المنبرالحر

اكبر من جماعة مسلحة / عبد المنعم الأعسم

لم يطرح نشاطٌ مسلحٌ من الاسئلة والالغاز مثلما طرحه الصعود الصاروخي، والانتشار الغريب، لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في شوط قصير من نشأته لا يتجاوز الاشهر الستة، حيث اصبح، فجأة، جزءا خطيرا من المعادلة الامنية في العراق امتدادا الى الامن الاقليمي الذي يشهد حربا محلية ضارية ونفوذا جامحا ومتداخلا لقوى اقليمية ودولية، بينها اقوى دولة على وجه الارض هي الولايات المتحدة.
هنا لابد من التذكير بانها ليست المرة الاولى التي "تتفرعن" فيها مجموعة مسلحة صغيرة على نظيراتها في خلال الحروب المحلية بفعل "دعم" خارجي مركّز، فقد ولدت حركة طالبان الافغانية من مطبخ المخابرات الباكستانية، وبالضبط، برعاية وزير الداخلية المتقاعد، الجنرال نصر الله بابر عام 1994 لتكتسح جميع منظمات "المجاهدين" وزعاماتها النافذة وتصبح حاضنة لتنظيم القاعدة الدولي بقيادة اسامة بن لادن، فهل ثمة صحة للتقارير الغربية التي ذهبت الى ان "داعش" بقيادة الضابط السابق في جيش صدام حسين ابو بكر البغدادي ولدت في غرفة خلفيةٍ للاستخبارات التركية، برعاية خليجية سخية ؟ واذا ما كان هذا الامر مشكوك فيه، فمن اين جاء بضعة مقاتلين تحدروا من حدود سوريا الشمالية المتاخمة لتركيا بهذه المنظومات المتطورة من السلاح، وهذه القدرات التدريبية، فائقة الدقة، فضلا عن الخرائط الجوية لتضاريس المنطقة، مما لا تملكها إلا جيوش الدول وهيئات اركانها؟.
علينا ان نهمل السؤال عما إذا كان تأسيس داعش تم بترخيص امريكي خفي لغرض شق تنظيم القاعدة على الارض السورية وتفتيت قواها المقاتلة، وايضا شق التنظيم المركزي بقيادة ايمن الظواهري، وغرز جسمها البشري الاكبر في رمال وادي الانبار، فلهذا السؤال مفاتيح وملفات، لكن معطيات الخلاف بين داعش وقيادة الظواهري يمكن ان تؤشر الى حقائق ذات مغزى، فقد كان الظواهري قد اعلن في ايلول الماضي حل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وابقاء جماعتي "دولة العراق الإسلامية" و"جبهة النصرة في الشام" كفرعين مستقلين يتبعان للقاعدة، لكن البغدادي رفض القرار من طرف واحد، وأعلن بلغة فقهية قائلا: "إني خُيّرت بين حكم ربي وحكم الظواهري فاخترت حكم ربي" ثم دعا اتباعه إلى قتال "الوافدين من النجف وقم وطهران" في خطوة اعتبرت بمثابة تحديد لوظيفة هذا المشروع القتالي..
وتضاف الى هذه اللوحة دعوات "معلبة" الى مقاتلي القاعدة في الشرق الاوسط اطلقها الظواهري في الثامن من نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي بوجوب عدم التعرض للمسيحين في البلاد الإسلامية والامتناع عن قتل وقتال الأهالي غير المحاربين حتى لو كانوا أهالي من يقاتل القاعدة، والامتناع عن إيذاء "المسلمين" بتفجير أو قتل أو خطف أو إتلاف مال أو ممتلكات. كذلك دعا إلى الامتناع عن استهداف "الأعداء" إذا ما تواجدوا في المساجد والأسواق والتجمعات التي يختلطون فيها بالمسلمين فضلا عن وجوب اعلان الهدنة مؤقتا مع دول محلية كافرة .
ومن الطبيعي لأي محلل ان يضع خطوطا تحت عبارات المسيحيين او غير المقاتلين او تفجير المساجد والاسواق والمزدحمات التي اوصى الظواهري بتجنب التنكيل فيها، فهي نفسها صارت هدف عمليات داعش، ويبدو انها اختصت بهذا النوع من الجرائم المصنفة، في نظام المحكمة الجنائية الدولية، كجرائم ضد الانسانية.
اما الحملة التي تشنها الحكومة على قواعد داعش في صحراء الانبار فانها قد تأخرت كثيرا، مثلما تأخر، حتى الآن، تعبئة المجتمع العراقي والارادة الوطنية لقبر هذا الطاعون، بعيدا عن اغواءات الكسب السياسي، او عن التهرب من المسؤولية.
********
"إذا اصبح الشيطان جسرا، إعبر النهر سباحة".
مثل كردي