المنبرالحر

بانتظار العرس البهيج / جواد وادي

برغم الفترة الزمنية المتبقية للعرس الانتخابي القادم وهي ليست بالقصيرة، يتبين لي أن العراقيين قد حزموا أمرهم لذلك اليوم لتحقيق التغيير المنشود، وكأني بهم ينتظرون يوم ولادة العراق الجديد، بعد أن فاض بهم الكيل ولم تعد الوعود الفضفاضة سوى ذر الرماد في العيون، لأنهم وببساطة قد أفرغوا من حسابهم قضية زحزحة الأمور قيد شعرة، ولم يجنوا غير الخطب الجوفاء ولا سواها، والبلاد تسير من سئ الى أسوأ، والعباد لا يجنون من الكلام غير جعجعته ولا من طحين على الأرض، فها هي البطالة تستفحل بين الشباب وخصوصا الخريجين منهم، بعد أن عقد أهاليهم العزم عليهم لرد بعض?دين في رقابهم، ولكن لا حلول لهذه الأزمة المتصاعدة، في حين نجد أن المحاصصة تضرب بأطنابها وبكل سيئاتها في تفاصيل الدولة، إن كانت هناك دولة، كان حزب القتلة المقبور يوزع الامتيازات لمنتسبيه بغض النظر عن كفاءاتهم ومستواهم العلمي وابعاد الكفاءات الحقيقية من نيل ما تستحق، واليوم وبعد الخيبة التي حصلت، باتت تلك الامتيازات بين منتسبي الكتل والأحزاب، وما أكثرها، هي سمة الوضع الحالي، لنعيش حالات تشظي مجتمعي خطير، وعند زيارتي الأخيرة للعراق، لاحظت وتيقنت بشكل لا يقبل الشك أن دوائر الدولة ومؤسساتها باتت حكرا على منتسبي?هذه الاحزاب والكتل، فهل من طامة أخطر من هذه، حتى الجيش وأجهزة الأمن من شرطة واستخبارات قد تحاصصوه، بقياداته ومراتبه، هذا لك وهذا لي، كنا نعاني من سطوة البعث ومعيار الانتماء له هو الذي يجلب الرخاء لصاحبه، عدنا اليوم نقلد التجربة البعثية، والأخطر من ذلك التستر على اللصوص وناهبي المال العام، رغم فضح الأسماء وهروب جل اللصوص خارج العراق، ولا من اجراء لايقاف هذا الهدر الخطير للمال العام، والسعي مع سبق الاصرار لافقار الناس وإبقاء العراق يئن تحت قسوة التخلف والاهمال ولا من سبيل لحلحلة الأمور.
أزمات وأزمات تضرب بكل كوارثها تفاصيل الحياة العراقية، ولا من حلول، وكأني بساسة العراق يعجلون بملفات الفساد ونهب ما يتيسر لهم، لأنهم يعرفون أن عجلة التغيير قادمة، ناسين أو متناسين أن الشعب العراقي يمهل ولا يهمل، يمهل هؤلاء السراق لمراجعة الضمير وعدم ترك العراق يتخبط في بلاويه ومشاكله، ولا يهمل حقه في استرداد كل ما سرق من مال الفقراء، طال الوقت أم قصر، ولهذا فهم يسعون وباساليب قد تتصدرها لغة الرصاص والاغتيالات، بعدم فسح المجال للشرفاء بتسلم قيادة البلد ومحاسبة الضالين والفاسدين.
ماذا فعل لكم ساسة العراق أيها العراقيون سوى الكوارث والأزمات وفرض الأمر الواقع من ترد عام في حياتكم، وكيف هو احساسكم الآن وانتم تتوجهون قريبا لصناديق الاقتراع لتكفروا عن خطاياكم وزلاتكم بمنح اصواتكم لمن لا يستحق، والنتيجة نرى أن جلكم يصرح من خلال شاشات التلفاز أنه نادم لما فعل ونراه يطبق بنواجذه على أصبعه أسفا للخطيئة التي ارتكب، فهل نطمئن أن ما نشاهده فعلا هو ما سيحدث من تغيير يعيد الأمور إلى نصابها وتبدأ اشراقات جديدة من الأمل والتغيير وفتح منافذ على المستقبل الحافل بالخير والرخاء والحياة السعيدة.
