المنبرالحر

رحل مانديلا الافريقي، فمتى يظهر مانديلا الفلسطيني؟!/ رزاق عبود

الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة دعم في اكثر من مجال نظام الفصل العنصري في "بريتوريا" الاسم السابق لدولة جنوب افريقيا. المستوطنون البيض فرضوا نظام الابارتيد على سكان البلد الاصليين من الافارقة السود. وقد تعرض كل السكان غير البيض الى ممارسات عنصرية على مختلف الصعد، اتخذت اشكالا متباينة، ومتفاوتة، مثل الهنود، من كل الاديان الذين جاؤا مع المستعمر البريطاني وبقوا هناك. وقصة المهاتما غاندي مع القوانين العنصرية هناك معروفة، عندما رفض ان يترك مكانه في الدرجة الاولى من القطار. عندما تأسس المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا تبنى سياسة غاندي اللاعنفية، التي نجحت في الهند. لكن في بداية ستينات القرن الماضي، وبداية تحرر واستقلال الدول الافريقية واحدة بعد الاخرى اثر حروب تحرير مسلحة، فان المؤتمر الوطني الافريقي، وبتحريض من الراحل نيلسون مانديلا توجه الى الكفاح المسلح، بعد تزايد المذابح الهمجية ضد المدنيين الافارقة، ومعارضتهم السلمية.
ضم المؤتمر الوطني الافريقي جميع المعارضين لنظام الفصل العنصري من هنود، وافارقة، وبيض، وكثير من اليهود. الوفد الذي تفاوض سرا مع النظام العنصري تكون من هندي مسلم، و يهودي بقيادة افريقي اسود استلم الرئاسة بعد تقاعد مانديلا.
لقد ان الاوان للتخلي عن اوهام الدولتين الغير قابلة للتحقيق، ونبذ فكرة العودة الى حدود الى 1967 التي لن تتم ابدا. فهناك اجيال من الاسرائيليين، ولدوا في في اسرائيل، وليس لهم وطن اخر، بالضبط مثل احفاد المستوطنين في جنوب افريقيا، ومثل الفلسطينيين اصحاب الارض الحقيقيين. الذين تعرضوا ويتعرضون يوميا لممارسات عنصرية بشعة، وتمييز صارخ. قريبا سيموت اخر مهاجري 1948، وهؤلاء لن تعيدهم، ولا ابناءهم، واحفادهم اتفاقية اوسلو، ولا مفاوضات سلام متعثرة، ولا اتفاقيات سلام مع كل الدول العربية. فهذا بالضبط المخطط الصهيوني الحالي. خلق الفجوة بين بقية الشعوب العربية، والشعب الفلسطيني فكل الحروب الداخلية، والطائفية، والعنصرية في البلدان العربية تقف ورائها المخابرات الصهيونية، والمخابرات الامريكية، والغربية المتعاونه معها. وتعمل على اتجاهين. الاول: اشعال حرب طائفية بين الشيعة والسنة، او مكونات شعوب المنطقة، وهو امر اعلنه مسؤول المخابرات الاسرائيلية السابق علانية. الهاء المنطقة بمشاكلها الداخلية. والاتجاه الثاني: عزل ايران، وحلفاءها من المطالبين بتحرير فلسطين.الخط الثالث: اعقب الربيع العربي حيث افتعلت المشاكل، والحروب، والاقتتال، ونسبت الى الفلسطينيين سواء في العراق، او سوريا، اومصر، وغيرها لخلق عداوة، وفجوة بين الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية الاخرى.
