المنبرالحر

عشرة ايام هزت العالم وغيرتهُ وعشر سنوات هزت العراق ولم تؤسس لدولة/ فلاح علي

المقدمة
لستُ بصدد المقارنة بين حدثين او تجربتيين حيث لا يوجد أوجه للتشابه او للمقارنة فيما بينهما , وانما اخترت عنوان الموضوع اعلاه , هو لغرض التذكير بالتجارب التاريخية لشعوب كوكبنا , التي برهنت على ان طبيعة النظام السياسي في هذا البلد او ذاك , يلعب دوراً اساسياً في تحديد طبيعة او مسار التحولات , اما ان تحدث انعطافة نحو التغيير بأتجاه يخدم مصالح الشعب والوطن , اوان تكون طبيعة النظام السياسي سبباً اساسياً في خلق الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , والتي عادة مثل هكذا أزمات تكون ذات طبيعة مضرة لمصالح الشعب والوطن . لهذا وأرتباطاً بموضوعة البحث أخترت العنوان أعلاه , عشرة ايام هزت الامبراطورية الروسية وصنعت اعظم ثورة في التأريخ , وبنت دولة اول تجربة اشتراكية في التأريخ , والتي أصبحت دولة عظمى قطبية غيرت مسار العالم طيلة ال 70 عام , حيث وحدت هذه الدولة قرابة ال 200 قومية تعايشت في سلم أهلي مع تعدد الاديان وأقامت اتحادا فيدراليا من 15 جمهورية وهي أول دولة ارسلت انسانا للأكتشافات العلمية الى سطح القمر . وناصرت شعوب كوكبنا اجمع بكافة قاراته وقدمت لهذه الشعوب الدعم الاقتصادي والعلمي والثقافي والسياسي والدبلوماسي والعسكري , لا تزال شعوب الآرض تتذكر دور هذه التجربة بأعتزاز , وحافظت على السلم العالمي . لست بصدد الحديث عن ثورة اكتوبر - الاشتراكية /1917 وتقييمها وما قدمته وضمنته لشعوبها من حقوق وانجازات ولشعوب العالم ولكن الموضوعة التي بصدد الكتابة حولها دفعتني لذكر مثال من التاريخ عن احداث عشرة ايام التي صنعت ثورة اكتوبر والتي أسست لدولة عظمى, رغم ان عشرة ايام لا تحسب في المقياس الزمني كحقبة او مرحلة لكنها غيرت روسيا والعالم اجمع , لهذا ذكرتها لغرض تبيان نتائج حكم طبيعة النظم السياسية .

وبالعودة الى تجربة العراق نجد ان طبيعة النظام السياسي الذي يحكم البلد هو قائم على المحاصصة الطائفية والقومية , ومضىت عشر سنوات , وكأنه فرض على العراق ان يحكم بهذه الطريقة التي لا يستصيغها الشعب. وهي فترة غير قليلة طويلة تمثل مرحلة او حقبة تأريخية . لكنه نجدها ثقيلة ومآساوية على الشعب العراقي . ان مرحلة عشر سنوات من حكم المحاصصة الطائفية قد هزت العراق ودمرتهُ بمجموعة من الزلازل المآساوية المتواصلة , والتي لا تنتهي من زلازل الازمات السياسية الخطيرة الى زلازل الازمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والى الفلتان الامني وتنامي ظاهرة الفساد والارهاب . لهذا نجد ان نظام المحاصصة الطائفية ليس فقط فشل في إعادة بناء الدولة العراقية التي حلها الأحتلال الأمريكي في عام 2003 , وانما قد عرض مصالح الشعب والوطن للخطر , اني لست بصدد الحديث عن نتائج حكم نظام المحاصصة الطائفية والقومية , حيث النتائج يعرفها الشعب وقد تضرر منها المواطن من الطفل الرضيع الى الشيخ المسن . ولكن في هذه الموضوعه اطرح رؤية ووجهات نظر, تؤكدها تجارب تاريخية , ووقائع ومعطيات على ارض الواقع, تؤكد هذه الرؤية ان العراق المتعدد القوميات والاديان والتيارات الفكرية والسياسية , لايمكن ان يحكم بعد اليوم بطريقة المحاصصة الطائفية والأنثية.