يتبجح المسؤولون أن العائق الأساسي عندهم هو الملف الأمني، فهل تزحزح هذا الملف باتجاه فرض سلطة الدولة والتقليل من الخسائر في الأرواح وهذا أضعف الإيمان؟
بقيت دار لقمان على حالها، الحراك الوحيد باتجاه تكريس فوضى الفساد والنهب، حتى باتت هذه الكارثة سمة الوضع الراهن في كل دوائر الدولة ومؤوسساتها ودهاليزها، ولدينا أمثلة عديدة وقفنا عليها شخصيا عند زيارتنا الأخيرة لبغداد المهملة والمنسية.
كنا نأمل أن نهضة حقيقية سيشهدها العراق وخصوصا عاصمة الدنيا بغداد، لنشاهد العمارات الشاهقة والحدائق الغناء والطرق المعبدة والاحياء الراقية والاسواق الفخمة وواجهات المباني الجميلة واعادة أماكن بغدادية هي ذاكرة المدينة الحقيقية كشارع الرشيد مثلا، وغيرها من العديد من الأمكنة البغدادية التي تحتاج إلى الرعاية واعادة الاعمار والاعتبار لها، حتى أنني حين شاهدت ما وصل اليه الخراب في شارع الرشيد دمعت عيناي لما رأيت.
إن العراقيين جميعا مطلوبون للتغيير ولا ينبغي أن يتهاونوا أبدا في التوجه لصناديق الاقتراع، لأنها الفرصة الذهبية للتغيير، ولا نريد أن نراهم يتباكون على أوضاعهم دون فعل حقيقي لمسح دموعهم، واحلال الفرح في حياتهم التي ما عرفت الهناء والسؤدد يوما، ان يوم الفرج قريب والعرس على الأبواب، فلا يغرنكم أيها العراقيون ما ستسمعون من تهويل وتخويف وتحذيرات حول الطائفة والمذهب والقومية والمقدسات، لأنه للاستهلاك ليركب اللصوص على ظهوركم من جديد.
ان القوى الديمقراطية الناهضة اذا ما استلمت مسؤولية البلد بنظام ديمقراطي حقيقي وليس بتكييف من يرى مصلحته أولا، كفيلة بتطبيق مبدأ المواطنة أولا وقبل كل شئ، لتكون هي المعيار الحقيقي في العمل وتوزيع الخيرات واطلاق المبادرات وعدم غمط كل ذي حق حقه.
ليخرج العراق من نظام المحاصصة المقيت والطائفية الكارثي، ولينعم العراقيون جميعا بعراق حقيقي ولكل العراقيين، اساس الانتماء له هو حجم ما يقدمه المواطن من خدمات ورعاية لمن يحتاجها، وايقاف مسلسل الخراب تحت مسميات الملة والدين والطائفة والمناطقية، لأن العراقيين كلهم ودون تمييز يقدسون الدين ويحترمون المعتقد والطقوس، ولا شأن للسياسي أبدا بالشعائر المقدسة، وسيكون البناء من أولويات القوى الناهضة وتحت محاسبة ومراقبة كل العراقيين ممثلين بهيئات قانونية نزيهة ونظيفة ومراقبة صارمة من منظمات المجتمع المدني وبقضاء مستقل ون?يه.
أنه الانتقال الحقيقي للديمقراطية المستمدة من نضال الناس اليومي، لا من الخطابات الرنانة.
وها نحن ننتظر يوم العرس الكبير والبهيج والمشرق.