المنبرالحر

هل ستتحالف امريكا مع بشار الاسد وإيران ضد التنظيمات الاسلامية؟ انس محمود الشيخ مظهر

لا يمكن تقيم ما يحصل في سوريا ضمن مقاييس الثورات الشعبية التي حصلت في العالم قديما وحديثا . فتداخل المصالح الدولية والإقليمية وتعدد القوى الفاعلة فيها السياسية منها او المسلحة ادى بها الى ان تكون من اصعب المخاضات الثورية .
فقد بدأت الثورة السورية بشكلها السلمي تمثلت في مظاهرات شعبية ما لبثت ان تحولت الى ثورة مسلحة بعد الانشقاقات التي حصلت في الجيش النظامي وتشكيل ما سمي بعدئذ بالجيش الحر السوري , استغل هذا التحول من قبل دول اقليمية وقوى دولية لمزايدات سياسية وتمرير اجندات معينة وفسح المجال لما يسمى ب(الجهاديين) لدخول الاراضي السورية والقتال على اراضيها , وتبعا لذلك تنامت قوة المليشيات الاسلامية المتطرفة على حساب الجيش السوري الحر لمحدودية الامكانات العسكرية والبشرية للأخير .
ان كانت لدول الاقليم دورا في ادخال افراد الجماعات الاسلامية المسلحة الى داخل سوريا فان النظام السوري ايضا لم يأل جهدا في استغلال هذه الورقة لإظهار الثورة السورية ذات المطالب المشروعة وكأنها عمليات لعصابات تريد نشر القتل والإرهاب داخل هذا البلد وقد ادى ذلك الى عزوف المجتمع الدولي وخاصة اوروبا وأمريكا عن مساعدتها بشكل جاد إلا في بعض النواحي الانسانية فقط .
يعتبر النظام السوري من الانظمة العربية القليلة التي تعاملت بشكل مباشر مع المجموعات الارهابية بشكل مباشر فقد كانت للمخابرات السورية الدور الرئيسي في ادخال نفس هذه الجماعات المتطرفة الى الاراضي العراقية بعد ازاحة صدام حسين لمقاتلة الجيش الامريكي الذي كان يحتل العراق حينها ولإجهاض اي تفكير امريكي في تكرار السيناريو العراقي في سوريا . هذه التجربة اعطت النظام السوري الخبرة الكافية في التعامل مع هذه المجموعات وفي طريقة تفكيرهم واستغلال العبثية التي يعانون منها لضرب جوهر الثورة السورية . وكان واضحا لمن تابع الثورة السورية في بدايتها كيف ان الجيش النظامي السوري تعمد الانسحاب من بعض المناطق خارج المدن وتركها لتسيطر عليها لتنظيمات الاسلامية حتى اصبحت هذه التنظيمات من اقوى فصائل المعارضة المسلحة التي تقاتل على الارض في سوريا وفرضت اجنداتها على بقية الفصائل المسلحة (الغير اسلامية ) التي تقاتل النظام السوري .
لا نستطيع تبرئة ساحة الحكومة التركية من مشاركتها في تقوية هذه التنظيمات ( ا لجهادية ) , ففي الوقت الذي تبنت فيه تركيا مواقف الجيش الحر السوري واستوعبت نشاطاتها السياسية والعسكرية فإنها تعمدت من ناحية اخرى الى غض النضر عن تنامي قوة هذه المليشيات التي تلاقت مصالحها مع المصلحة التركية في قتالها مع الاحزاب الكردية السورية والوقوف ضد طموح الشعب الكردي هناك حسبما كانت تشير التقارير الواردة من الداخل السوري .
اما بالنسبة لبعض دول الخليج المؤيدة للثورة السورية فلعدم وجود اجندات سياسية مستقلة لها وعدم وجود تنسيق سياسي ومخابراتي بينها ولاحتكار تركيا لنشاطات الجيش الحر وتبنيها لمواقفها كما اشرنا سابقا.. فقد اقتصر دورها على الدعم السياسي للشعب السوري في الامم المتحدة و الجامعة العربية اضافة الى تبنيها الطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع الحرب في افغانستان من دعم مالي لهذه الثورة من ناحية والاعتماد على الخطاب الديني الذي تبناه بعض رجال الدين في الخليج ودفع الشباب للجهاد في سوريا مما جعلهم صيدا سهلا لهذه التنظيمات الاسلامية للانضمام اليها و(الجهاد) من خلالها .
من المؤكد ان امريكا استفادت من التنظيمات الاسلامية احيانا كثيرة في استغلال توجهاتها الفكرية وخطابها السياسي والعمليات التي كانت تقوم بها في مناطق كثيرة من العالم بما يصب في صالح الاجندات الامريكية (دون تنسيق مشترك بينهم)ا بل باستغلال العبثية السياسية التي عند هذه الجماعات في التعامل مع المتغيرات السياسية , إلا ان الازمة السورية افرزت وضعا مختلفا جعلت امريكا والغرب يعيدان النظر في كيفية التعامل مع الواقع الجديد ... فقد افرزت احداث سوريا عن لا مركزية في توجهات هذه الجماعات حيث انبثقت جماعات اسلامية كثيرة ومتعددة من رحم المليشيات التابعة للقاعدة يصعب توقع توجهاتها والتعامل معها كجهة واحدة لها توجهات محددة ,ووجود هذه التنظيمات بالقرب من الحدود الاسرائيلية يعتبر خطرا يهدد الامن الاسرائيلي والمصالح الامريكية... لذلك فانه من غير المستبعد ان يكون هناك تنسيق سوري ايراني امريكي مشترك للقضاء على هذه التنظيمات في سوريا وهذا ما تشير اليه بعض التسريبات الاعلامية مؤخرا , وكذلك فقد لا تخرج التصريحات الامريكية الاخيرة بزيادة الدعم العسكري للجيش الحر عن هذا المنحى والتركيز في الفترة القادمة على محاربة هذه الجماعات.
ليس مستبعدا ان تجري في مؤتمر جنيف-2 ( ان حصلت) مناقشات في التنسيق بين المعارضة السورية المسلحة ونظام بشار الاسد لمحاربة هذه التنظيمات بإشراف امريكي فيما يسمى بالفترة الانتقالية . وبالطبع فان هكذا توجه امريكي جديد سيكون طوق نجاة للنظام السوري في اطالة عمره السياسي لغاية الوصول الى نتائج في الحرب ضد هذه الجماعات الاسلامية وقد حاولت سوريا وإيران سابقا طرح هذه الفكرة على الجانب الامريكي عن طريق الحكومة العراقية ولكن يبقى السؤال هنا هل سيكون نظام بشار الاسد جادا في محاربته للإرهاب ام سيستغله في محاولاته للبقاء على السلطة لأطول فترة ممكنة ؟