رؤية ووجهات نظر:

 1- إن الاحزاب والكتل الطائفية المكونة لنظام المحاصصة الطائفية والقومية , بطبيعتها الطائفية ومن خلال بنيتها الفكرية , اكدت تجربة عشر سنوات انها تمارس خطابا سياسيا تضليليا مزدوجا , فهي من جانب تعلن في الاعلام التزامها بالديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية , ومن جانب آخر ومن خلال الممارسة فهي تعيق عملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية . كما أكدت طبيعة نظام المحاصصة الطائفية , ان القاسم المشترك فيما بين اطرافه او مكوناته هو المساومة وتلبية المصالح الفئوية لكل طرف . والبعض من هذه الكتل وبالذات الاسلام السياسي منها , يريد بناء دولة دينية مع اسلمة المجتمع وهذا بالضد من ارادة الشعب وما نص عليه الدستور , رغم انها لم تتمكن بعد من الاعلان بصراحة عن أجندتها . لكنها تدرك تماماً ان الظروف الداخلية لم تنضج بعد لصالحها .ان هذه القوى من الاسلام السياسي تستخدم في الممارسة آليات الديمقراطية لأضعاف الديمقراطية ,ولبسط النفوذ والهيمنة والاستئثار في السلطة السياسية , ولوقف تطور العملية السياسية باتجاه الاصلاح والتغيير الديمقراطي. ان تجربة عشر سنوات اكدت ان احزاب الاسلام السياسي , ليست فقط متباينة من حيث النضج السياسي , وانما بمجموعها لا تملك الفهم والقناعة بآليات الديمقراطية والرؤية لبناء دولة المواطنة او الدولة المدنية الديمقراطية او الدولة العصرية الحديثة , وهذه التنظيمات والكتل من الاسلام السياسي والقوميين اللاديمقراطيين , من خلال التجربة أكدوا للشعب انهم يفتقدون للرؤية الفكرية الاستراتيجية لبناء الدولة الديمقراطية, لهذا فانه ليس من المستغرب ان نجد نظام المحاصصة الطائفية والقومية قد حول نسبة كبيرة من جماهير الشعب العراقي الى دائرة الفقر والبؤس والحرمان والأمية والجهل والعوز والبؤس والبطالة مع ضعف الخدمات وغياب الضمان الصحي والاجتماعي والسكن والفلتان الامني...الخ.

 2- أرى من وجهة نظري ان قوى الاسلام السياسي تريد دولتها الخاصة بها ,وهي تقف في الواقع ضد عودة الدولة للشعب بأعتباره مصدر السلطات , الشعب وقواه السياسية ومنظماته الاجتماعية والنقابية والمهنية والمدنية المؤمنة بالمصالح العليا للشعب والوطن, دون غيرهما هم القادرون على بناء دولة الشعب الديمقراطية . وارى من وجهة نظري ان كتل وقوى المحاصصة الطائفية قد قلبت المعادلة الوطنية من دعوة الى الدولة الديمقراطية , فحولوها الى دولة للدعوة ولقوى الاسلام السياسي الاخرى , واخرجوالشعب والمواطن والقوى السياسية الوطنية والديمقراطية واليسارية والليبرالية من محاصصتهم هذه التي يسمونها في اعلامهم شراكة وطنية لكنها في الواقع انها شراكة المتحاصصون وهذا هو اول نسف لمبدأ الدولة وهو الشراكة فيما بينها وبين المجتمع والتأكيد على المواطنة.

