المنبرالحر

محاولة لإعادة تركيب ما حدث / عبدالمنعم الاعسم

بدأت حرب الانبار، أصلا، من ازمة حمايات الوزير رافع العيساوي، وبدلا من تطويقها وحلها "بالتي هي احسن" هرع اصحاب الازمة الى محاولات قلب الطاولة على بعضهم: حكومة المالكي الى ملاحقة الوزير وفريقه السياسي، بالقضاء والشرطة، لإقصائهم عن مطبخ السياسات والقرار والادارة، والوزير الى الاعتصام والتجييش للزحف الى بغداد لطرد الحكومة وما تمثله خارج المطبخ. اما الطاولات فلم تنقلب، إذْ بقي العيساوي في موقع اللاعب، غير المقبول، وبقي المالكي في سلطة القرار، غير المرحب به، وتحولت ساحة اعتصام العشائر في الرمادي الى غرفة اخرى لطبخ الازمة.
ومن زاوية بدا للمراقب الموضوعي ان الصراع السياسي في طوره الجديد (بغداد- الانبار) غير المنزوع من الابعاد الطائفية، ينزلق الى نوع من المقامرة. وكل مقامرة بحاجة الى طاولات وسكاكين، والى لاعبين بلا قلوب، فضلا عن حاجتها الى الاوهام والخواطر غير المؤكدة. هنا، يقول الشاعر الفرنسي (فرانسوا فيلون) الذي عُرف بادمان القمار في القرن الخامس عشر: "لا أثق إلا بما هو غير أكيد، ولا تريبني غير الحقيقة" وتحكي لنا السيرة السنسكريتية المعروفة (المهابهراتا) قصة الملك الموهوم "يوديشتير" الذي قامر بامواله واخوانه وزوجته الفاتنة "دوربادي" وانتهي الى المراهنة بنفسه، فخسر كل شيء، لكن الاكثر دراماتيكية في لوحة الصراع نرصدها في التسويق المنهجي من الطرفين لصورة اللاعب المنقذ الذي يمشي فوق الماء، ولا يغرق، وللمشي فوق الماء قصة في كتاب الاغاني سنأتي اليها في نهاية المقال.
/وعندما دخلتْ قطعان الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على خط الازمة كان واضحا ان الانبار وبغداد انزعجا، معا، من هذا الوافد الارهابي الجامح، ثم ظهر ان لهذا الانزعاج ما يبرره، حيث تغير الملعب ثم ادوات اللعب، فلم يعد معسكر العيساوي يحتكر تمثيل الانبار وما تمثله من تحالف سياسيي غرب العراق، ولم تعد كابينة المالكي تمسك بالسياسة والارض وتفويض الشركاء، ليبدأ فصل آخر من صراع مثلث الاركان والاهداف، اكثر تعقيدا وضراوة: داعش. تحالف الانبار. الحكومة. وكل طرف صار يواجه خصمين بدلا من خصم واحد، كما كان غداة ازمة الحمايات واستقطابات ساحة الاعتصام.
/المنطق السياسي الواقعي الذي يستند الى المصالح وتوازن القوى وخارطة التحالفات يقول ان طرفي الازمة السياسية في البلاد (الانبار. بغداد) الشريكان في العملية السياسية وادارة الحكم، ينبغي ان يعودا الى حكمة المصالحة والتنازلات المتقابلة واستئناف الشراكة وإنهاء المقامرة بالبلاد والارواح، لإلحاق الهزيمة بالمشروع الارهابي في نسخته الجديدة الاكثر خطورة وإجراما، ويلزم الامر، وفورا، الكف عن لعبة قلب الطاولات واوهام القوة، فلا أحد مرشح ليكون منقذا، ولا أحد بمقدوره ان يمشي فوق الماء، حيث جاء رجل الى الصوفي "سهل التشتري" المتوفى عام 886 ميلادية وقال له: ان الناس يقولون ان بمقدورك ان تمشي فوق الماء، فكان رد سهل بانْ طلبَ منه الذهاب الى مؤذن في المدينة معروف بصدقه كي يسأله عن الامر، وحين ذهب الرجل الى المؤذن تلقى الجواب الشافي منه إذ قال له: انا لا اعلم إن كان شيخنا سهل يمشي على الماء، ام لا، لكن ما اعلمه هو ان الشيخ الجليل حين قصد حوض الماء ذات يوم بغية الوضوء سقط فيه وكاد ان يموت غرقا لو لم اسارع الى نجدته وانقاذه.

*****
"المنافسة تؤدي إلى أفضل المنتجات وأسوأ الأشخاص".
ديفيد سارنوف- رجل اعمال امريكي