المنبرالحر

أساليب مبتذلة / مرتضى عبد الحميد

قال الفيلسوف سقراط مرة «إذا أردت أن تختبر أخلاق رجل أعطه سلطة» وإذا أردنا تطبيق هذه المعادلة على الموجود لدينا، سنرى العجب العجاب. ليس فقط التهالك على المناصب الرفيعة وغير الرفيعة، ولا تزوير الشهادات على اختلاف أنواعها، وهي مصدقة رسمياً من أكاديمية «مريدي» وغيرها من الأكاديميات المعروفة في طول الوطن وعرضه. فهم لا يكتفون بذلك بل يحيطون أنفسهم بحاشية كبيرة، متشبهين بالسلاطين العثمانيين. وحماياتهم تصلح لحماية مدن بكاملها. أما الرواتب فرغم خرافيتها، فهم لا يكتفون بها ايضاً، ودخلوا في غزوة مظفرة إلى سوق المقاولات، لأنه الأكثر رحابة صدر في «اللغف» الشرعي، بعد أن تجاوزوا مرحلة «الكوميشن» ليحصلوا على حصة الأسد من المقاولات التي لا يفهمون فيها شيئاً. وهذا لا يهم من وجهة نظرهم. المهم هو ما يحصلون عليه من السحت الحرام من هذه المقاولات ومن المشاريع الوهمية. فبئساً لمن تصدى لوظيفة عامة وضميره يغط في سبات عميق.
كم كان عظيماً سقراط عندما قال كلمته الخالدة هذه، وكأنه تنبأ بما سيحصل في بلادنا، والبلاد الأخرى على مر التاريخ التي ابتليت بهذا المرض العضال، الذي لا يرجى منه شفاء إلا بإزاحة رجال الصدفة الذين تنكروا لواقعهم الذي كانوا فيه، ونسوا كلياً أنهم يدينون لهذا الشعب الطيب ولجماهيره المخدوعة بدعاواهم الزائفة وشعاراتهم المظللة في وصولهم إلى هذه المواقع. ولولا ذلك ما استحق الكثيرون منهم أن يروا ولو عن بعد الكراسي الوثيرة التي يجلسون عليها.
مناسبة هذا الحديث، الدعاية الانتخابية المبكرة التي لجأوا إليها منذ الآن، خلافاً لتعليمات المفوضية العليا للانتخابات التي تسمى «المستقلة» في تحديد فترة الشهر الذي يسبق الانتخابات في 30 نيسان القادم للدعاية الانتخابية.
ومنذ الآن بدأ البعض منهم، وبنفس أساليبه التقليدية توزيع الصوبات والبطانيات لان موسم الشتاء قادم، والبعض الآخر ممن لديه إمكانيات وأموال أكثر ولا بأس إن كانت من أموال الدولة وممتلكاتها! أخذ يوزع الأراضي، ويبشر العراقيين، سيما الفقراء منهم بأن لا احد منهم سوف يبقى بدون سكن، وان الجميع سيعيش في بحبوحة وسعادة تحسدنا عليها سويسرا وألمانيا، وغيرهما من دول العالم المتحضر!
ولا ينسى هذا البعض أن يصور لهؤلاء المغلوبين على أمرهم بأنه يمتلك عصا سحرية أو مصباح علاء الدين لينجز لهم ما وعدهم به خلال ثلاثة أو أربعة أشهر، كما لا ينسى الخطر المحدق بالمذهب والطائفة! فيمارس التجييش الطائفي دون حياء، ودون شعور بالمسؤولية من أن هذا التجييش سيؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي، وربما إلى تقسيم العراق لا قدر الله. والمشكلة أن ذاكرة الناس ضعيفة، وهم ينسون بسرعة أن هؤلاء المدعين لم يمارسوا هذا الدور المشين أول مرة، بل مارسوه في كل انتخابات سواء كانت لمجلس النواب أم لمجالس المحافظات. وبعد انتخابهم سوف لا يذكرون من انتخبهم، ولا يعرفون من أين يشربون الماء؟ بل سوف لا يرون وجوههم الكالحة مرة أخرى إلا في الانتخابات القادمة.
فهل استفاد أبناء شعبنا من هذه التجارب المريرة التي مروا بها مع هؤلاء؟ أم أنهم سيقعون في الفخ من جديد فيعيدون انتخابهم؟ وسيظل «ذاك الطاس وذاك الحمام» دون أن يتحقق شيء من طموحاتهم أو أهدافهم.
نأمل أن يكون العراقيون قد وعوا هذه العملية البائسة التي يلجأ إليها هؤلاء المتاجرون بعواطف وقيم الناس وتقاليدهم الجميلة، وان تكون لهم القدرة والشجاعة على التخلي عنهم ورميهم رمي النواة، وانتخاب من هم أهل لذلك، ومن جربوهم طيلة السنوات السابقة، من الذين لم تمتد أياديهم إلى المال الحرام، ومن جعل الدفاع عن مصالح الفقراء والمظلومين هاجساً يومياً لا يفتر لحظة واحدة في الدفاع عنها والسعي لتحقيقها. من الذين أدانوا الطائفية، واعتبروا المحاصصة الطائفية والاثنية كفراً بحق الشعب والوطن.
ننتظر ذلك بفارغ الصبر، وكلنا أمل بشعبنا وبكادحي عراقنا الحبيب.