3- ان الشعب العراقي المتنوع والمتعدد القوميات والديانات والاحزاب والتيارات الفكرية والسياسية ,اكبر من ان تصادرة مجموعة او حزب اسلامي طائفي او فئة ما او قومية ما. الشعب العراقي يريد دولته تبنى على اساس المواطنة التي تكفل كافة حرياته وحقوقه المنصوص عليها في الدستور, ودون تمييز بين مواطن وآخر ودين وآخر وقومية واخرى, وان تكون حقوق الاقلية مصانة قبل حقوق الاكثرية , وهذا يتطلب التخلي عن المواقف البراغماتية من الديمقراطية حيث لا يمكن جمع الديمقراطية وسلوك وممارسات احزاب الاسلام السياسي التي يغلب عليها الاستئثار والغاء الآخر لا يمكن جمعهم في سلة واحدة, فهذا الفكر اللاديمقراطي وهذا السلوك والممارسات , لا تبني دولة المؤسسات والقوانيين الديمقراطية.

4- يعرف الشعب العراقي ان قوى الاسلام السياسي لجأت منذ عشر سنوات والى الآن , بأستقوائها على الشعب من خلال اعتمادها على الميليشيات وبعضها على الدعم الخارجي, وهذا التوجه وراءه أجندات غير معلنة وهي من حيث الجوهر معادية لمصالح الشعب والوطن . ان تجارب الشعوب تؤكد ان الميليشيات او المجاميع المسلحة غير النظامية لا تضمن الامن والامان , بل تساهم في الفلتان الامني وتنامي التطرف والارهاب هذا اولاً وثانياً ان هذه الميليشيات والاجندات الخارجية لا تساعد على بناء الدولة المدنية الديمقراطية . وما تؤكده هذه التجارب ومنها التجربة العراقية من خلال حكم نظام المحاصصة الطائفية , ان الوجود الشرعي للمجاميع غير النظامية المسلحة هو في الواقع يؤكد على غياب دور الدولة وضعفها وضعف مؤسساتها الرسمية , وهذا شجع ويشجع على سيادة قيم غير قانونية او عدم احترام القانون العام في البلد وتآكل هيبة الدولة , و ان الدولة ستبقى لفترة أخرى او مرحلة اخرى هشة رخوة متآكلة . والتجارب تؤكد ان من ابرز ملامح الدولة الهشة كما يحصل الآن في العراق هو انها تصدر القوانين و لا تطبقها , لا بل وتخضعها للمحاصصة والمساومة والمناورة واخضاع والغاء الآخر والهيمنة والاستئثار. كما يشيع في الدولة الهشة الفساد وتسود فيها فوضى الارادات الفئوية ويتنامى التطرف والارهاب . ان احزاب الاسلام السياسي بتأسيسها او تبنيها للميليشيات هي تدرك تماماً قبل غيرها هو انه من خلال الميليشيات انها تريد ان تفرض ارادتها وسطوتها على الشارع . لكنها كونها ليس لديها رؤية ديمقراطية استراتيجية لبناء الدولة , ولأفتقارها للنضج الفكري الديمقراطي , فهي بهذا لن تدرك خطر الميليشيات على مستقبل الدولة والمجتمع وعلى مصالح الوطن وامن الشعب. ما اكدته تجارب الشعوب ان الميليشيات , تتحول لاحقاً بفعل عوامل ومصالح وارادات داخلية وخارجية الى فاعل رئيسي والى خصم اساس للدولة , لانها تتحول الى مافيات ومجاميع من العصابات المأجورة.

