المنبرالحر

بغداد الحضارة تأبى العنف/ د. مؤيد عبد الستار

العنف والعنف المضاد أصبح شائعا في العديد من مناطق العالم واستشرى في الشرق الاوسط وعلى الاخص في العراق.
واذا القينا نظرة سريعة على التاريخ القريب لبغداد سنجد انها اتسمت بتعايش سكانها من مختلف المكونات العرقية والدينية والقومية ، فعاش فيها العرب ، الكورد ، الفرس ، الكلدان ، التركمان ، الارمن ، المسلمون ، المسيحيون ، الصابئة ، الايزديون ، الشبك وانتشرت فيها تكايا الصوفيه ، حسينيات الشيعة ، مساجد السنة ، كنائس المسيحيين ولم تخلو بغداد من بيوت العبادة اليهودية والصابئية والازيدية وغيرها .
كنا حين نتجول ببغداد القديمة نشاهد كنيسة قرب مسجد ، او تكية قرب حسينية ، ولا احد كان يظن ان سينشغل اتباع دور العبادة تلك بمعارك بينهم في يوم من الايام .
ولكي نعالج قضية العنف والعنف المضاد علينا القاء الضوء على العنف كممارسة واسلوب في الحياة .
أرى ان العنف يتأصل في المجتمع بكونه ممارسة تنمو في جذور المجتمع وتستشري بسبب اهمال بعض الظواهر المسؤولة عن تنامى العنف ومنها :
اولا : العنف المتأصل في التقاليد القبلية
الثأر من الاسس القبلية في الاقتصاص من القتل ، وهذا التقليد ظل سائدا في العراق منذ عصور قديمة ولم يجد معالجة حقيقية تستأًصل شأفته ، لذلك ظل ممارسة يلجأ اليها الفرد والاسرة في معالجة حوادث القتل ما يجعل الثأر اسلوبا في الحياة يغذي العنف والعنف المضاد.
ثانيا : العنف المسلط على المرأة
تعد المرأة الركن الاول والاساس المكين في المجتمع والاسرة ، ونلاحظ تعرض المرأة للعنف بشتى اشكاله ، فعلى سبيل المثال مازالت التقاليد القبلية تقايض المرأة في احداث القتل كتعويض ( الفصلية ) وتتعرض بسبب ذلك لصنوف الاذلال والعنف .
كما تتعرض المرأة للعنف الاسري بسبب التقاليد التي توجب عليها الخضوع التام لسلطة الذكور بغض النظر عن اهليتهم ، فغالبا ما تتعرض المرأة للعنف لاسباب غير منطقية ، بل وحتى تتعرض للقتل بمجرد الشك احيانا بعذريتها ، وتشير اخر الاحصائيات الى ازدياد حالات العنف ضد المرأة .
ثالثا : العنف المسلط على الاطفال
يتعرض الاطفال الى العنف بسبب ضعفهم وانغماسهم في سوق العمل ، كما يتعرض الاطفال في المدارس الى العنف وكذلك داخل الاسرة ، فضرب الاطفال مازال ممارسة شائعة كاسلوب في التربية .
العنف الذي مارسته السلطات
اشهر ممارسة للعنف من قبل السلطة الحاكمة في العراق في العصر الحديث هو ما قامت به من تهجير وتسفير قسري للكورد الفيليين منذ استلام حزب البعث للسلطة في العراق عام 1968 ،فقاموا منذ سبعينات القرن الماضي بتهجير الكورد الفيليين من بغداد ومدن وسط العراق مثل الكوت والعمارة وعلي الغربي والنعمانية والحي وغيرها واستعرت الحملة في نيسان عام 1980 تلك الحملة التي طالت الاف الاسر العراقية ورافقها سلب الممتلكات والوثائق والاموال ، فكانت اكبر عملية همجية بحق مواطنين مسالمين تعرض فيها معظم الشباب الذين خطفوا ويقدر عددهم بالالاف الى عمليات تصفية جسدية مازالت مجهولة لم يكشف النقاب عنها بشكل صحيح ولم يقدم اي مسؤول عن تلك الجريمة للمساءلة القانونية .
