المنبرالحر

كولان و اردوغان لمن ستكون الضربة القاضية/ انس محمود الشيخ مظهر

الصراع الذي تشهده تركيا حاليا ليس وليد اليوم بل هو نتاج تراكمات طويلة بدأت منذ سنين في وقوف الرجلان ( كولان واردوغان ) على مفترق طرق في اتخاذ مواقف حاسمة من ملفات داخل وخارج تركيا والتي رأى فيها كولان تهديدا مباشرا لمصالحه وللأفكار التي تبناها وعمل عليها طيلة السنين الماضية في طموحه للهيمنة على تركيا ليس باستلام السلطة فيها وإنما باستخدام الاموال واستمالة المواقف لتوجيه القرار السياسي التركي من خلف الكواليس.
لقد بدا الشرخ بين اردوغان وكولان قبل الثورات العربية وقبل ازمة سفينة مرمرة مع اسرائيل إلا ان الموضوعين كانا كفيلين بكشف الخلاف الكبير في تعاطي الرجلين مع الازمات الخارجية , فموقف كولان كان يتعارض تماما مع موقف اردوغان في الازمة مع اسرائيل وتبنى دائما فكرة عدم التصادم مع حليفة امريكا في المنطقة والذي يراها قدرا الهيا لدول هذه المنطقة ويجب التعامل معها بانفتاح دون مشاكل . اما الثورات العربية وموقف تركيا اردوغان منها كشفت لكولان ان هناك ثمة سياسي في انقرة على وشك الخروج من سيطرة جماعته والتحول الى زعيم اقليمي مما يضعف من دور الجماعة في القرار السياسي التركي .
قد يجهل الكثيرون في العالم العربي و الاسلامي ما تمثله جماعة كولان ( حركة الخدمة) في تركيا من الناحية السياسية والاقتصادية اضافة للناحية الدينية .. فالرجل برز كأحد النوريين او النورانيين ( اتباع سعيد النورسي ) وانشق عنهم ليكون له جماعة لها افكار تقترب كثيرا من النظرة النازية فيما يخص بالعرق لكنها مغلفة بنطاق ديني , فهو يرى ان العرق التركي قادر على تقديم الفكر الاسلامي بشكل اكثر رقي وانفتاح مما تقدمه الاحزاب الاسلامية العربية وان العنصر التركي قد فهم الاسلام و قدم له اكثر مما قدم له العرب .
واستفاد الرجل من التغيرات السياسية بعد انقلاب 1980 وقدم نفسه كوجه اسلامي معتدل استغلته الاحزاب العلمانية التركية لتظهره كبديل مناسب للأحزاب الاسلامية الاخرى خاصة وإنهم ( حسب ادعاءات الجماعة ) لا يتدخلون في السياسة ولا يطمحون الى السلطة شانهم في ذلك شان بقية الحركات الصوفية في العالم , وهكذا نجحوا في طمأنة الحكومات التركية المتعاقبة والانتشار والتوسع في بناء امبراطورية اقتصادية لا يستهان بها تمثلت في اموال ضخت للإعمال ( الخيرية) ولفتح مدارس خاصة بالجماعة داخل تركيا وخارجها ودس الكثير من عناصرها في اماكن حساسة للدولة حتى قبل وصول اردوغان للحكم .
لقد كان تغير الموقف الامريكي من تداعيات الثورة في سوريا وسقوط حكم الاخوان في مصر دافعا لإعلان كولان الحرب على اردوغان خصوصا بعد قرار حظر المدارس التابعة للجماعة داخل تركيا , وسواء كان البدء بهذا الصراع بتوجيهات امريكية وإسرائيلية ل ( تأديب ) اردوغان ام كانت ضربة ( معلم ) من كولان نفسه إلا ان حيادية الموقف الامريكي من الازمة الحالية تثير اكثر من تساؤل , فبدء الصراع في موقف الجماعة من ازمة ساحة تقسيم في السنة الماضية وكذلك اقالة مدير الاستخبارات التركي المقرب من اردوغان والمسئول المباشر عن ملف المفاوضات بين حزب التنمية والعدالة الممثلة للحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني .
ما يحدث في تركيا لن تكون تبعاتها محصورة في الداخل التركي بل ستتعداه الى الخارج التركي فيما اذا خسر اردوغان هذه الجولة واستطاع كولان التحالف مع الاحزاب القومية واليسارية التركية والفوز في الانتخابات القادمة , فحركة ( الخدمة ) وهي اسم جماعة كولان لها تجارب سابقة في التحالف مع الاحزاب العلمانية قومية كانت ام يسارية وهي تتحرك حسب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة , وإذا ما حصل هكذا تحالف فهذا فيعني تحالف القوى القومية التركية التي تميل توجهاتها نحو الغرب وأمريكا وإسرائيل وتتبني موقفا حياديا في الصراع السياسي بين ايران والدول العربية مع جماعة اسلامية كجماعة كولان التي لها علاقات ممتازة مع امريكا وإسرائيل وتمتلك نظرة قومية ذات صبغة دينية اخطر على الدول العربية من التوجهات المذهبية لإيران .
ولكن يبدو ان الدول العربية لا تمتلك بادرة في الفعل بقدر ما تركز على ردود الافعال بعد حدوث الحدث , فقسم من الدول العربية ( التي تتعارض مع توجهات اردوغان) مستبشرة بما يحدث في تركيا والقسم الاخر يتفرج بصمت حيال ما يحدث دون استعمال اي ضغوط سياسية على الجهات الداعمة لكولان في الغرب وأمريكا . قد يكون التوجه العربي حيال الازمة التركية توجها صحيحا ( انيا ) ولكن على المدى البعيد فسيكون اسقاط اردوغان وإرجاع عقارب الساعة الى الوراء في تركيا بالنسبة للدول العربية كمن يستجير من الرمضاء بالنار .