5- ان احزاب وقوى الاسلام السياسي ومعهم القوميون اللاديمقراطيون , قد اكدت بما لا يدع مجالاً للشك انها فاقدة للبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وان فرضت عليها الانتخابات طرح برامج فهي لم تتمكن الى الآن من طرح برامج واقعية صادقة , تنقذ البلد من أزماته وتجلب الخير والرفاة للشعب . حيث ما تطرحه من برامج ارى انه يدخل في اطار تضليل المواطن وتوظيف آليات الديمقراطية للاحتفاظ بالسلطة ليس الا . حيث ما تطرحه يكتنفه الغموض وتحيط به الشكوك حول مصداقيتها في تنفيذه . كما يلاحظ على برامجها التي طرحتها في انتخابات مجالس المحافظات لا توجد فيها اجابات على قضايا عديدة تواجه حل الأزمات المعقدة وبالذات الازمة السياسية, وما يواجهه العراق اليوم كشعب ووطن مثل الحرية وفصل الدين عن السياسة وحقوق المرأة , وتحقيق العيش الكريم للشعب اي كيف تضمن حقوق المواطن , وشكل الدولة وبنائها وموضوع الديمقراطية والتطور الاقتصادي ..... الخ . ومن الملاحظ على احزاب الاسلام السياسي انها تتعامل مع الديمقراطية من منطلق براغماتي ,وما يمكن قوله هنا انها حاولت وتحاول التكييف مع الديمقراطية ومبادئها وآلياتها لغرض الوصول الى السلطة لتنفيذ أجندتها . بعد وصولها الى السلطة من خلال آليات الديمقراطية تجربة مصر وتونس والعراق , قد أكدت لشعوب العالم اجمع ان قوى الاسلام السياسي تعيق عن عمد بناء الدولة المدنية الديمقراطية , ولم تتمكن بعد الى الآن من التخلص من نزعة الاستبداد والاستئثار والهيمنة والغاء الآخر.

