المنبرالحر

ضوء على قانون التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم ( 21 ) لسنة 2008 تعزيز للنظام اللامركزي في العراق / فرحان قاسم*

ان الاسباب الموجبة لاصدار قانون رقم ( 21 ) لسنة 2008 هي كما جاءت في القانون " سعة الاختصاصات التي منحها دستور جمهورية العراق للمحافظات واداراتها ولغرض تنظيم هذه الاختصاصات والصلاحيات بما ينسجم مع شكل الدولة الجديد القائم على اساس النظام الاتحادي ( الفدرالي ) و النظام اللامركزي " لذلك يمكن القول بان هذا القانون يعد نقلة نوعية في تاريخ العراق القديم والحديث حيث ساد فيه الحكم المركزي وطبعته سمات دولة الاستبداد .
لاسباب عديدة وعلى راسها حداثة النظام اللامركزي في العراق واجه هذا القانون صعوبات جمة في التطبيق حيث اصدر مجلس النواب قانون تعديله الاول رقم (15) لسنة 2010 وقانون تعديله الثاني بالقرار رقم (19) لسنة 2013 وجاء في الاسباب الموجبة لاصدار هذا القانون ما يلي " لاجل معالجة النواقص التي ظهرت من خلال تطبيق قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 وتوسيع صلاحيات السلطات المحلية وزيادة الموارد المالية للوحدات الادارية بما يمكنها من ادارة شؤونها "
ويمكن تحديد اهم التعديلات الواردة في قانون التعديل الثاني:
اولا: الصلاحيات الرئيسة لمجلس المحافظة :
1- التشريع : اكدت المادة (2) في قانون التعديل الثاني رقم 19 لسنة 2013 اولا (بان مجلس المحافظة هوالسلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق اصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من ادارة شؤونها وفق مبدا المركزية الادارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية) وبهذا التعديل ازيل اللبس والغموض عما ورد في المادة (2) اولا من قانون رقم 21 لسنة 2008 (مجلس المحافظة هو اعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الادارية للمحافظة ...) لان هذه المادة توحي بوجود سلطات تشريعية ادنى من مجلس المحافظة كما ان التعديل وسع من سلطة مجلس المحافظة لتشمل المحافظة كلها وليس الحدود الادارية فقط .
كما عززت المادة (2) رابعا من دور الحكومات المحلية (تكون الحكومات المحلية مسؤولة عن كل ما تتطلبه ادارة الوحدات الادارية وفق مبدا اللامركزية).
واكدت المادة (2) خامسا وسادسا على قضيتين اساسيتين (الاولى) هي الصلاحيات المقررة للحكومات المحلية عدا الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية و(الثانية)هي اولوية قانون المحافظات غير المرتبطة في اقليم في حالة الخلاف بينهما .
مما تقدم في حقل التشريع حقق التعديل ازالة اللبس عن بعض النصوص و اكد على افضلية قانون مجالس المحافظات غير المرتبطة باقليم في حالة الخلاف اذا كان القانون يخص المحافظة ويقع ضمن الاختصاصات المشتركة الواردة في الدستور .
2- الرقابة : اكدت المادة (رابعا) سادسا على (الرقابة على جميع انشطة دوائر الدولة في المحافظة لضمان حسن اداء عملها) وبهذا النص فان الرقابة مطلقة غير مقيدة ولم تستثن اي دائرة من رقابة المجلس . ومنح التعدبل مجلس المحافظة صلاحية تعيين واعفاء اصحاب المناصب العليا في المحافظة وحدد اليات ذلك كما منح التعديل المحافظ صلاحية الوزير المختص واتخاذه الاجراءات الادارية والقانونية بحق موظفي الدولة .
3- التخطيط : يقوم مجلس المحافظة كما ورد في المادة (4) رابعا (برسم السياسة العامة للمحافظة وتحديد اولوياتها في المجالات كافة وبالتنسيق المتبادل مع الوزارات والجهات المعنية وفي حالة الخلاف تكون الاولوية لقرار مجلس المحافظة) .
4- الموازنة : منحت التعديلات مجالس المحافظات صلاحية اصدار التشريعات المحلية لتنظيم الشؤون المالية والادارية و كذلك المصادقة على مشروع الموازنة المحال من المحافظ واجراء المناقلة بين ابواب الموازنة واعداد مشروع الموازنة الخاص بالمجلس كما تناول التعديل توسيع الموارد المالية للمحافظة : حيث تتكون الموارد المالية للمحافظة مما ياتي :
1: " ما تخصصه الموازنة الاتحادية للمحافظة بما يكفي للقيام باعبائها و مسؤولياتها وحسب نسبة السكان فيها و درجة المحرومية وبما يؤمن التنمية المتوازنة لمناطق البلاد".
