المنبرالحر

اماني السنة الماضية والحالية واللاحقة! / جاسم الحلفي

الامان والسلام والاستقرار هي ابرز الكلمات التي تداولها العراقيون في ما بينهم تعبيرا عن امانيهم لهذا العام. وهي الكلمات ذاتها والأماني عينها التي رافقت رسائل تهانيهم في العام الماضي، كذلك العام الذي سبقه. وهكذا وردت في السنوات السابقة طوال حكم البعث البائد، والسنوات التي اعقبت التغيير في عام 2003! والسؤال الواجب طرحه في ختام السنة الماضية، وعلى ابواب السنة الجديدة: هل يمكن ان تشهد تهانينا للعام المقبل، تغيرا يعكس طموحا للبناء والتقدم والازدهار والتنمية وتأمين الضمانات في العمل والعيش الكريم والتقاعد المجز? وتحسين التعليم وتوفير العلاج الصحي بأيسر الطرق واحترام حرية التعبير وصون كرامة الانسان وحقوقه الطبيعية والمدنية والعامة. هل يمكن ان تشهد احاديثنا عن توفير مستلزمات التعمير والتطوير والتأهيل وتحسين ادارة موارد بلدنا البشرية انعكاسا لها في ارض الواقع؟ ومتى نغادر الى الابد ثقافة الكراهية والاقصاء والتهميش والانتقام والعزل؟ ولماذا لا تسود مفاهيم الوئام والتسامح والعيش المشترك؟
بطبيعة الحال ان هذه الاماني التي دأب العراقيون على ترديدها طيلة عقود من السنين، كونها تمثل تعبيرا عن حاجات ضرورية لهم وملحة للحياة وآنية للعيش، بدت وكأنها اهداف بعيدة المنال، وتحقيقها غدا مستحيلا، بينما هي ضمن البديهيات لأغلب شعوب العالم.
اجزم ان امانينا ستبقى ذاتها تتكرر كل عام، بعد ان اصبحت لازمة لكل الاعوام، اذا لم تتغير طبيعة النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي. فاذا كان النظام قبل 2003 قد عُرف بالدكتاتورية والتفرد، وهو نظام مأزوم دفع البلاد الى الحروب والحصار وحكم عبر طرائق الاستبداد، فان النظام الذي بني في اعقابه بعد التغيير، انما كان اساسه المحاصصة الطائفية والأثنية، ورافقته الازمة تبعا لذلك، ولا يمكن البراء منها الا بإعادة بناء النظام السياسي على اسس المواطنة.
فكما ان الدكتاتورية تدفع الى التفرد واحادية التفكير، وتتضخم فيها الانا الواحدة، فان نظام المحاصصة يصل الى ذلك في نهاية المطاف. وان بديل ذلك هو النظام الديمقراطي الذي يؤمن فضاء المشاركة السياسية ويشجعها يوفر لها بيئة للنشاط، ويوفر مستلزمات نهوض المجتمع المدني، كي يلعب دوره المنشود في بناء السلم الاهلي وترسيخ الامن المجتمعي.
فكما ان الديمقراطية والمشاركة السياسية ليستا من منتوجات ذهنية الاستبداد، كذلك فان الذهنية الطائفية لا تنتج الا العزل والانقسام والتهميش والاستحواذ و الخوف من الآخر. فيما المخاوف واشاعتها لا تستقيم مع العيش المشترك والوئام المجتمعي.
لذا لا يمكن تصور ان يتحقق الامان والسلام والاستقرار في بلادنا، الا عبر بديل مدني ديمقراطي، يؤمن حقا ان العراقيين متساوون جميعا امام القانون، ويؤمّن لهم تكافؤ الفرص.