6- لهذا لم يقدم الاسلام السياسي في اي من الدول التي حكمها نموذجا جيدا في الحكم وفي بناء الدولة الديمقراطية. وهو الى الآن يمرفي حالة من فشل الى فشل ومن فوضى الى فوضى . وهواليوم اكثر فشلاً في ادارة الدولة , و اشد انقساماً وعداءً وصراعاً طائفياً فيما بين اطرافة وهذا الصراع هو مدمرللاوطان ويجلب المآسي للشعوب, وما يحصل اليوم في منطقة الشرق الاوسط من صراعات طائفية سواء على الصعيد الداخلي او الاقليمي هو تأكيد لذلك ولا يمكن ان ينكره احد . ارى من وجهة نظري ان هذا يعود لعدم قناعة او فهم الفكر الديمقراطي لدى جميع اطراف وحركات الاسلام السياسي سواء كانت في السلطة بعد او في المعارضة , فهي اليوم تمر في أزمة حادة وخانقة , وبازمتهم الحادة والمعقدة هذه وضعتهم في وضع لا يحسد عليه , فقد أدخلتهم مرحلة الفشل والازمة هذه الى التراجع والعزلة الجماهيرية , ارى ان أزمتهم هذه ليس فقط انهم يصعب عليهم الخروج منها.لا بل أدخلتهم في عدد من البلدان الى موسم الشتاء القطبي الثلجي المظلم. ويواجههم الآن خطر مميت وهو تجفيف لمنابعهم الخارجية الداعمة والراعية والممولة لهم . وارى من وجهة نظري ان نظام التعددية القطبية القادم بقوة , ليس انه سيفرض التوازن في العلاقات الدولية التي ستكون بلا شك لصالح السلم العالمي , والتكافئ في العلاقات الدولية ,مع احترام استقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها ...... الخ . لكن ارى من وجهة نظري ان هذه البيئة الدولية الجديدة ستكون لصالح شعوب وبلدان كوكبنا , وستؤثر ايجاباً على صعيد كل بلد . وستخلق اجواء في غير صالح قوى الهيمنة والتفرد والتوسع وبسط النفوذ والشمولية والاستبداد والتطرف والارهاب . فهل سيستفاد الاسلام السياسي ومنه العراقي من فشل سياساته ومن هذه الهزائم المتتالية والمتواصلة وان يعيد النظر في فكره الشمولي والغاء الآخر؟
7- احزاب الاسلام السياسي وظفت الدين في السياسة ,لخدمة مصالحها الفئوية واجنداتها التي هي من حيث الواقع بعيدة عن الدين الاسلامي ومبادئة وقيمه , ان احزاب الاسلام السياسي جميعها جلبت وستجلب الاساءة والضرر للدين .لأن ما يهمها هو تنفيذ أجندتها البعيدة عن مبادئ الدين الاسلامي وتلبية مصالحها الفئوية التي لا يرضى بها دين الله لأنها بالضد من حاجات ومتطلبات غالبية الشعب.
هنا أطرح بعض التساؤلات وهي : لماذا تلجأ جميع حركات الاسلام السياسي الى توظيف الدين في السياسة ؟ أو لماذا تتمترس احزاب الاسلام السياسي بالدين الاسلامي وتعتبره كملاذ آمن وضامن لها لتنفيذ أجندتها؟ وهل ان احزاب الاسلام السياسي تمتلك سمات اوميزات سياسية وفكرية وقدرات خاصة دون غيرها من القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية تستقطب فيها الجماهير؟ و هل انها لوحدها تستطيع دون غيرها التأثير في المجتمع ؟ للاجابة ارى من وجهة نظري وبشكل مختصر , انها توظف الدين في السياسة لأنها تدرك بشكل جيد ان الدين الاسلامي هو احد العوامل الاساسية المؤثرة في المجتمعات الاسلامية , لأنه يدخل في تربيتها وثقافتها ويشكل وعي جمعي لهذه المجتمعات المؤمنة بالدين ومبادئة وقيمة . إذن بهذا الاختصار فهي أي احزاب الاسلام السياسي توظف الدين لتحقيق مصالح فئوية سياسية , فنرى قوى الاسلام السياسي المتطرف منها تفسر الآيات القرآنية لما يخدم أجندتها , فهي ليس فقط تلغي وتهمش الآخر وانما تكفره وتقتل النفس البريئة باسم الدين , وما العمليات التفجيرية الارهابية وقتل النفس البريئة الا تأكيد على ذلك . أما بقية قوى الاسلام السياسي التي تدعي الاعتدال والتي تعتقد ان الديمقراطية هي صناديق اقتراع ليس الا, فأنها توظف الدين في السياسة لغرض التأثير في الجمهور المتدين وخداعه لغرض الوصول الى السلطة من خلال صنادبيق الاقتراع ,والتفرد بها لا حقاً باسم الديمقراطية . لهذا أرى من وجهة نظري بهذا الموقف المخادع تعتقد ان لديها قدرة فائقة دون غيرها في التأثير في المجتمع فحركات الاسلام السياسي تستغل الدين وظاهرة التدين في المجتمعات لتحقيق مكاسب سياسية لها , وهذا ما انتبهت له المرجعية الدينية الحكيمة في النجف الاشرف وشخصت ناطق بأسمها وهو السيد مهدي الكربلائي لغرض التمييز بين مواقف الدين القائمة على التسامح والعدل واحقاق الحق والوقوف ضد الظلم والظالمين ,ومواقف وتوجهات احزاب الاسلام السياسي , التي توظف الدين في السياسة , لتحقيق اهداف واجندات سياسية , و ارى من وجهة نظري ان موقف المرجعية الحكيمة في النجف الاشرف من تشخيص ناطق باسمها هو صائب وصحيح , والهدف منه هو تبصير المواطن , والحفاظ على قيم الدين من اساءات قوى الاسلام السياسي . لأن الفساد والاستئثار والغاء الآخر واشاعة البؤس والحرمان في المجتمع وتجهيله وحرمانه من الخدمات ومصادرة حقوق الاقلية والمضايقة على الحريات والاستبداد والاقصاء والهيمنة والعنف والاكراه وتكفير الآخر وقتل النفس البريئة , الذي تمارسة غالبية احزاب الاسلام السياسي وبالذات المتطرفة منها هو ليس متأصل في الاسلام كدين وانما في فكر وسياسة وتوجهات وفي سلوك وممارسات احزاب الاسلام السياسي . أي ان هناك فرق كبير بين الاسلام كدين والاسلام السياسي , الدين قائم على فقه وقيم ومبادئ وشرائع سماوية والاسلام ليس مصدرا للتطرف . وبين الاسلام السياسي وفكره الذي يحمل أجندات سياسية , هذه الاجندات هي المنبع والمصدر لكل تطرف في فكر الاسلام السياسي . مع الاشارة لوجود اسلام سياسي معتدل , يقف ضد التكفير والقتل , الا ان الاسلام السياسي المعتدل يقف في الممارسة ضد مبادئ الدين , التي تؤكد على العدل والتسامح وضمان الحقوق والغاء الاستغلال وعدم تهميش المواطن وضد البؤس والحرمان وضد الفاقة والعوز والمرض والبطالة والفساد ... الخ الذي أشاعته احزاب الاسلام السياسي في البلدان التي حكمتها ومنها تجربة حكم المحاصصة في العراق.