وبامكاننا اضافة الكثير من ممارسات النظام البائد الهمجية ضد المواطنين سواء من خلال التهجير او الانفال او القتل دون سند قانوني لالاف المواطنين بشككل روتيني اصبح من سمات النظام الصدامي الدموي .
اسباب اخرى للعنف
من الاسباب الرئيسة لاستشراء العنف في العراق اليوم التدخل الاقليمي بشؤونه ، فالتغيير الحاصل في العراق وتوجهه نحو الاسلوب الديمقراطي والفيدرالي في الحكم لا يروق لمعظم الانظمة المستبدة في المنطقة التي تعلم حق العلم ان التغيير نحو الديمقراطية يعني مقتلها .
لذلك تعمل تلك الانظمة بوتيرة متصاعدة لافشال التجربة العراقية واغراق البلاد في العنف والدماء كي تضرب بها مثلا للاخرين وتمنع تطور الديمقراطية في المنطقة التي ستسمح للقوى المطالبة بالحرية والتوزيع العادل للثروة من الصعود الى واجهة الاحداث السياسية وربما تسلم زمام الحكم في المستقبل القريب .
لذلك نجد العديد من المليشيات والاحزاب والمنظمات السرية تشيع العنف وتضرب التجمعات المدنية من أجل ايقاع اكبر عدد من القتلى والجرحى ونشر الخوف والرعب كي لا ينعم البلد بالاستقرار وتتمكن قوى الظلام والارهاب التسلل الى مواقع المسؤولية وتخريب العملية الديمقراطية من الداخل .
وبالمقابل لا نجد وعيا جديرا يساعد على القضاء على معاقل الارهاب و القوى الظلامية بل احيانا نرى مواجهة الارهاب بالخرافة مما يجعل القضاء على الارهاب صعبا ان لم يكن مستحيلا ، فالقضاء على قوى الظلام والارهاب بحاجة الى اعتماد العلم والمعرفة واشاعة التنوير في المجتمع لا اشاعة الخرافة والجهل الذي يغذي التخلف والارهاب .
حاشية : اللاعنف فلسفة نافعة
لمعالجة العنف في المجتمع العراقي لا بأس من الاستفادة من تجارب انسانية معروفة مثل تجربة المهاتما غاندي وفلسفة اللاعنف Non violence ( اهـمـشـا في اللغة الهندية ) وربما لها علاقة بالكلمة العراقية المستخدمة في العامية : الهمش ، بمعنى الاخذ بقوة او خطف الشئ او الشجار ، وقد تعود لعلاقة أبعد بين اللغتين السومرية والسنسكريتية .
وفي فلسفة اللاعنف تظهر أهمية تربية النفس على الابتعاد عن استخدام العنف تجاه المقابل سواء أكان انسانا او حيوانا او نباتا او طبيعة .
واللاعنف لايتعلق في استخدام الاسلحة او القوة فقط تجاه الاخر ، وانما يجب التزام اللاعنف في الكلام ايضا ، وهو فلسفة اتبعها غاندي وبشر بها مستندا الى التقاليد الهندوسية ، استخدمها في مقاومته للاستعمار البريطاني ونجح في كسب تعاطف العالم ، والتفاف شعبه حول فلسفته ونضاله في سبيل الحرية .
كما يجب ان لا نهمل ما طرحه الراحل مانديلا ودزموند توتو من مفاهيم في فلسفة التسامح والعفو والاستفادة من تجربة جنوب افريقيا الحديثة .
ملاحظة : القيت هذه الكلمة مختصرة بالعربية والكوردية ووزعت مترجمة الى السويدية ايضا في السيمنار الذي عقده المركز الثقافي العراقي في السويد / استوكهولم بتاريخ السبت 7 ديسمبر / كانون الاول 2013 بحضور جمع غفير من الجالية العراقية والسفير العراقي في السويد السيد بكر فتاح حسين واعضاء السفارة العراقية و السيد علي النخيلان سفير الكويت في السويد .