المنبرالحر

رؤية لتنمية القطاع الزراعي في العراق / د. جاسم محمد حافظ

ظلت البنية الهيكلية للاقتصاد الوطني العراقي أسيرة الوحدانية والتشويه , لضعف دور القطاعين الرئيسين الصناعة والزراعة في المشاركة بتشكيل هيكلية البنية تلك, ومن ثم المساهمة الجادة في تكوين الدخل القومي وتراكم رأس المال الثابت, لأن البترول ظل مصدر الإيرادات الأساسية لتغطية أبواب نفقات الميزانية العامة للدولة العراقية بمعدل قدر بحوالي 93%من جملة الإيرادات.
ولم يتغير الطابع ألريعي للاقتصاد الوطني القائم على استخراج الموارد الطبيعية البترول كما لم تبذل جهود مخلصة وثابتة لإرساء أسس اقتصاد وطني فعال وديناميكي يسهم في خلق الثروة التي مصدرها الأساسي هو العمل الكفء. إن المشكلة التي يواجهها القطاع الزراعي العراقي هي تعدد وتعايش أنماط إنتاج متخلفة تتسم بخصائص أسلوب الإنتاج شبه الإقطاعي والرأسمالي القائم على علاقات إنتاج استغلالية عرقلت بذلك تطور قوى الإنتاج وعمليات إعادة التوزيع العادل للثروة على عناصره, ومن ثم تباطؤ عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الريف, الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى حياة سكان الريف وعزلهم عن الحياة العصرية وعن أساليبها ومستواها في العيش والثقافة, وألحق أضراراً كبيرة في التطور الزراعي والصناعي وحرم الزراعة من منجزات العلم وعرقل إدخال أساليب الزراعة الحديثة والتوسع في نشر الثقافة الإنتاجية - القائمة على إدخال التكنولوجيا - لمواجهة الهجرة الواسعة من الريف إلى المدن والقصبات القريبة منه, وحرمان الفلاح من أبسط حقوقه في العيش الكريم, وبذا تاخروتأجل ظهور العلاقات الإنتاجية الناشئة والتي تمثل الاتجاه في السير نحو التقدم الاجتماعي المستند إلى تغليب العمل الجماعي الكفء والمرن.
ولذا سيكون من السذاجة الاعتقاد وكذلك الترويج للأطروحات المخادعة من قبل البرجوازية الطفيلية والبرجوازية الكمبرادورية القائلة بأن الرأسمالية العالمية ستخلق البلدان المحتلة على صورتها مهما كان شكل وطبيعة هذا الاحتلال - وستأخذها بيدها نحو التطور الاقتصادي والاجتماعي. خاصة وان الحياة لم تزك هذا الاعتقاد كما دلت على ذلك تجربة الشعب الجزائري الشقيق مع الاستعمار الفرنسي البغيض, وكذلك تجربة الانفتاح الاقتصادي في مصر, التي دفعت بالشعب المصري إلى إعلان سخطه وغضبه بهذا النهوض الثوري العارم الذي شد أنظار العالم إليه بعد حوالي أربعين عاماً من البؤس والحرمان والعبث في إدارة شؤون المجتمع, في محاولة من هذا الشعب لاستعادة السيادة الوطنية وللخلاص من الارتهان لشروط المؤسسات المالية والنقدية للرأسمالية العالمية - كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي - وسياساتهما المتعارضة مع مصالح الشعوب الفقيرة.
ان الواقع الموضوعي للاقتصاد العالمي في هذه اللحظة من تطور المجتمع الإنساني والممثل بالعولمة, يعني فيما يعنيه بأن أسواق البلدان المحتلة ينبغي أن تفتح على مصراعيها لاستقبال منتجات البلدان الرأسمالية, ألتي ضاقت بها ألأسواق المحلية لهذه البلدان, نتيجة للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف باقتصادياتها, غير إن ذلك لا يلغي أهمية التعاون مع كافة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الساعية لتقديم العون والمشورة إلى العراق في مجالي أدارة وتنظيم الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني شريطة ان يكون زمام تحديد الاتجاهات الرئيسية للاقتصاد الوطني وتحديد المصالح الوطنية الإستراتيجية بيد الدولة العراقية, ويجب العمل كذلك على تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية القادرة على نقل المعارف الإدارية والتنظيمية الحديثة والتكنولوجيا المتطورة.