2: " الايرادات المتحققة في المحافظة عدا النفط والغاز وتشمل :
اجور الخدمات التي تقدمها والمشاريع الاستثمارية التي تقوم بها .
الضرائب والرسوم والغرامات المفروضة وفق القوانين الاتحادية والمحلية النافذة ضمن المحافظات .
بدلات بيع وايجار اموال الدولة المنقولة وغير المنقولة.
بدلات ايجار الاراضي المستغلة من قبل الشركات .
الضرائب التي يفرضها المجلس على الشركات العاملة فيها تعويضا عن تلوث البيئة وتضرر البنى التحتية .
التبرعات والهبات التي تقدم للمحافظة وفق الدستور والقوانين الاتحادية .
نصف ايرادات المنافذ الحدودية .
خمسة دولارات عن كل برميل نفط خام منتج في المحافظة و خمسة دولارات عن كل برميل نفط مكرر في مصافي المحافظة وخمسة دولارات عن كل (150) مترا مكعبا منتجا من الغاز الطبيعي في المحافظة "
3 : " تخصص السلطات المحلية حصة عادلة للوحدات الادارية التي تتبعها بما يكفيها للنهوض باعبائها ومسؤولياتها وحسب نسبة السكان .
5- الشخصية المعنوية : من اهم التعديلات التي وردت في قانون التعديل الثاني في المادة (2) ثانيا هو " تتمتع المجالس بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ويمثلها رئيسها او من يخوله " وبهذا التعديل تم منح مجالس المحافظات الاعتبار الشخصي من الناحيتين القانونية والاستقلال المالي وله حق اقامة الدعاوى والخصومة امام القضاء .
مما تقدم يتضح ان التعديل الثاني في المجال المالي عزز من دور مجلس المحافظة والمحافظة في جانبي صلاحية التشريع و زيادة قدرة الحكومات المحلية المالية ومنحها المرونة الكافية في المناقلة بين التخصيصات مما يجعلها قادرة على تحقيق اهدافها في حالة الاستغلال الامثل للموارد .
ثانيا : صلاحيات ديوان المحافظة الرئيسية :
1- الاجراءات والقوانين الادارية : منح التعديل الثاني المحافظ الصلاحيات الاتية: "اتخاذ الاجراءات الادارية والقانونية بحق موظفي الدولة العاملين في المحافظة وفقا للقوانين الخاصة بهم ويخول صلاحية الوزير المختص".
2- للمحافظ سلطة مباشرة على كل الاجهزة المكلفة بواجبات الحماية وحفظ الامن والنظام العاملة في المحافظة " و " تنسق السلطة الاتحادية مع المحافظ مسبقا عندما تنفذ مهام امنية ضمن المحافظة " .
ثالثا : سلطة ادارة الموارد :
1- الموارد المالية للمحافظة : حددت التعديلات كما بينا سابقا مصادر الموارد المالية للمحافظة بما يلي : ماتخصصه الموازنة الاتحادية والايرادات المتحققة في المحافظة عدا النفط والغاز .
2- تخصيص الاراضي : منحت الفقرة (4) حادي عشر مجلس المحافظة صلاحية :
"تخصيص ملكية الاراضي العائدة للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة للمحافظة لغرض اقامة المشاريع الخدمية والعمرانية في المحافظة وبموافقة مجلس الوزراء باستثناء الاراضي الاتية : (وردت سبعة استثناءات افرغت هذه الفقرة من محتواها الحقيقي لانه في الواقع لم تعد هناك اراضي يستطيع مجلس المحافظة وخصوصا في بغداد من تخصيصها) والاستثناءات هي : " الاراضي الواقعة خارج الحدود البلدية للمحافظة او القضاء او الناحية، الاراضي الزراعية والبساتين مهما كان جنسها او نوعها، الاراضي القائمة عليها مشاريع او المخصصة لاقامة مشاريع عليها، الاراضي المخصصة للاستثمار في المحافظة، الاراضي المخصصة لمؤسستي الشهداء والسجناء، الاراضي المخصصة للاوقاف، المناطق الخضراء وبما لا يتعارض مع التصميم الاساسي للمحافظة والمواقع النفطية والاثرية".
الموافقة على اقامة المشاريع الاسكانية على الاراضي العائدة للوزارات والمخصصة من قبلها للمحافظة.