الاستنتاجات
1- خلال قرب موعد الانتخابات ستحاول قوى الاسلام السياسي التي إغتصبت الدولة العراقية من اللجوء الى المناورة وذلك من خلال الحملات الانتخابية . سيقوم هذا التنظيم او ذاك بمناورة تاكتيكية ميكافيلية الى تجديد خطابهه السياسي وسيكون من وجهة نظري ذات اتجاهين الاول هو دفاعي سينأى هذا الطرف او ذاك المكون لنظام المحاصصة الطائفية والقومية عن نفسه بما تعرض له الشعب من ضرر واهمال وعدم ضمان الحقوق والحريات , اي سينأى عن كل ما هو مشين , وتسبب في ضرر واساءة للشعب ومكوناتة القومية وللوطن , وسيحمله على الآخرين . والثاني سيلجأ هذا التنظيم او الطرف من احزاب الاسلام السياسي ,الى التزلف وكسب ود الجماهير الغاضبة والمتضررة من حكم المحاصصة الطائفية والقومية , وستدعي انها لاتتحمل مسؤولية عدم تلبية المطاليب المشروعة للجماهير ,وهي لا تتحمل مسؤولية الفساد والفلتان الامني وغياب الخدمات والبطالة وتنامي الارهاب .... الخ , اي انها ستسعى الى التقرب الى الجماهير الشعبية لاستمالتها وخداعها ثانية لكسب اصواتها وكذا التقرب من فئات الشعب لتضليلها ثانية للفوز بالانتخابات والعودة ثانية لنظام المحاصصة الطائفية والقومية.

2- طبيعة قوى الاسلام السياسي بكل تلاوينها واضحة للمواطن العراقي , لم تحسم موقفها بعد في تبنيها للفكر الديمقراطي الحقيقي , كما انها ليست لديها رؤية واضحة لمفهوم وطبيعة الدولة الديمقراطية , وتبقى مسألة الايمان بالديمقراطية الحقيقية ,هي من اهم التحديات التي تواجه احزاب وحركات الاسلام السياسي , اضافة الى التحدي الآخر هو الايمان بدولة المواطنة و تخليها عن فكرة الدولة الدينية ,ودمج الدين بالدولة وأسلمة المجتمع , و هذه من اهم التحديات التي تواجه حركات الاسلام السياسي , اضافة الى الملفات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والقانونية ذات الطبيعة الديمقراطية.

