المنبرالحر

الرأي والرأي الآخر/ زهير كاظم عبود

تشكل ثقافة الحوار اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر ، ومقدمة لبناء اسس الديمقراطية ، وشكلت الحقبة الزمنية الفائتة تراكماً من التطبع على الغاء الأخر وشطبه ، واللجوء الى استعمال الخطابات البعيدة عن الواقع والمنطق ، وانتهاج سياسة التخوين والتكفير والاتهامات ، وفتح النار على المخالفين ، واحتواء المتفقين ، في سلوك بعيد جداً عن أسس ثقافة الحوار والسلوك الديمقراطي الإنساني السليم .
ترتكز ثقافة الحوار على قدرة الإنسان في التفاعل مع الآخرين ، من خلال اعتماد القدرة على الحوار والاستماع الى الرأي الآخر ، وتلك القدرة يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات ، غير أن تلك القدرة ترتبط ايضا باحترام الرأي الأخر والاستماع له والمقدرة على مناقشته بالوسائل الإنسانية المعهودة .
ويبدو للمتابع أن ضعف ثقافة الحوار وتردي الالتزام بها في مجتمعاتنا ، ليس فقط نتيجة للتراكمات السلبية للتناحر السياسي الحزبي أو التناقض الاجتماعي والطبقي ،ولا بنتيجة التخلف القبلي والعشائري الذي نعيشه ونتمسك به بإصرار ، بل هو نتاج خليط لتلك الحقبة الزمنية الطويلة من التربية الاجتماعية والدينية والعشائرية التي امتزجت زمنا طويلا ، لتشكل تلك النتائج الهجينة في السلوك وتردي لغة الحوار وبالتالي انعكاس ذلك حتى على التربية الأسرية داخل البيت ، وتعداه الى المدرسة والمجتمع .
وكما يبدو أن ظاهرة الغاء ثقافة الحوار التي استقرت في حقبات زمنية متفاوتة ، وأن خضعت الى ظروف المجتمع وثقافته ، الا أنها انتشرت بين أوساط العمل السياسي والديني ، حتى باتت ظاهرة سلبية من ظواهره ، بل صارت سيفا حاداً مسلطاً بين اوساط المجتمع الملتزم بقيم واعراف وتقاليد متزمتة ، من الصعب التمرد عليها أو مخالفتها ، ولهذا فقد باتت عملية إلغاء الآخر وشطبة والتطرف في محاربته ، واللجوء الى أساليب التهميش والتسقيط ، وغرس الخنجر في الأعراض والشرف والطعن بتاريخ العائلة ، لما لها من تأثير كبير لدى العراقيين بشكل خاص ، جميعها اساليب تعني الارتداد والنكوص عن ممارسة الفهم الإنساني في ممارسة عملية ثقافة الحوار .
وفي الفترة الأخيرة قد نغالي اذا قلنا أن النصوص الدستورية التي جاء بها الدستور العراقي والتي تؤكد على الالتزام بالحوار والرأي والرأي الآخر واحترام الفكر ، جميعها نصوص بحاجة الى أن نترجمها عمليا ، وان نشرع في أن نخطو الخطوات الأولى لتطبيقها ، فالنصوص دون تطبيق كالأحلام والتمنيات ، هذه النصوص بحاجة ليس فقط لقناعتنا وموافقتنا على وجودها وتضمينها في نصوص حقوق الأفراد ، وإنما بحاجة الى التطبيق وبحاجة أيضاً الى أن نتعرف على مكامن الخطأ في السلوك والطريق اليها ، لكننا يجب أن نصر على الوصول الى الطريقة الأمثل في تطبيقها واستقرارها وكقاعدة من قواعد الديمقراطية التي نزعم إننا نريدها في العراق .
وإزاء ما يحدث اليوم فأننا أمام تنافر وتعارض بين تلك المفاهيم التي استقرت زمنا ليس بالقصير وتطبع المجتمع على الالتزام بها سلوكا وممارسة ، وبين تلك الرؤى والأحلام التي طالما اردناها أن تكون سلوكنا الجديد ، والأرضية التي تقوم عليها ثقافتنا ، وحين تحل القيم الجديدة في ثقافة الحوار ، فأن العديد من الوسائل والأشكال العاملة في مجال الفكر والخطاب السياسي والأعلام سيلتزم حتما بخطوطها المضيئة ، لأن الغاء الآخر والعمل على شطبه ستكون حينها ضربا من ضروب انتهاك حق الإنسان في الفكر والعقيدة ، والغاء لحقوقه المنصوص عليها دستوريا والتي يكفل حمايتها القانون .
ويبدو لنا من وجهة نظرنا المتواضعة أن هذا السلوك في تعميم ثقافة الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر ، ينبغي أن يعم بين أوساط الطبقة المثقفة والمتعلمة ، وان تتم ممارسته بين تلك الأوساط لينتقل الى غيرهم من باقي الشرائح ، وكما أن لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والأحزاب السياسية دورا فاعلاً وأكيداً في الجانب التنويري .
كما أن لأشاعه ثقافة الحوار وتعميمها في أوساط المجتمع دورا هاما في ترسيخ أسس هذه الثقافة في المجتمع ، وأن على الحكومة مهمة اشاعة ثقافة قانونية يمكن معها ان يتعرف المواطن العراقي على حقوقه وواجباته ، وان لكل مواطن الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين والآداب العامة .
وليس اعتباطا ان يأتي نص المادة ( 38 ) من الدستور ليلزم الدولة بكفالة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ، وان لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة.