاتهم السرية...وكم جمع بيتنا اجتماعات سرية.
سناء حفيدة (الشيخ حسين مهدي الساعدي) الشيوعي المناضل في مدينة العمارة والذي مات نتيجة اصابته بمرض السل بسبب الظروف الصحية السيئة التي كان يعاني منها السجناء السياسيون في سجون الانظمة الفاشستية التي مر بها العراق. وقد تربت في عائلة شيوعية من الاهل والاقارب، وكانت الوحيدة من بيننا نحن التسعة من الاخوة والاخوات التي تمسكت بالنضال في الحزب فقد كانت والدتي تخاف زيارة الامن لبيتنا وكانت تمنعها خاصة حينما بدأ نظام البعث بحملة اعدام المناضلين الشيوعيين في 1979. واصلت عملها الحزبي بعد زواجها، ولم تهدأ بل استمرت رغم صعود الكثير من رفاق الحزب الشيوعي العراقي إلى كردستان العراق لتشكيل جبهة الانصار، أو هاجروا إلى خارج البلاد في حينها.
وقبل ذلك انتمت الشهيدة سناء الى اتحاد الطلبة العام في العراق، كما انها واظبت على حضور كل نشاطات واحتفالات الحزب الشيوعي، ولم تكن تتأخر عن تأدية مهامها الحزبية وتوزيع الصحيفة في ايام العمل السري.
وفي مجال عملها حينما تم تعيينها في وزارة الزراعة كانت تحرض العمال على نيل حقوقهم المشروعة في الضمان الصحي والاجتماعي وزيادة الرواتب، وغيرها من الحقوق المغبونة. وقد تعرضت بسبب ذلك عدة مرات الى الاستجواب في مراكز الشرطة والفرق الحزبية انذاك حتى تم اجبارها على التوقيع بالاعدام في حال استمرارها بالعمل الحزبي، واعتبارها خائنة للوطن، الا انها لم تتوقف. ومما اذكره انها كانت تجمعنا نحن الصغار في غرفة من غرف البيت لتوجهنا الى السلوك الصحيح والى محبة الناس، وكانت دائما تقول (لا تخافوا من اي شيء.. مادمتم على حق، ولا تخطئوا حتى لا تفتحوا للآخرين مجال الايقاع بكم في فخ نقطة الضعف) مازالت كلماتها ترن في اذني ومازلت اتذكر المكان الذي كان يجمعنا. تقول الاخت الكبرى (انتصار عبدالمحسن) عنها: كانت يرحمها الله، متحدية مغامرة بروحها من اجل احقاق الحق، بالرغم من الظروف الصعبة وملاحقة اعضاء الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، لكنها استمرت باعمالها الوطنية، الى ان ارغموها على توقيع قرار الاعدام، اعتقد كان رقمه (200)، في حال قبض عليها متلبسة بالعمل الوطني وقد اطلق عليه حينها (خيانة الوطن). من هنا بدأت معاناتها فقد امعنت والدتي في الضغط عليها لتوقف نشاطاتها الحزبية، وزاد ضغط المراقبة من افراد حزب البعث في المنطقة وافراد الامن، حتى تزوجت وشاءت الصدف ان يكون والد زوجها من افراد الامن.
ومن يومها لم يرها احد، وسألنا كثيرا وبحثنا عنها ولكن لم نحصل على جواب، وفي حينها كان من يسأل يعتبر مجرما ويهددونه بالاعتقال، ولكن ابي رحمه الله لم يتوقف عن السؤال عنها، واذكر يوما ذهب الى وزير الداخلية سمير عبدالوهاب ليستفسر ان كانت ما تزال على قيد الحياة، لكننا فوجئنا بعد ايام بورقة من مركز الشرطة تحذرنا السؤال والا تعرضنا للاعتقال جميعا.
سناء في الذاكرة لم ترحل.. لكنها لو بقيت معنا، لكان اللقاء معها اجمل.