رابعا : الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات :
ورد في التعديل الثاني المادة (45) اولا : " تؤسس هياة تسمى (الهياة العليا للتنسيق بين المحافظات) برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزراء (البلديات والاشغال العامة، الاعمار والاسكان، العمل والشؤون الاجتماعية، التربية، الصحة، التخطيط، الزراعة، المالية، الشباب والرياضة و وزير الدولة لشؤون المحافظات والمحافظين و رؤساء مجالس المحافظات تتولى ما ياتي :
"نقل الدوائر الفرعية والاجهزة والوظائف والخدمات والاختصاصات التي تمارسها وزارات البلديات والاشغال العامة، الاعمار والاسكان، العمل والشؤون الاجتماعية، التربية، الصحة، الزراعة، المالية، الشباب والرياضة) مع اعتماداتها المخصصة لها في الموازنة العامة والموظفين، والعاملين فيها الى المحافظات في نطاق وظائفها المبينة في الدستور والقوانين المختصة بصورة تدريجية ويبقى دور الوزارات في التخطيط للسياسة العامة". وتضمنت هذه الفقرة اليات متعددة لانجاز مهمات هذه الهياة .
ملاحظات تقويمية لقانون التعديل الثاني رقم (19) لسنة 2013
التعديل الثاني رقم 19 لسنة 2013 يعتبر انتصارا لتعزيز النظام اللامركزي في العراق وخطوة مهمة في ارساء التقاليد الديمقراطية التي تستند عليها الفدرالية في توزيع السلطات لانه نقل مجلس المحافظة الى هيئة ذات شخصية معنوية ترسم سياسة المحافظة لمختلف المفاصل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال سلطته التشريعية اضافة الى كونه يمتلك سلطة رقابية على كافة الدوائر ضمن المحافظة .
ورغم نشره في جريدة الوقائع العراقية العدد 4284 قي 5/8/2013 الا ان طريق تنفيذه يواجه صعوبات جمة لوجود طعن حوله امام المحكمة الاتحادية اضافة الى :
1- ان الكثير من فقراته تواجه تقاطعات مع الكثير من القوانين والتعليمات التي تمت صياغتها سابقا لكي تتلاءم مع متطلبات النظام المركزي في الحكم الامر الذي يفرض ضرورة اعادة النظر في الكثير من التشريعات المالية والادارية التي تمنع هذا التعديل من العمل لكي يصار الى تشريعات وتعليمات وانظمة تسهل عمل هذا التعديل وتجعله قابلا للحياة والتطور بدلا من اعاقته قبل ولادته .
2- لم يحدد التعديل الاليات التي يتم فيها تشريع القوانين والانظمة مثلما فعل الدستور بالنسبة للبرلمان حيث وضع الية واضحة ساعدت البرلمان في انجاز العديد من القوانين التي شرعها حيث حددت المادة (60) من دستور جمهورية العراق الية تقديم واقرار مشاريع القوانين " مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء " و " مقترحات القوانين تقدم من عشرة من اعضاء مجلس النواب او من احدى لجانه " بينما لم يرد في قانون رقم (21) لسنة 2008 او تعديلاته اي اشارة لاية الية لتقديم او اقتراح مشاريع القوانين .
3- وردت في التعديل بعض الفقرات تحمل في طياتها صعوبة او استحالة تطبيقها ورغم اهمية تلك الفقرات بالنسبة لعمل مجلس المحافظة الا ان الاستفادة منها تكاد تكون معدومة مثل الفقرة (4) حادي عشر من قانون التعديل والخاصة بالاراضي، ومن المعروف ان احدى العوائق الرئيسة امام تنفيذ مشاريع المحافظة هي عدم او قلة الاراضي ويفترض بهذه الفقرة ان تحل هذه المشكلة ولكنها في واقع الحال لم تفعل الشيء الكثير لانها وضعت استثناءات كثيرة تمنع مجلس المحافظة من تخصيص اراضي لمشاريعه .
4- ان تطبيق تعديل القانون يتطلب الارتقاء بالحكومات المحلية بشقيها السلطة التشريعية (مجلس المحافظة) والسلطة التنفيذية (المحافظة) الى مستوى يؤهلها لادارة شؤون الدوائر الفرعية والاجهزة والوظائف والخدمات والاختصاصات المنقولة من سبع وزارات الى الحكومة المحلية وهذا امر يتطلب تطوير النظم الادارية والحسابية باعتماد مبادئ الحوكمة ولابد من ان تقوم الحكومات المحلية بتهيئة كافة مستلزمات ادارة هذه النقلة النوعية في الادارة خلال السنتين القادمتين وهي الفترة المحددة بالقانون لاكمال ذلك الانتقال .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو مجلس محافظة بغداد