إن المهام المطروحة لإصلاح القطاع الزراعي تقتضي العمل على:
1 رسم سياسات زراعية واقعية تقود الى تنمية اقتصادية مستدامة تنتقل بالريف العراقي إلى واقع أفضل. وان تكون مكملة لسياسات التنمية الاخرى.
2- العمل على إصلاح زراعي جذري يؤمن الشروط الملزمة لتشكيل القواعد القانونية المنظمة لحيازات الأراضي الزراعية المستغلة وتحرم تحريماً مطلقاً تغيير جنس الأراضي الزراعية لغير هذا الغرض أو إسناده, ولضمان استغلال فعلي لتلك الأراضي الزراعية.
ولتوخي الفائدة من كل التجارب التي خاضها القطاع الزراعي في العراق ينبغي مراجعة الأسباب الاقتصادية والسياسية الموجبة لصدور قانون (35) لسنة 1983, وتحديد تأثيره على وثائر التنمية الزراعية في الريف العراقي وتحسين مستوى معيشة المزارعين.
3 العمل على تنشيط الحركة التعاونية الزراعية وبالأخص منها التخصصية , شرطة ان تشكل جمعيات إنتاجية اقتصادية, وليس سياسية, وان يجري التشديد على ان يكون انتماء الفلاحين الى عضويتها يتم بإرادتهم الحرة وطواعية, وان تكون حقوقهم في الملكية ومسؤولياتهم واضحة. كما ينبغي على الدولة دعمها بقوة دون التدخل في اي شأن من شؤونها , إلا بما هو متصل بتوفير شروط نجاحها, كأداة فعالة ومجربة في تحسين مستوى معيشة الفلاحين, وتنمية المجتمع الريفي.
4 العمل على إنشاء مشاريع التكامل الصناعي - الزراعي وإرساء شروط نجاحها وتوطيد دورها, لتسهم في تنمية الريف وإزالة الفوارق بينه وبين المدينة.
5 اتخاذ إجراءات جريئة فيما يتعلق بعدم تجديد عقود استئجار الأراضي التابعة لمزارع الدولة الملغاة, او تعويض مستأجريها ودعوتهم للمشاركة في عملية إنشاء شركات زراعية مختلطة وإدارتها في مجالي الإنتاج النباتي والحيواني,على ان يكون للدولة دور مرن وفاعل في ذات الوقت. لضمان تحقيق الأمن الغذائي المنشود.
6 حماية المنتجين الزراعيين من سياسات الإغراق السلعي باعتماد التعريفة الكمركية والرزنامة الزراعية, وتحديد سياسات الدعم الحكومي الفاعلة في تطوير الإنتاجية والإنتاج الزراعي .
7 ان ترفع الدولة من تخصيص الميزانية العامة للقطاع الزراعي بما لا يقل عن 10% كما أوصت بذلك منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة, ( FAO) أو الأخذ بتوصية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 2011 .
8 إعادة النظر في وظيفة وزارة الزراعة, التي تم تغييرها في الثمانينات من القرن المنصرم, من دورها بالمشاركة والإشراف وتوجيه الإنتاج الزراعي , الى حصر اهتماماتها في إجراء الدراسات والأبحاث وتقديم الخدمات الإرشادية وتنظيم القروض الزراعية التي كانت من بين مهامها أيضا - وذلك استجابة لحاجة النظام السياسي حينذاك لهذه الإجراءات , التي رافقت تهميش الحركة التعاونية وبيع مزارع الدولة لضمان توفير شروط نشوء طبقة برجوازية طفيلية مستعدة لخدمة ودعم ذلك النظام .
9 رغم أن المبادرة الزراعية ساعدت على بعض النهوض المتواضع للقطاع الزراعي, غير أن تشكيلها بحاجة إلى الدراسة والتمحيص, خاصة وان البلاد تعاني من ترهل وتضخم الجهاز الإداري الحكومي الذي يستنزف أموالا طائلة تأكل من جرف ما يجب إنفاقه من المال العام على العمليات الإنتاجية الفعلية.
10- لضمان تحقيق العمل المشترك بين وزارة الزراعة والوزارات والهيئات الساندة للقطاع الزراعي - تلك الحلقة المفقودة في الإدارة العامة للبلاد يجب تأسيس مجلس وطني للتنسيق بين هذه الإطراف على غرار " مجلس الزراعي الأعلى " مثلاً.
11- اعادة بناء وتطوير جميع البنى التحتية للقطاع الزراعي.