3- ان تجارب الشعوب السائرة في طريق الديمقراطية اكدت انه كلما كان الصراع او المنافسة على برامج سياسية لا على الاعتماد على الدين , او الاستقواء بالسلطة , او بالدعم الخارجي ,أو بالميليشيات المسلحة , والتخلي عن الفكرالشمولي الاقصائي وعدم الغاء او تهميش الآخر وضمان حقوق الاقلية ..... الخ, كلما ساعد ذلك على خلق بيئة سياسية مناسبة تمكن آليات الديمقراطية على توطيد اركانها في المجتمع وتساعد على بناء دولة المؤسسات الديمقراطية.

4-ان قوة الدولة يكمن ليس في امتلاكها للاجهزة الامنية القمعية البوليسية والعسكرية وشاهدنا كيف تساقطت هذه الانظمة التي تقود دولا بوليسية امام الاحتجاجات الجماهيرية السلمية . وانما القوة الحقيقية هي بمدى انسجام ارادة الدولة مع ارادة مجتمعها . من خلال بناء مؤسسات الشعب الديمقراطية, وان تقوم الدولة بأداء وظائفها في حماية المواطن وتقديم الخدمات وتوفير الضمان الصحي والاجتماعي والتعليمي ,وتحقيق العيش الكريم له والحفاظ على السيادة الوطنية واستقلال البلد ورفض التدخلات الخارجية الدولية والاقليمية في شؤونه الداخلية والحفاظ على الوحدة الوطنية لمكونات الشعب ... الخ . الا انه ما يلاحظ طيلة تجربة حكم عشرسنوات هو هناك ليس فقط عجز لدى الدولة من القيام بوظائفها وانما يتلمس المواطن من وجود حالة تناقض واغتراب بين ارادة حكم المحاصصة الطائفية وغالبية المجتمع العراقي . لا بل غيبت الدولة والمواطن معاً ,وغاب التفاعل والانسجام فيما بينهما.

5- التاريخ سيذكر سياسة ومواقف الحزب الشيوعي العراقي بحروف من ذهب, لست في هذه الموضوعة الحديث عن مواقف الحزب الشيوعي التي أكدت الحياة صحتها في كثير من الاحداث التي مر بها البلد , كالموقف الوطني من الحرب العراقية الايرانية حيث دعا حينها الى الوقف الفوري للحرب , لقد تميزت مواقف الحزب عن سائر القوى الوطنية والاسلامية الاخرى حيث انه اول حزب معارض وقف مع الشعب ضد الحصار الاقتصادي وطالب برفع الحصار عن الشعب العراقي , وقبل احتلال العراق وفي عام 2002 وقف الحزب ضد الحرب ورفع شعاره الشهير لا للحرب لا للدكتاتورية , واكد في بيانته ومواقفه ان الحرب لن تأتي بالديمقراطية التي يريدها الشعب . لست بصدد الحديث عن مواقف الحزب الوطنية , وانما ارتباطاً بالموضوع فقد اشار المؤتمر التاسع للحزب , الى ان أزمات البلد المستعصية والمعقدة سببها تكمن في طبيعة نظام المحاصصة.

6- هناك تحديات تواجه قوى اليساروالديمقراطية والليبرالية وحتى منظمات المجتمع المدني وهي , ليست فقط وحدة العمل والتنسيق والنشاط المشترك وانما , تقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية لمكونات الشعب العراقي , وكسر اليأس لدى الجماهير الشعبية التي ساهمت قوى الاسلام السياسي في اشاعته في المجتمع نتيجة فشل سياساتهم . حيث لجأت هذه القوى الى تجيش الجماهير بأسم الدين ولكن في النتيجة أغرقت الشعب في سلسلة من الازمات المتواصلة . والتحدي الآخر هو تشكيل قوة ضغط في الشارع العراقي ومن اهم التحديات التي تواجه هذه القوى هو تحقيق نسبة نجاح في الانتخابات البرلمانية وهذا مما يساعدها على انجاز التحدي الاهم وهي اعادة بناء الدولة العراقية , وذلك ببناء الدولة المدنية الديمقراطية دولة المواطنة والقانون الديمقراطي . ارى ان العراق الديمقراطي سينهض من جديد.