ان اليسار التقدمي الاسرائيلي غير المتصهين، وجمهرة غفيرة من الشعب الاسرائيلي، ومنظمات حقوق الانسان اضافة الى فلسطينيي اسرائيل(عرب اسرائيل) وسكان الضفة الغربية تعبوا من وعود السلام، والحروب، ويتوقون لسلام دائم، لذا يجب ان تتوفر الشجاعة من قائد فلسطيني يهودي، اومسيحي، او مسلم يطرح فكرة تعيد الحياة لفكرة الشهيد ياسر عرفات، وهي نفس فكرة الفقيد نلسون ما نديلا. اذ رفض الاخير، كما رفض ابو عمار كل انصاف الحلول، وتجميع الفلسطينيين في كانتونات ممزقة، معزولة تخرمها الخلافات، والنزاعات الداخلية. العالم سيتقبل هذه الفكرة، ويرحب بها، ويدعمها بعد نجاح تجربتين مماثلتين في زيمبابوي، وجنوب افريفيا، وان كانت التجربة الثانية افضل بكثير رغم كل الملاحظات. لكن التجارب التاريخية لا تسير بخط مستقيم دائما. يجب التحدث مع الشعب الاسرئيلي، ومنظماته الانسانية، ومد يد التعاون، والتسامح، والعفو، والمعايشة، وهي موجودة حاليا على نطاق ضيق بين اوساط المثقفين، والفنانين من كلا الجانبين. ويجب ان تشمل الشعب الاسرائيلي كله حتى يزداد الضغط على الحكومات الاسرائيلية من الجانبين الفلسطيني، والجمهور الاسرائيلي، وسينظم لهما العالم كله لبناء دولة ديمقراطية واحدة تشمل الجميع، وتجري فيها انتخابات ديمقراطية للجميع على اساس مبدأ الصوت الواحد لكل مواطن. روح التسامح، والتعاون، والتعايش، والامل تتيح امكانية لحل اغلب المشاكل المعلقة، والامور المختلف عليها. يجب تطمين يهود اسرائيل، واثبات ذلك، بان لارغبة في الانتقام، وتطمين اللاجئين الفلسطينين بتحقيق احلامهم على اراضي ابائهم، واجدادهم، وضمان مستقبل اطفالهم واحفادهم. عاش اليهود في فلسطين مع المسلمين، والمسيحيين قبل انشاء دولة اسرائيل، وحاربوا الغزو الصليبي معا، وعاشو في الاندلس سوية لمدة 600 عاما. ولم يتعرض اليهود في اي دولة عربية، او اسلامية ما تعرض له اليهود في اوربا. هذه الحقائق لا تعرفها الاجيال الشابة من الاسرائيلين اليهود، لكن المتنورين، والمثقفين، واليساريين يعرفون هذه الحقائق جيدا. والمعروف ان نشاطات "سفن الى غزة" مبادرة من يهود اوربا. قسم منهم يحمل الجنسية الاسرائيلية. وظهرت وتظهر منظمات وحركات يهودية اسرائيلية باستمرار ضد الحرب، وضد الاحتلال، وضد تهديم البيوت، وضد الاستيطان، وغيرها الكثير. هذه كلها منظمات يمكن ويجب التعاون معها. يجب التبشير بحياة مشتركة على ارض "الميعاد"، وارض "العودة" كوطن للجميع، لمن يقبل الديمقراطية وينبذ العنصرية، والفصل العنصري، والحروب. وعزل وتحجيم اليمين الصهيوني المتطرف بالتعاون ايضا مع اغلب يهود اوربا المعارضين للاحتلال. هذا حلم كبير فعلا، وسيجد مقاومة ضخمة من العنصريين، والمتعصبين، والمتطرفين، من كلا الجانبين، لكنه ليس خرافة. فاي حلم جميل لم يواجه برماح الممانعة وسيوف الغدر؟ اي نبي في الديانات الثلاث لم يواجه التسخيف، والسخرية، والمحاربة، وحتى القتل؟ لكن افكارهم عاشت لحد الان. الشعب الفلسطيني ليس بحاجة الى نبي جديد، بل الى حالم شجاع مصمم يحظى بثقة الجماهير، وله قدرة على الاقناع، وقوة المثل، ليتبع طريق مانديلا الافريقي. حتى صلاح الدين الايوبي اختار الحل الوسط.
فمن يكون ياترى ما نديلا الجديد لتعيش الملايين العربية الاسرائيلية في ارض واحدة. هذه اوربا تجمع قوميات، واثنيات، وثقافات، واديان مختلفة. وهذه امريكا تتعدد قومياتها، ودياناتها يعيش فيها المسلم ، والمسيحي الفلسطيني الى جانب اليهودي. فلماذا لا يتحقق ذلك في فلسطين وهي ارض السلام؟!
مجرد امنية انسانية!